سعيد الحاج - عربي 21
أنهى رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبد الحميد دبيبة زيارة إلى تركيا، برفقة وفد كبير ضم 14 وزيراً؛ في مقدمتهم وزراء الداخلية والخارجية (والتعاون الدولي) والصحة والنفط والغاز والاقتصاد والتجارة والمالية، إضافة لرئيس الأركان وآخرين.
وتأتي هذه الزيارة بعد زيارة قام بها رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي إلى تركيا في 26 آذار/ مارس الماضي. وكان المنفي نفسه قد أعلن قبل أيام أن "وفداً حكومياً رفيع المستوى سيزور تركيا لمناقشة ما تم الاتفاق عليه ودراسته". كما كان الناطق باسم مجلس الوزراء الليبي محمد حمودة قد صرح لوكالة الأناضول بأن أبرز المواضيع التي سيناقشها الوفد الحكومي مع أنقرة هي "مجموعة من الملفات المشتركة في قطاع الخدمات (الطاقة والصحة)، وعودة الشركات التركية إلى ليبيا واستكمال المشاريع المتوقفة".
وعليه، يمكن فهم الزيارة من الزاوية الفنية البحتة بأنها تلاقٍ لرغبة الحكومة الليبية في استثمار لحظة الاستقرار السياسي النسبي بعد انتخابات مجلس الدولة لصالح إعادة الإعمار وتحريك عجلة الاقتصاد، ورغبة تركيا في تطوير دورها في ليبيا ولا سيما ما يتعلق بالمشاريع التي توقفت منذ الثورة الليبية في 2011، حيث كانت الشركات التركية تنشط بشكل ملحوظ وبأعداد كبيرة ورأس مال ضخم على الأراضي الليبية.
ولعل أولى دلالات الزيارة هو توقيتها، فقد جاءت زيارة المنفي بعد عشرة أيام فقط من توليه المسؤولية، في 16 من آذار/مارس الفائت، وكذلك زيارة الوفد الحكومي بقيادة دبيبة بعد أقل من شهر من ذلك.
كما يضاف لذلك العدد الكبير جداً (البعض رآه مبالغاً به) للوزراء وأعضاء الوفد المشاركين في الزيارة، إضافة للتنوع الكبير في المجالات والقطاعات التي يمثلونها بين السياسة والاقتصاد والطاقة والمؤسسة العسكرية والتعليم والصحة والخدمات عموماً.
ولعل مما يفسر ذلك أن مناسبة الزيارة هي عقد النسخة الأولى من المجلس الأعلى للتعاون الاستراتيجي بين البلدين، وهو إطار يجمع عدداً كبيراً بين وزارات ومؤسسات دولتين بهدف تطوير وتعميق التعاون بينهما في مختلف المجالات، ويرأسه عادة رأس السلطة التنفيذية في الدولتين، أردوغان ودبيبة في هذه الحالة.
بيد أنني أزعم أن الدلالات السياسية للزيارة أهم وأكبر بكثير من عائداتها الاقتصادية، إذ أنها مؤشر إضافي على ترحيب الحكومة الحالية بالدور التركي في ليبيا. فقد أثيرت خلال الشهور الماضية أسئلة وعلامات استفهام - بعضها وجيه وبعضها الآخر مفتعل وموجّه - حول مصير الوجود التركي في ليبيا ومستقبل دوره بعد انتخابات المجلس الرئاسي.
إلا أن التصريحات التي صدرت عن المنفي ودبيبة وآخرين أكدت على أن تركيا "دولة شقيقة وشريكة وموثوقة" بالنسبة لطرابلس، ما عنى أنه لن يطرأ تغير كبير على دورها في ليبيا في المستقبل القريب. الآن، مع هاتين الزيارتين والعدد الكبير من الوزراء والمسؤولين الذين ضمهم الوفد الأخير، يمكن القول إن هذا المعنى قد تأكد مرة أخرى. بمعنى، أن تغييراً جوهرياً لن يطرأ على الاتفاقين اللذَين أبرمتهما أنقرة مع حكومة الوفاق الوطني الليبية نهاية 2019؛ بخصوص ترسيم الحدود البحرية والتعاون الأمني والعسكري، وهما الاتفاقان اللذان أعطيا الغطاء الرسمي للدور التركي في ليبيا ورسما حدوده وقوّيا دور أنقرة في مسألة شرق المتوسط، التي تأتي على رأس أولويات السياسة الخارجية التركية مؤقتاً.
هذا المعنى (أن الدلالات السياسية للزيارة أهم وأوضح من تلك الاقتصادية) يتبدى كذلك من كونها أتت بعد زيارة رئيس الوزراء اليوناني لليبيا مؤخراً، والتي تضمنت فيما يبدو طلباً منه للأخيرة بإلغاء الاتفاقات الموقعة مع أنقرة لصالح اتفاقات مع أثينا.
والمعنى نفسه كذلك يتأكد بالنظر للاتفاقات التي أبرمها الجانبان خلال الزيارة، والتي توحي بأن مخرجاتها أقل بكثير مما كان منتظراً منها، حيث وقع الجانبان خمسة اتفاقات تتعلق بالكهرباء ومطار طرابلس الدولي والإعلام إضافة لبناء مركز تسوق في طرابلس. قد يكون السبب في هذا السقف المنخفض لمخرجات اللقاء عدم الإعداد الكافي له، بعدِّه الاجتماع الأول من نوعه بين الجانبين، أو لعدم خبرة حكومة الوحدة الوطنية في هذا الإطار، أو لعدم التوافق الكامل بين الجانبين في بعض المواضيع، لكنها في النهاية مخرجات تقلُّ كثيراً عن المتوقع من زيارة شاركة بها 14 وزيراً إضافة لمسؤولين آخرين.
وفي العموم، فهو الاجتماع الأول من نوعه بين الجانبين، وبالتالي يمكن القول إنه خطوة أولى بينهما يمكن البناء عليها لاحقاً، لا سيما وأن البيان المشترك للمجلس الأعلى للتعاون الاستراتيجي وكذلك تصريحات كل من أردوغان ودبيبة كانت إيجابية إلى حد كبير، ما يعني أن الزيارة قد وثّقت العلاقات بين الجانبين، وحافظت على الدور التركي في ليبيا، وفتحت آفاقاً رحبة له وللعلاقات بين الجانبين في مختلف المجالات مستقبلاً، وهو أمر سيكون الزمن وتطوراته - لا سيما الانتخابات الليبية نهاية العام - دليلاً على صحته من عدمها.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس