(الرئيس التركي خلال تشييع أستاذه سراج، في جامع الفاتح بإسطنبول)
ترك برس
شيّع الآلاف، الأحد، في إسطنبول، عالم الحديث التركي محمد أمين سراج، لمثواه الأخير.
وشارك في تشييع عالم الحديث الشهير، مسؤولون في الحكومة والمعارضة التركية، أبرزهم، رئيس البرلمان، مصطفى شنطوب، ورئيس البلاد، رجب طيب أردوغان، ورئيس الوزراء التركي الأسبق، أحمد داوود أوغلو، وعشرات الوزراء والمسؤولين السابقين.
وتوفي الشيخ محمد أمين سراج، كبير العلماء الأتراك المختص بعلم الحديث، مساء الجمعة، عن عمر ناهز 90 عاما، بعد مدة من إصابته بفيروس كورونا.
وتخرّج على يد أمين سراج أكثر من ألفي طالب شرعي من مختلف أنحاء العالم الإسلامي، أبرزهم الرئيس التركي الحالي، رجب طيب أردوغان الذي تلقّى على يده الدروس الشرعية، أيام الثانوية، فيما يتولى نجله يكتا سراج، حالياً، رئاسة مجلس التعليم العالي المسؤول عن إدارة الجامعات والتعليم العالي في تركيا.
وولد أمين سراج في قرية تابعة لولاية طوقات شمالي تركيا قرب البحر الأسود، لعائلة معروفة بعنايتها بالعلوم والمعارف الدينية، وتعلم القرآن مبكرا وبدأ التلاوة في عمر السادسة، في حقبة كان تدريس القرآن فيها ممنوعا.
حُكم على والده حافظ مصطفى أفندي بالسجن 6 أشهر لأنه درّس أبناءه القرآن واللغة العربية، وبعد مدة أرسلته أسرته ليدرس 3 سنوات في ولاية مرزيفون بدءا من عام 1940، ولاحقا ذهب إلى إسطنبول ورعاه إمام جامع الفاتح عمر أفندي مدة، قبل أن يذهب إلى مدرسة "قرة غومروك" ويدرس صحيح البخاري على الشيخ سليمان أفندي الذي أعطاه أول إجازة في علوم الحديث.
وحتى عام 1950، كان الفتى يدرس العلوم الدينية والحديث الشريف في إسطنبول، وقد درس سنن الترمذي ومراقي الفلاح وصحيح مسلم وغيرها من كتب الأحاديث والتفسير، ثم ذهب إلى مصر ليدرس في الأزهر الشريف.
وروى الشيخ الراحل رحلة "الهجرة" الصعبة، إذ لم يكن الوصول إلى مصر سهلا كما كان يعتقد، ولم يتمكن من الحصول على جواز السفر المطلوب بسبب ظروف تلك المرحلة، وقد حاول أن يشق طريقه عبر بغداد.
استقل القطار إلى ديار بكر، ثم ذهب إلى ماردين ولكنه لم يستطع إكمال الرحلة، فعاد إلى مسقط رأسه ثم إلى إسطنبول مرة أخرى، وتمكن لاحقا من استخراج جواز سفر بمساعدة صديق لجده، وسافر أخيرا إلى مصر حيث درس على يد شيوخ وعلماء الحديث، وتعرف إلى كبار علماء مصر وبلاد الشام.
في مصر، تعرف سراج على مصطفى صبري أفندي الطوقادي (1869-1954) الذي ينتسب لـ "طوقات" أيضا، والشيخ محمد زاهد الكوثري (1879-1952) الذي درس أيضا في جامع الفاتح بإسطنبول في نهاية زمن الدولة العثمانية، وبسبب معاناته مع سياسات حزب الاتحاد والترقي خلال حقبة الحرب العالمية الأولى وموقفها السلبي من العلوم الدينية، ركب الكوثري باخرة إلى الإسكندرية عام 1922، وعاش بين مصر والشام، ثم استقر في القاهرة وعمل على ترجمة الوثائق من اللغة التركية إلى العربية في دار المحفوظات بالقاهرة، وألّف عشرات الكتب المعروفة في علم الكلام والعقيدة والفكر الإسلامي.
تخرّج سراج من الأزهر نهاية الخمسينيات من القرن الماضي، بتشجيع من أستاذه علي حيدر أفندي، وعاد بعد ذلك إلى تركيا ليتزوج ويخدم المعارف الدينية وعلوم الحديث في بلاده وفي جامع الفاتح لأكثر من 60 عاما.
أكمل الشيخ أمين سراج خدمته العسكرية الإجبارية خلال فترة الانقلاب عام 1960، وفور الانتهاء من خدمته العسكرية خضع لاختبار التعيين، حيث أصبح شيخا رسميا في الدولة، لكنه أراد البقاء في إسطنبول والتدريس فيها بشكل مستقل عن الوظيفة.
استقال من منصبه كموظف تحت مظلة رئاسة الشؤون الدينية التركي وذهب للحج، وبعد عودته بدأ إلقاء المحاضرات العلمية في "الشؤون الدينية" والجمعيات التعليمية.
عرف عن الشيخ الراحل اهتمامه بتلاميذه أكثر من عنايته بالتأليف والكتابة، فقد اعتنى بتكوين أكثر من ألفي طالب، وترجم على مدى سنوات -مع مترجمين أتراك آخرين- كتبا عربية إلى اللغة التركية، من بينها "في ظلال القرآن" لسيد قطب، وغيره.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!