د. سمير صالحة - تلفزيون سوريا
ما هذا العشق الذي مضى عليه 6 عقود كاملة دون نتيجة. غرام الأجداد انتقل إلى الأبناء واستمر مع الأحفاد ولكنه لا يصل إلى بوابة القفص الذهبي. تركيا والاتحاد الأوروبي حكاية غرام نحو العضوية بدأت عندما كانت المجموعة تضم 6 دول فقط. اليوم هي تستمر مع 27 دولة تحتاج أنقرة إلى موافقتها بالإجماع لتحقيق الحلم. كيف ستنجح في ذلك واليونان والقبارصة اليونانيون وهولندا وفرنسا يقودون اليوم حملات الرفض والمواجهة والتلويح الدائم بحق النقض؟
هل المواجهة التركية ـ الأوروبية هي حقيقية هذه المرة وهل ستصل في القمة الأوروبية المرتقبة بعد أيام إلى القطيعة التي تطيح بحلم العضوية التركية في الاتحاد، أم انه غرام القضاء والقدر على طريقة "الحب عليك هو المكتوب" حتى ولو لم يصل الطرفان إلى النهاية السعيدة؟
القيادات السياسية التركية تطرح بين الحين والآخر فتح صفحة جديدة من العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، وتقول إنها متمسكة بتحقيق هدفها الاستراتيجي المتمثل في الحصول على بطاقة العضوية الكاملة بدلا مما يطرح عليها من "شراكة بامتياز". المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن يكرر قبل أسبوعين مثلا، وخلال اجتماعه مع مسؤولي الاتحاد في بروكسل لبحث ملفات الخلاف الإقليمية المتراكمة والمتزايدة يوما بعد آخر مثل تطورات شرق المتوسط وليبيا وسوريا وإقليم قره باغ، أن بلاده ترى أن عضويتها في الاتحاد الأوروبي تعد أولوية استراتيجية وتحتاج إلى دفعة ديناميكية. لكن كل المؤشرات تذهب باتجاه آخر نحو الانفجار.
إلى جانب الرسائل السياسية العلنية والمباشرة التي توجهها القيادات الأوروبية إلى أنقرة باستحالة قبول عضويتها والتي تفوق العشرات وكان الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون الأكثر صراحة في إعلانها "التطورات الأخيرة في تركيا لم تسمح بأي تقدم في عملية انضمامها للاتحاد الأوروبي"، هناك في الآونة الأخيرة المواقف التي تتحدث عن اقتراب لحظة التصادم بعدما كان الحديث عن نهاية الحلم، وأنه لن يكون سهلاً بعد الآن إخفاء حقائق الاصطفافات والمترسة الاستراتيجية المتقابلة. سيناريو فرض عقوبات جديدة على أنقرة في القمة الأوروبية المرتقبة بعد أيام يتقدم على غيره من الخيارات بفارق أن أسباب خطوة من هذا النوع كانت مرتبطة أكثر بملفات الداخل التركي التي تنتقدها بروكسل منذ عقود لكنها هذه المرة موجهة نحو سياسة تركيا الإقليمية التي تتعارض مع مواقف ومصالح أوروبا.
اتجهت الدول الأوروبية في الفترة الأخيرة إلى ممارسة ضغوط أقوى على تركيا، عبر تصويت أعضاء البرلمان الأوروبي، في 26 الشهر المنصرم، على مشروع قرار فرض عقوبات بالأغلبية المطلقة ضد تركيا في القمة الأوروبية التي ستعقد في العاشر من الشهر الحالي. السبب هذه المرة هو الرد "على محاولات تركيا فرض أمر واقع في قبرص ومياهها الإقليمية، فضلاً عن تحركاتها في منطقة شرق البحر المتوسط وخلافاتها التي تتسع تدريجياً مع اليونان".
هناك مؤشر آخر حول تصاعد الأزمة وهو مضمون قرار مجلس الشيوخ الفرنسي والذي تبعه توصية البرلمان هذه المرة، على قرار غير ملزم يحث الحكومة على الاعتراف بإقليم ناغورني قره باغ المتنازع عليه بين أرمينيا وأذربيجان كجمهورية مستقلة. السبب هو "أن سياسة تركيا التوسعية هى العامل الرئيسي لزعزعة الاستقرار في شرق البحر المتوسط والشرق الأوسط والآن في جنوب القوقاز، وتشكل تهديداً لأمن فرنسا وأوروبا ككل".
قبل ذلك بأسبوعين أيضا كان هناك مواجهة "إيريني" بعدما اقتحمت فرقاطة ألمانية سفينة شحن ترفع العلم التركي في المتوسط، وتم تفتيشها بعد تشككها في قيامها بنقل أسلحة إلى ليبيا. المناورات الخماسية اليونانية المصرية الفرنسية القبرصية اليونانية والإماراتية المشتركة في المياه اليونانية تعكس مرة أخرى حجم وطبيعة الاصطفافات القائمة ضد أنقرة.
علاقات مجمدة أصلا في مسار العضوية التركية منذ سنوات وحكاية الغرام سائرة في طريق مسدود، وكلا الطرفين يعرف ذلك حيث مواقف القوميين الأوروبيين المتشددين لا تختلف كثيرا عما يردده "تحالف الجمهور" في تركيا الذي يجمع حزب العدالة مع الحركة القومية والذي يضع شعاراته ومطالبه في الملفات الوطنية والإقليمية فوق أي مصلحة. المشكلة هي تقنية فقط من الذي يملك شجاعة إعلان فسخ الخطوبة وتحمل تبعاتها السياسية والحزبية والشعبية.
أردوغان يقول للأوروبيين إن مشروع العضوية الكاملة ما زال قائما بالنسبة لأنقرة لكنه جاهز لتكرار ما قاله أكثر من مرة أيضا "إذا كانت أوروبا ترغب في إعادة تقييم طلب عضوية تركيا، فلتفعل ذلك بسرعة ولتخبرنا بالنتيجة وعندها سنلجأ إلى الشعب مثلما فعلت بريطانيا".
استطلاعات الرأي التركية ما زالت في غالبيتها تتحدث عن قناعة أكثر من ثلثي الأتراك أن موضوع العضوية التركية في أوروبا بين المستحيلات فعلى ماذا تعول أنقرة إذا لتعلن فك الشراكة؟ الاستطلاعات نفسها كانت تتحدث عن رغبة شعبية تركية واسعة في تحسين العلاقات مع دول الجوار والمساهمة في قيادة العالم الإسلامي فهل تعطيها هذه العواصم ما تريده بعد تراجع "صفر مشاكل"؟
أوروبا لم تعد في هذا الوضع الصعب وخيارات أحلاها مر بين المضي في سياسات التهدئة مع اللاعب الإقليمي المهم تركيا والذي تحتاجه جغرافيا وعسكريا واقتصاديا وبين تلبية صرخات عواصم عديدة بالتصعيد ضد أنقرة حفاظا على وحدة التكتل وحماية تماسكه والدفاع عن حدوده الجغرافية التي باتت تشمل شرق المتوسط وبحر أيجه وأوروبا السوفياتية سابقا. عواصم أوروبية عديدة غاضبة لكنها تريد أن ترمي الكرة في ملعب الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن والاستقواء به ليساعدها على إنهاء مشروع 60 عاما من الشد والجذب. بروكسل تريد من بايدن أن يدخل على الخط لحسم الموضوع من خلال عدم تجاهل "مخاطر التوسع التركي" الإقليمي على حساب أوروبا وأميركا وبالتنسيق مع الخصم والعدو الروسي والصيني.
يقول مساعد وزير الخارجية التركي السفير فاروق قيمقشي إن تركيا ليست عاجزة عن الذهاب وراء بدائل وخيارات أخرى عندما تصل إلى طريق مسدود في علاقاتها مع الغرب. أنقرة تريد من الاتحاد قبولها أوروبيا لكنها تقول أيضا إنها لن تتنازل عن حماية مصالحها الإقليمية إذا ما كانت تتعارض مع مصالح أوروبا وأميركا. أردوغان في العاصمة الأذربيجانية يوم الأربعاء المقبل قبيل ساعات من القمة الأوروبية. هي ليست صدفة حتما.
الأزمة حتى الأمس القريب كانت بين أنقرة ومؤسسات الاتحاد الأوروبي لكنها هذه المرة تنتقل إلى مواجهات مباشرة مع اللاعبين الكبار في المجموعة الأوروبية وفي مقدمتهم فرنسا وألمانيا وإيطاليا.
تركيا حققت الكثير مما تريده في ملفات إقليمية حساسة بينها الليبي والقبرصي والأذري والسوري وشرق المتوسط. وهي فعلت ذلك من خلال التصادم المباشر مع شركاء وحلفاء أوروبيين. فلماذا تعطيها أوروبا الفرصة لمواصلة هذه السياسات؟
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس