د. مصطفى حامد أوغلو - خاص ترك برس
يخوض العدالة والتنمية التركي الانتخابات البرلمانية للمرَّة الرابعة في السابع من شهر حزيران القادم/ يونيو، بعد أن حقق ثلاث نجاحات متتالية في الانتخابات البرلمانية ومثلها في انتخابات البلديات والاستفتاء وانتخابات رئاسة الجمهورية الأخيرة قبل فترة وجيزة.
حقق الحزب نجاحات على كل المستويات أيضاً منذ العام 2002 حتى هذا اليوم بقيادة زعيمه السابق رجب طيب أردوغان.
اليوم يدخل الحزب هذه الانتخابات بقيادة جديدة ودماء جديدة، فأردوغان رئيساً للجمهورية، وعبد الله غل الرئيس السابق للجمهورية يَقف على الحياد، ويمارس دور الرئيس السابق المتقاعد حالياً، والكثير من القادة الأوائل المؤسسون للحزب هم اليوم غير مرشحين في هذه الانتخابات لأسباب عديدة.
فهل يستطيع العدالة والتنمية تحقيق النجاح الرابع ضمن هذه المعادلات والمتغيرات..؟؟
كثيرة هي المتغيرات والعوامل التي تؤثر في انتخابات صيف 2015، منها داخلية ومنها إقليمية وعالمية .ولا يمكن مناقشة كل هذه العوامل والمؤثرات في مقال واحد...
فتركيا اليوم تخوض الانتخابات في ظل خيبة أمل ونتائج مؤلمة في كل بلدان وثورات الربيع العربي إذا استثنينا حالة النجاح الجزئي لتونس..؛؛
ولنا أن نتصور كم كانت هذه الانتخابات ستكون سهلة وحاسمة لو أن هذا الربيع العربي قد أزهر وأينع وحصد نتائجه كما كانت تركيا تتوقع له وتتمناه..
اليوم أيضا يدخل العدالة والتنمية هذه الانتخابات وقد حرم نفسه من الكثير من قادته ومؤسسيه وذلك بسبب الوعد الذي قطعه على نفسه، وجعله من نظامه الداخلي إذ يمنع العضو الترشح لثلاث دورات متتالية. وقد أدى هذا الأمر إلى عدم قدرة بعض الوزراء بل ونواب رئيس الوزراء وأعمدة الحزب في المجالين الاقتصادي والسياسي الترشحَ هذه المرة. وهذا ما جعل البعض يتخوف من انعكاس سلبيات لهذه الخطوة على النتائج القادمة.
هذه الخطوة لها ايجابياتها أيضاً، حيث أثبت الحزب مصداقيته بعدم تغير وعوده وقوانينه وإصرار على إبقائها، رغم مطالبة الكثيرين بعدم تطبيقها لمرة واحدة على الأقل، بسبب ما تمر به تركيا من مرحلة حساسة وحرجة. وتمنح هذه الخطوة فرصة التجديد وضخ دماء شابة، وتعطي درسا وخاصة للحركات العربية في أن بناء المؤسسات وإفساح المجال أمام الشباب هو الأساس لنجاح واستمرار هذه المؤسسات وتقدمها.
عدم وجود البديل لحزب العدالة والتنمية التركي حقيقة واضحة على مر العقد الماضي، وهذا ما دفع الكثيرين للتصويت للعدالة والتنمية بسبب عدم وجود الحزب الذي يلبي رغباتهم وطموحاتهم، هذه الأصوات تظل مؤقتة ومتأرجحة وغير مستقرة وتبحث دائماً عن الآخر حتى آخر لحظة من تصويتها.
لكن عدم وجود البديل قد يتحول أيضاً إلى سلبية عندما يحس الناخب أن الحزب الحاكم قد بدأ بالتعالي والتكبر والاعتماد على عدم وجود البديل فتتحول الأصوات لإضعاف الحاكم وتقوية الآخر حتى يتم إيجاد البديل من ناحية وتنبيه الحزب الحاكم كي لا يركن الى أنه الوحيد الذي لايمكن الاستغناء عنه. وربما هذا ما أراد الإشارة له الرئيس السابق عبدالله جول عندما قال بأنه يتوقع أن تخرج أحزاب المعارضة بنتائج أكثر قوة هذه المرة.
ولقد لفت انتباهي في هذه المرة قوة وكفاءة مرشحي حزب الحركة القومية وتركيزه على شخصيات لها خبرة وتنتمي لأسماء وعوائل معروفة لدى الناخب التركي مما قد يرفع من حظوظه ويؤثر على الناخب المتردد الذي يبحث عن البديل فقد يميل لمرشح أكثر من ميله للحزب، وهذا عنصر مهم ومؤثر بالانتخابات المحلية وفي المحافظات الصغيرة.
ومن خلال متابعتي للانتخابات التركية لأكثر من ثلاثين عاماً أجد أنه هناك تغيراً كبيراً في مصطلحات وأدبيات الأحزاب كلها ولكن على درجات متفاوتة، ماعدى القاسم المشترك اليوم وهو التركيز على العامل الاقتصادي بشكل أساسي هذه المرة.
لم تعد الأحزاب العلمانية والكمالية تنتهج أسلوب تخويف الشعب من البعبع الإسلامي المحافظ، ولم تعد تتباكى على مبادئ العلمانية ومبادئ مؤسس الجمهورية في حال تسلم السلطة غيرهم.ولم يعد التغني بأمجاد العلمانية والكمالية مزماراَ يطرب أهل الحي الذين رأوا بأم أعينهم التغيرات السياسية والانجازات الاقتصادية والتوسع بالحريات على أيادي غيرهم ممن حكم البلاد في الحقبة الأخيرة.
لقد كانت دعاية انتخاباتهم السابقة تعتمد على هذا التخويف والتشكيك والتهويل، لكن تركيا اليوم تجاوزت هذه المزاعم وهذه المجادلات لأن الشعب لم يعد يقتنع بها، ولم تعد سلعة رائجة.
وهذا أيضاً نوع من النضوج والتقدم والرقي في خطابات الأحزاب وفهم الناخب وتطلعاته وقناعاته.
التركيز على الجانب الاقتصادي بشكل أساسي ومباشر من قبل كل الأحزاب هذه المرة، هو خدمة لصالح العدالة والتنمية التركي لأنها فرصته لكي يتكلم عن أرقام وحقائق وإنجازات موجودة على أرض الواقع، ويدركها المواطن التركي ويلمسها في حياته اليومية . أما المعارضة فهي تتكلم عن مشاريع نظرية ومستقبلية، وثمة فرقٌ بين من يقول عملنا وأنجزنا ومن يقول سوف وسنعمل وسنقوم.
لذلك طور داودأوغلو شعاره الانتخابي ليصبح هم يتكلمون ونحن نعمل، وأصبح هذا الشعار شعار الكثير من المواطنين في أعمالهم وأحاديثهم اليومية.
ويظل دور وتأثير رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان الذي يقوم بجولات يومية وكأنه قائد الحملة الانتخابية لحزبه، دوراً أساسياً، فهو باني تركيا الحديثة، ومؤسس العدالة والتنمية، وهو الرئيس الذي يخوض حرب شعواء ضد عدة أعداء في مختلف المجالات وعلى كل المستويات.
العدالة والتنمية يطمح اليوم للفوز بعدد يمكنه من تغيير الدستور بمفرده وهذا يبدوا صعباً وبعيد المنال في هذه الانتخابات.
لكن المؤكد أيضاً أن العدالة والتنمية حسم الفوز من الآن وهو الحزب الحاكم بمفرده في الفترة القادمة.
ويظل الطموح الحالي هو الحصول على نسبة تمكنه من تغيير الدستور عن طريق الاستفتاء الشعبي، وهذا النجاح إن تحقق فهو قد يفوق ويضاهي الفوز بإمكانية تغيير الدستور بمفرده.
هذا هو الخيار الأوسط بالنسبة للعدالة والتنمية وخير الأمور أوسطها
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس