ترك برس
نشر موقع الجزيرة نت تقريرًا مطولًا حول تاريخ ولاية "شانلي أورفة" المتاخمة للحدود السورية جنوبي تركيا والتي تعرف بـ"مدينة الأنبياء".
وذكر التقرير أن الزائر لولاية شانلي أورفة يجد نفسه بين صفحات كتاب يروي قصص حضارات متعاقبة مع رؤية مواقع أثرية متنوعة يعود تاريخها إلى آلاف الأعوام.
وتقع شانلي أورفة جنوبي تركيا على الحدود السورية في المنطقة العليا من حوض نهري دجلة والفرات والهلال الخصيب، يقول تقرير الجزيرة نت.
وتعيش فيها قوميات عرقية متنوعة مثل العربية والكردية والتركية والشركسية والفارسية، ويتحدث أغلب سكانها الأصليين اللغة العربية.
وأطلقت عليها أسماء عدة مثل "أور" و"الرها"، وهو الاسم الذي عرفت به في التاريخ العربي، وبعد تأسيس الجمهورية التركية استقر اسمها على شانلي أورفة.
ويرى المؤرخ العربي الشهير أبو الفرج أن شانلي أورفة هي أول وأهم المستوطنات السبع الأولى التي أُنشئت على الأرض بعد طوفان سيدنا نوح.
وتعدّ أورفة البوابة التي دخل منها الإسلام إلى منطقة الأناضول التركية، وانتشر فيها بعد فتحها، لذلك فالمدينة مهمة لدى المسلمين.
إلى جانب ذلك، فإن الروايات تقول إن المدينة عاش فيها كل من الأنبياء إبراهيم ولوط ويعقوب وأيوب وإلياس وشعيب عليهم السلام.
وتتشابه أورفة مع المدن العربية المهمة دينيًا، كمكة المكرمة والمدينة المنورة والقدس الشريف والخليل وكثير من المدن في سوريا والعراق، بأنها تحمل طابعا روحانيا مهما بسبب مرور أنبياء ورسالات منها، لذلك فهي تحتل مكانة مميزة على خريطة السياحة العالمية بين الديانات التوحيدية الثلاث الكبرى.
ويرى أتراك أن شانلي أورفة تعدّ رابع مدينة مقدسة في العالم بعد مكة المكرمة والمدينة المنورة والقدس.
وتشترك المدينة التركية مع ما يجاورها من المنطقة العربية بالآثار التي تركتها الأمم التي سكنت هذه المناطق وحكمتها وأقامت حضارات عليها كالحضارة الآشورية والبابلية والحيثية والبيزنطية، والعهود السلجوقية والأرطوكية والعثمانية.
ويتحدث الرحالة العثماني أوليا جلبي (1611-1682) عن أورفة وأهلها في كتابه الشهير "سياحة نامه" عام 1640 فيقول إن "الله إعطى أهل هذه المدينة بركات الخليل إبراهيم، فهي مكان خصب ووفير للغاية، وأهلها جميلون وأتقياء مثل خليل الله إبراهيم".
وفي السياق، يقول أستاذ التاريخ الإسلامي في جامعة حران بشانلي أورفة، أحمد أصلان: "تقع مدينة شانلي أورفة في منطقة ديار مضر (الجزيرة الفراتية في أعالي بلاد ما بين النهرين) حيث فتحتها جيوش المسلمين بقيادة عياض بن غانم في عهد الخليفة الأموي مروان بن محمد بدعم من أخواله القيسيين، وأصبحت لاحقا منطلقا عسكريا لفتح منطقتي الأناضول والقوقاز".
وأوضح المؤرخ أصلان، في حديثه للجزيرة نت، أن أورفة ازدهرت في عصر الحضارة العباسية، وفي عهد الخليفة العباسي هارون الرشيد تقدمت في العلوم والفن والتجارة إلى جانب بغداد ودمشق والموصل وديار بكر وماردين.
ولفت إلى أن منطقة حران التاريخية في أورفة كانت مركزا للعلوم ومدرسة للفلسفة في العصور الإسلامية إذ تُرجمت فيها الأعمال اليونانية والسريانية إلى العربية، وما زالت العديد من المباني شاهدة على تلك الحقبة.
ومن المقاصد السياحية في المدينة منطقة "غوبكلي تبه" أو تل البطن، وهي معبد بني قبل أكثر من 11 ألف عام واكتشفه علماء الآثار عام 1963، فضلا عن "باليكلي غول" أو بركة السمك المقدسة التي تحكي روايات شعبية أنها المكان الذي ولد فيه أبو الأنبياء إبراهيم، ومكان النار التي أشعلها الملك نمرود لإحراق النبي إبراهيم.
ومن الوجهات السياحية الطبيعية في الولاية مدينة "هلفتي" التي أدرجت عام 2013 ضمن قائمة المدن العالمية الهادئة أو البطيئة (في التطور العمراني)، من قبل شبكة "سيتا سلو" الدولية، وتتمتع بجمالها الذي يبعث السكينة والطمأنينة لزوارها، إذ يقبع قسم من منازلها تحت المياه بسبب السد.
أما منطقة "حران" الأثرية فتعدّ من المواقع المأهولة بالسكان منذ الألفية السادسة قبل الميلاد، واتخذها الآشوريون عاصمة لدولتهم في مرحلة من حكمهم.
وسلط المرشد السياحي بولاية شانلي أورفة، إبراهيم آيدن، الضوء على أسباب نجاح شانلي أورفة في استقطاب السياح المحليين والأجانب، مبينا أنّها تتمثل في 3 عوامل هي المناخ الذي يتيح للسياح زيارتها على مدار العام، والعامل الثاني غناها بالمواقع الأثرية والتاريخية والمناظر الطبيعية لا سيما على ضفاف نهر الفرات، والثالث البنية التحتية المهيأة للسياحة.
ويتوقع آيدن، في حديثه للجزيرة نت، أن تجذب مدينتهم السياح إليها عقب انحسار الوباء واختفائه، بسبب شهرتها بكونها مدينة الأنبياء، مشيرا إلى أن المدينة في مقدمة الوجهات التي يرغب ملايين الناس من المهتمين بالسياحة التاريخية والثقافية في زيارتها.
واستقبلت شانلي أورفة عام 2019 أكثر من 5 ملايين سائح بينهم مليون و100 سائح أقاموا بالمدينة أكثر من ليلة.
ويقول أصلان أستاذ التاريخ في جامعة حران بأورفة، للجزيرة نت، إنه وفقًا للاكتشافات الأثرية يعود تاريخ أورفة إلى 3500 سنة على الأقل قبل الميلاد، منذ العصور الحيثية، وهي من أقدم مدن العالم، وموطن الأجداد المشترك للبشرية جمعاء.
ويرجح المؤرخ التركي أن ميلاد النبيين إبراهيم الخليل وأيوب عليهما السلام في شانلي أورفة، مشيرا إلى أن هناك كثيرا من المعالم التي تبين مكوث سيدنا إبراهيم فيها، وأن يعقوب عليه السلام أيضا عاش وتزوج فيها، كما يوجد ضريح في أحد الكهوف يعود لنبي الله شعيب.
وأوضح المؤرخ أصلان أن نبي الله يعقوب عاش مدة من الزمن في شانلي أورفة، قادمًا من فلسطين، حتى يتزوج بابنة خاله راحيل التي كانت تعيش في أور، وتذكر التوراة أن يعقوب عليه السلام ولد في حران، أي مدينة أورفة.
وحسب ما جاء في بعض الروايات القديمة، فهناك أيضا "مقام سيدنا أيوب عليه السلام" وقبره، إذ يروى أنه مكث داخله وصبر على ابتلائه وعاش وتوفي فيه.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!