ترك برس
رأى الكاتب التركي توران قشلاقجي، أن بعض الأطراف، وفي مقدمتها إسرائيل وفرنسا واليونان، استخدمت علاقاتها مع الدول العربية لاستهداف تركيا، وإن مزاعم "دعم جماعة الإخوان المسلمين" هي مجرد ذريعة.
وقال قشلاقجي، إن التحركات التركية في الأعوام الأخيرة أزعجت بعض القوى العالمية والإقليمية، خاصة في ما يتعلق بخطواتها التاريخية في مجال التكنولوجيا العسكرية، وتحديدها مناطق الصلاحية الخاضعة لسيادتها في البحر الأبيض المتوسط، من خلال مبادرة «الوطن الأزرق» ودورها القوي في القضايا التي يمكن أن تشكل خطرًا عليها، بدءا من قره باغ وحتى ليبيا، فضلًا عن سعيها لأداء أدوار مهمة في المحافل الإقليمية والعالمية، نظرًا لقوتها المستمدة من تاريخها العريق.
علمًا أن تركيا كانت ولا تزال تتخذ هذه الخطوات، باعتبارها شرطًا من شروط استقلالها، لكن هذا الأمر تسبب بحدوث مناوشات مع بعض الدول في حلف شمال الأطلسي (الناتو) والاتحاد الأوروبي.
وأضاف الكاتب في مقال بصحيفة القدس العربي: بعد أن غيرت الحرب الباردة الظروف العالمية، وتشكلت ظروف جديدة، بدأت تركيا تشهد في هذه الأثناء صعودًا لافتًا في العديد من المجالات، بما في ذلك الاقتصاد والدبلوماسية. وشرعت أنقرة، عبر موقف أكثر استقلالية، في تطوير سياسات «متعددة الأوجه».
في خضم ذلك، غفلت الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية عن هذه الحقيقة في الأعوام الأخيرة، وأصابت تركيا بخيبة أمل بسبب خطواتها، ورغم كل هذه المعارضة، أكّدت تركيا من خلال قراراتها المستقلة أنها لا تريد الابتعاد عن الغرب. وأخيرًا، بدأ الغرب خلال الأشهر القليلة الماضية، يعترف بحقيقة «تركيا الجديدة».
وتابع: عندما نقرأ الأحداث في ضوء هذه التطورات، يمكننا أن نرى بكل وضوح أنه لا علاقة أبدًا للإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ومصر بالمواقف المعادية، التي انتهجتها ضد تركيا في السنوات الأخيرة، وكل ما هنالك أن بعض الأطراف، وفي مقدمتها إسرائيل وفرنسا واليونان، كانت لا تريد لتركيا أن تنمو وتتطور، واتخذت خطوات كثيرة لمنع ذلك، ولهذا السبب، حاولت هذه الدول استهداف تركيا عبر العلاقات التي أقامتها مع بعض الدول العربية. وأثبتت الأيام كم كانت مؤسفة هذه الخطوات المتخذة من قبل عدد من الدول العربية، لإلحاق الضرر بتركيا.
يزعم البعض أن السبب وراء تلك الخطوات هو أن تركيا تقدم الدعم لجماعة «الإخوان المسلمين» وهذا لا يعكس الحقيقة، لأن تركيا احتضنت منذ القدم – بما يمليه عليها تاريخها – العديد من الشعوب المهاجرة، بما في ذلك المجتمعات غير المسلمة مثل اليهود والروس والمجر، ومن مناطق مختلفة مثل الأندلس والبلقان والقوقاز.
وقد واصلت تركيا هذا الموقف حتى اليوم من خلال استقبال عشرات الآلاف من الناس، الذين لجأوا إليها في السنوات الأخيرة من العراق واليمن وسوريا وليبيا والصومال وفلسطين ومصر، ولم تغلق أبوابها في وجوههم. وهي بذلك تحمي اللاجئين إليها من منطلق إنساني، مثلما تستقبلهم كندا وألمانيا وبريطانيا وأستراليا بموجب قرارات الأمم المتحدة.
ومن بين ملايين العرب اللاجئين إلى تركيا، هناك من يتبنى الليبرالية والشيوعية والفكر القومي والسلفي، وآخرون ينتمون إلى جماعة الأخوان المسلمين. لم تستقبل تركيا هؤلاء لأنها تتبنى هذه الأيديولوجيات بل لأنها ترى الأمة جسدًا واحدًا منذ القدم، ولم تدعم أو تساند أيديولوجية معينة على الإطلاق. كما أن العنصر الرئيسي للفكر الديني في تركيا تشكله شخصيات احتضنت الأمة كلها بأفكارها مثل يونس أمره مولانا جلال الدين الرومي.
لهذا السبب احتضنت تركيا الشعوب التي تعرضت للظلم في هذه المنطقة، مهما كانت أفكارها، وبدون أن تميز بين شيعي وسنّي وهو ما تقتضيه هويتها التاريخية. ومن هذا المنطلق أيضًا، حرصت تركيا على احتضان وحماية شيعة العراق وإيران وأذربيجان ولبنان. ولا شك بأن الذين يكيلون الاتهامات لتركيا، يعلمون جيدًا بأن هذا لا يعني أنها تتبنى تلك الأفكار.
حتى في سنواتها الأولى، فتحت الجمهورية التركية أحضانها لعدد كبير من المفكرين العرب، الذين تعرضوا للنفي من أوطانهم، بدءا من الحاج أمين الحسيني وحتى عزة دروزة. وفي ستينيات القرن الماضي، ألّف المؤرخ الشهير جمال قوطاي، أحد الأصدقاء المقربين لمصطفى كمال، كتابًا يتناول جماعة «الإخوان المسلمين» ويسلط الضوء على دورهم في النضال ضد الغرب من أجل الاستقلال. وتوجد في تركيا أيضًا كتب كثيرة تتحدث عن الصداقة بين مصطفى صبري أفندي، آخر شيوخ الإسلام في الدول العثمانية، وحسن البنا، مؤسس الجماعة.
خلاصة الكلام، لا ترغب تركيا أبدًا في إلحاق الضرر بعلاقاتها مع الدول العربية، وفي مقدمتها دول الخليج، وهي تنتهج موقفًا براغماتيًا في العلاقات الثنائية بخلاف الدول الأخرى، التي تركز على الموقف الأيديولوجي. كما أن تركيا لم تتدخل في الحقوق السيادية لأي دولة مثلما تزعم الإمارات العربية المتحدة. وعلى الذين يوجهون لتركيا مثل هذه الاتهامات، أن يراجعوا مواقف الغرب أولًا ومن ثم مواقفهم الذاتية.
في ضوء ذلك، تدرك أنقرة جيدًا أن الاستقرار في العالم العربي يعني الاستقرار في تركيا، ونأمل في هذا الصدد أن تساهم الخطوات الجديدة المرتقبة خلال الأيام المقبلة بين تركيا وقطر والسعودية، في إعادة تأسيس الاستقرار والوحدة في المنطقة.
لقد كشف وباء كورونا عن نقاط الضعف في البنية الاجتماعية والاقتصادية لدى أجزاء كثيرة من العالم، بدءا من الولايات المتحدة وحتى روسيا، وأدت الفوضى في المجال الصحي، إلى تسريع تصاعد الصدمات الاقتصادية والاختلالات الاجتماعية.
ولم يعد يخفى على أحد مدى الأضرار التي ألحقتها الاستقطابات بالدول والمنطقة والعالم على حد سواء. ومن الواضح جدًا أن الاستقطاب السياسي والقضايا الاجتماعية والاقتصادية ستواصل في خلق المشاكل لفترة أطول.
دخلت دول العالم كافة، بما في ذلك الولايات المتحدة وأوروبا، مرحلة انتعاش جديدة، وبالتالي يتعين على تركيا وقطر والسعودية أن تتخذ خطوات سريعة لضمان انتعاش المنطقة من جديد. فهناك أزمات أكبر مما نشهده اليوم، تنتظر المنطقة والعالم أجمع في الفترة المقبلة…
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!