إسماعيل ياشا - عربي 21
قرأت قبل حوالي أسبوع قصة يحكي فيها ناشط سوري تفاصيل عملية الضرب والإساءة التي تعرض لها من قبل رجال الشرطة التركية في مطار إسطنبول، وآلمتني هذه الإساءة مرتين كمواطن تركي متعاطف مع الشعب السوري ونضاله، الأولى لوقوعها في بلد أنتمي إليه، والثانية لاستغلالها على نطاق واسع في الدعاية ضد بلد يشهد جميع المنصفين بوقوفه إلى جانب الثورة السورية.
حتى هذه اللحظة لا نعرف جميع ملابسات ما حدث، بل إن كل ما نعرفه هو ما سمعناه من طرف واحد، أي ما حكاه لنا الناشط السوري، ضحية الإساءة. ليس تشكيكا في ما حكا ولا استبعادا لوقوع مثل هذه التصرفات المسيئة من رجال الشرطة، ولكن من باب الإنصاف والعدالة يجب الاستماع أيضا إلى الطرف الآخر، إلى الشرطي المتهم بالضرب والإساءة، وإلى شهود الحادثة. وعلى كل حال، فمهما كانت الملابسات فإنها لا تبرر الضرب على الإطلاق.
عندما عدت إلى تركيا في نهاية العام المنصرم، سمعت من أم زوجتي قصة غريبة، وقالت إن اثنين أو ثلاثة من اللاجئين السوريين ركبوا حافلة عامة صغيرة في مدينتنا قونيا، وتحدثوا فيما بينهم باللغة العربية وقال أحدهم ضاحكا: "هؤلاء الأتراك أعطونا بيوتهم وأموالهم فسنأخذ منهم قريبا زوجاتهم"، ولما سمع السائق الذي يعرف اللغة العربية هذه الجملة أوقف الحافلة وانهالوا عليهم بالضرب.
أم زوجتي ليست عنصرية ولا من أعداء السوريين، بل هي من الناس البسطاء، وحزينة على ما يعاني منه الشعب السوري. ولما سمعت منها هذه القصة قلت لها إنها تبدو إشاعة، ولكني وجدت أن مثل هذه القصص تدور على ألسنة الناس، ويتحدث أحدهم عن سوري ركب التاكسي ورفض أن يدفع الأجرة، وآخر يضيف قائلا إن هناك من يدخل المطاعم من السوريين ويأكل ويخرج، ويقول: "فليدفع الفاتورة أردوغان".
تركيا فتحت أبوابها لأشقائنا السوريين ولكن الأوضاع فيها ليست مثالية، بل إن هناك سياسة تحريض ممنهجة ضد اللاجئين السوريين تقوم بها وسائل إعلام موالية للنظام السوري وملالي طهران، بالإضافة إلى بعض الأحزاب مثل حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة، الذي يدعو إلى طرد اللاجئين السوريين. وانضمت إلى هذه الشلة الفاسدة في الفترة الأخيرة وسائل إعلام جماعة كولن من خلال نشر أخبار ملفقة تحرض المواطنين ضد اللاجئين السوريين.
السوريون الذين نزحوا إلى تركيا بعد اندلاع الثورة ليس كلهم سواء، بل إن فيهم الصالح والطالح ومن يعمل لصالح النظام السوري أو لصالح أنظمة تعادي تركيا وحكومتها، كما أن المواطنين الأتراك يوجد بينهم جميع الأشكال والألوان وأصحاب التيارات والميول المختلفة، وهناك موظفون قد يتصرفون بدوافع طائفية، وآخرون ينتمون إلى الكيان الموازي الذي يسعى إلى إحراج الحكومة أمام المواطنين.
تركيا تقف اليوم على أبواب الانتخابات البرلمانية التي ستجرى بعد حوالي شهر، وهي محطة هامة للغاية، ووصلت إلى أنقرة معلومات استخباراتية تفيد بأن النظام السوري يخطط للقيام بعمليات إرهابية مدوية في تركيا قبيل هذه الانتخابات، ما دفعت الحكومة التركية إلى التشديد في بعض الإجراءات من باب اتخاذ التدابير اللازمة. وقد يرى بعض أشقائنا أنها مبالغ فيها؛ إلا أننا نراها ضرورية على الأقل في هذه المرحلة الحساسة.
ومما يبعث على الاطمئنان أن معظم الإخوة السوريين متفهمون، ويراعون ظروف البلد ويدركون مدى حساسيتها، كما أن الحكومة التركية تسعى جاهدة لحل مشاكل اللاجئين السوريين قدر المستطاع.
وإن حدثت هنا أو هناك بعض المشاكل والإساءات، فإن المطلوب ليس السكوت على الإساءة ولا المجاملة، ولكن معالجة هذه المشاكل بالحكمة وبطريقة لا تعقِّد الأمور ولا تساعد هؤلاء الذين يسعون لإثارة الفتنة بين الأتراك واللاجئين السوريين ويحرضون المواطنين ضد الحكومة بحجة أنها تفضِّل اللاجئين السوريين على المواطنين، ولا داعي لتسهيل مهمة أعداء الشعب السوري وثورته، ويمكن أن تعالج المشاكل من خلال طرق قانونية وبمساعدة أشخاص يعتبرون كرامة اللاجئ السوري مثل كرامتهم، وهم كثر ولله الحمد والمنة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس