محمد قدو الأفندي - خاص ترك برس
في نهاية قمة الناتوصرح أكثر من مسؤول بعزم الناتو على تطوير قدراته العسكرية في كل مناطق نفوذها وانتشارها لمصلحة دول الحلف ضد مايسمى بالاعداء المحتملين روسيا والصين .
في هذه الاجواء كانت الدول تترقب حدوث الانتخابات الايرانية الرئاسية مع تيقن معظم المراقبين من فوز ابن المؤسسة الدينية الحاكمة في قم الرئيسي والذي تم بالفعل نجاح حدس معظم المراقبين بالانتخابات .
في القمة ايضا التقى الرئيس التركي اردوغان بالرئيس الامريكي بايدن بعد قطيعة دبلوماسية بين البلدين بسبب محاولة الاتراك من الخروج من المظلة الامريكية على وجه التحديد بشرائهم صفقة صواريخ س400 من الد اعداء الناتو وواشنطن .
المحادثات التركية الامريكية لم تدم اكثر من اربعين دقيقة والذي يبدو انها كانت فقط بروتوكولية شكلية الى حد ما ، لان معظم الاتفاقات بين الطرفين لحل معضلات الطرفين كانت قد تمت قبيل قمة الناتو بزيارة المسؤولة الامريكية الى أنقرة والتي صفّرت معظم خلافاتهما بجدارة .
وفي نفس الاجواء وأستنادا الى قرارات قمة الناتو بمواجهة الاعداء الافتراضيين للحلف من روسيا والصين فقد أمرت وزارة الدفاع الامريكية البنتاغون بسحب بطاريات الباتريوت من دول الخليج ومن ضمنها السعودية والكويت والعراق وبذا رفعت المظلة الجوية عن تلك الدول وأصبحت تحت رحمة صواريخ الحوثيين والميليشيات الايرانية في العراق وسوريا ولبنان .
قبل وصول بايدن الى المكتب البيضاوي صرح المسؤول الامريكي في المكتب بان على دول الحلف أن تتخذ مواقعها في سبيل تحمل مسؤولياتها في الشرق الاوسط وعلى وجه التحديد في الاراضي التي تنتشر بها القوات الامريكية .
ومن الطبيعي أن الولايات المتحدة تحاول بكل الطرق والوسائل من منع توسيع نطاق هيمنة روسيا والصين في منطقة الشرق الاوسط على وجه الخصوص وذلك بالقيام بتحفيز تلك الدول على القيام بالتنسيق الاستراتيجي مع دول حلف الناتو لمواجهة عدوهم اللدود أيران والتي باتت تسيطر على اربعة عواصم عربية وتستهدف باستمرار استقرار دول المنطقة الاخرى من خلال ميليشياتها وأتباعها وفصائلها المسلحة والتي لاتتوانى على تنفيذ كل مخططات مسؤولي قم وطهران .
وهنا لابد من الاشارة أن اقرب دولة لحلف الناتولمنطقة الشرق الاوسط وهي قادرة على ملأ بعض الفراغ التي تتركه القوات والاسلحة الامريكية هي تركيا بدون شك .
لكن هناك مشكلة حقيقية في الوضع التركي وربما ميّزة لتركيا على وجه التحديد وهي انها لاتجهر مطلقا لوجود خلافات بينها وبين طهران رغم وجود تقاطع او عدة تقاطعات في المصلحة بينهما .
تركيا حاولت أيضا من اخماد اهمية طهران بالنسبة لها عبر تقوية وأسترجاع وتطبيع علاقاتها مع دول المنطقة ومنها مصر والسعودية على وجه الخصوص ، الا ان اجراءات التطبيع والمصالحة بينها وبين تلك الدول يبدو أنها تمر عبر بوابات من خارج المنطقة بعد هيمنة مسألة التطبيع العربي مع أسرائيل .
ولن اقصد بذلك ان تلك الدول تستعير قراراتها من خارج منظومتها السيادية بل اقصد ان هناك حالة ترقب للدول لاستبيان حقيقة مستقبلها ومستقبل المنطقة والتي تكتنفها الكثير من الغموض وعلى أثر ذلك تحاول التريث في أية اجراءات دون تدقيقها ومعرفة الجدوى المصلحية منها .
المستشارة الامانية والمنتهية ولايتها صرحت لاحقا بان دول اوربا والناتو تتداخل مصالحها مع تركيا وان هذه الدول بحاجة الى تركيا وفهم من ذلك وحسب التصريح بان المقصود هو مسألة اللاجئين حيث تحتضن تركيا مايقارب من اربعة ملايين لاجئ نزحوا من مناطق العمليات القتالية في سوريا وليبيا والعراق وربما اليمن والصومال ، لكن الحقيقة انها تقصد ان لتركيا الدور الهام في تقليص نفوذ روسيا على وجه الخصوص في المنطقة سواء عن قواتها وأسلحتها او لحليفتها أيران وميليشياتها .
هناك ثلاثة مناطق نفوذ حقيقية لروسيا في المنطقة وهي في اليمن وسوريا وليبيا ن ففي اليمن يبدو ان نفوذها لايتقاطع مع أيران والحوثيين فهي تحاول بكل الوسائل من الاستقرار في سواحل المياه الدافئة مع ايران والتي تطمع ان تحاصر الدول العربية في مضيق هرمز وباب المندب .
في سوريا الامر مختلف تماما فان الروس يحاولون زحزحة الضيف الايراني الثقيل من الاراضي السورية لمنعها من تعبيد الطريق الواصل بين طهران وصولا للبحر المتوسط عبر البوابة العراقية ، لان مصلحة الروس في سوريا هو الابقاء على نظام الحكم الحليف لهم دون الخوض في مستنقع ضرب المصالح الغربية في شرق المتوسط .
ليبيا والتي كانت حتى لفترة قريبة تخوض حربا مكشوفة للمصالح الاستعمارية بين روسيا وأيطاليا وفرنسا ضد تركيا التي أرادت ازاحة الوجه الاستعماري من شمال قارة افريقيا ، والتي حتمت على تلك الدول من الصف معا ضد تركيا من خلال جنرال الحرب حفتر ، ولكن مع تفهم الموقف التركي والساعي لاحلال السلام والاستقرار واعادة اعمار البنى التحتية من قبل جهات ليبية رسمية وشعبية ، تراجعت سطوة القوى التي حاولت الابقاء على مصالح الدول الطامعة .
ومن الطبيعي ان نذكر أن أي اتفاق نووي يتم مع أيران بعد الان لن يكون لاملاءات واشنطن لها اية قيمة بل انها لاتتوقع شروط اضافية من البيت الابيض لسببي سحب المظلة الامريكية الباتريوت ووصول الرئيس المتشدد الى سدة الحكم في طهران ، وطبعا لاننسى ان طبخة الثورة الاسلامية قد نضجت في مطابخ الغرب والناتو على وجه التحديد في باريس .
ان الغرب ورغم التصريحات التي كانت تحاول أستمالة الاصلاحيين الايرانيين باسلوب ماكر لكنها في الحقيقة لم تكن ترغب بل وتمنع وصولهم لسدة الحكم خوفا من نشوء فكر ديمقراطي في ايران لاتخدمهم مطلقا ، وألا فهناك فصائل معارضة ايرانية لها القدرة على تحمل مسؤولية قيادة أيران منذ سنوات طويلة وهي تتمركز في العواصم الغربية .
وفي الختام فان الغرب وواشنطن تهمهما مصلحتهما اكثر من اهتمامهما بمصلحة حلف الناتو ، ولن يتركا الشرق الاوسط قلب العالم النابض مطلقا ، وأي توكيل لدولة في الحلف للمساهمة في الحفاظ على نفوذ الحلف يعني الحفاظ على مصالحهما ، وأذا كان المقصود هو أشراك تركيا كعضو فعال في الناتو في حماية مصلحة الحلف ، فان تركيا تدرك ذلك تماما ان اشراكها يعني الحفاظ على مصلحة واشنطن والعواصم الاوربية الغربية فقط ولانها تعلمت من حكومات العسكر السابقة التي حكمت تركيا حيث كانت تضع كل البيض في سلة واحدة .
لذا تركيا تحفظ دورها تماما وتعرف انها وسيلة الاتصال الوحيدة بين المعسكرين رغم انضمامها لاحداها وتحاول أن تحتفظ بعلاقات متوازنة مع كل الاطراف وعدم قطع شعرة معاوية مع الجميع ، وبأعتقادي أن اللعب على حبل التناقضات بين الغرب والشرق هي السلعة الرائجة والمربحة أمام تركيا في الوقت الحالي.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس