ترك برس
شهدت العاصمة الأمريكية، واشنطن، مؤخراً صدور تقارير صحفية تشكك بصحة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، ما دفع الأخير للرد على هذه الصحف، بنشر مقطع مصور يظهر فيه خلال مباراة كرة سلة مع فريق عمله.
موقع "فورين بوليسي" الأميركي، نشر مقالا، مطلع الشهر الجاري، تطرق إلى الوضع الصحي للرئيس التركي، مدعيا أنه قد يكون عاجزا عن الاستمرار في حكم تركيا ما بعد 2023 لأسباب صحية، وباحثا فيمن اعتبرهم خيارات بديلة بعده. وهو مقال أثار العديد من التساؤلات حول مضمونه وتوقيته والرسائل التي يتوخاها ودلالات بعض التفاصيل التي أوردها.
في الأول من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، نشر الباحث في شؤون الشرق الأوسط ستيفن كوك مقالا في فورين بوليسي بعنوان "أردوغان قد يكون مريضا جدا ليستمر في رئاسة تركيا".
وادعى كوك في المقال إن مشاكل أردوغان بخصوص الانتخابات المقبلة عام 2023 تتخطى تراجع شعبية حزبه في السنوات الأخيرة وخسارة بعض البلديات المهمة لتصل إلى حد التشكيك بقدرته على مواصلة الحكم أو بالأحرى القدرة على الترشح للانتخابات المقبلة، لأسباب صحية.
ويتطرق المقال إلى بعض الأحداث التي يرى أنها ترفع علامات استفهام حول الوضع الصحي للرئيس، مثل مشيه بصعوبة، أو اتكائه على شخص آخر خلال صعود السلم، أو تلعثمه في الحديث، في مناسبات متفرقة خلال الأشهر الفائتة، بحسب مقال للكاتب سعيد الحاج، نشرته "الجزيرة نت."
ورغم إقرار الكاتب بعدم إمكانية الثقة والبناء على هذه "المعلومات" أو القرائن، فإنه يرى أنها مع بعضها بعضا تصلح أرضية للتساؤل حول مستقبل الرئيس التركي بعد 19 عاما من حكم تركيا بشكل متواصل
وسريعا، ينتقل كوك للحديث عن "مرحلة ما بعد أردوغان" والشخصيات "القوية" المرشحة لخلافته، مقدما 3 منهم على الباقين وهم: وزير الداخلية سليمان صويلو، ووزير الدفاع خلوصي أكار، ورئيس جهاز الاستخبارات هاقان فيدان. ويرى كوك أن صويلو بات رهانا خاسرا بعد تسريبات رجل المافيا الهارب سادات بكر، وأن فيدان يفضل البقاء خلف الأبواب المغلقة، مما يجعل أكار المرشح الأبرز والأقوى لخلافة أردوغان.
وهنا، ينتقل الكاتب إلى شرح أسباب تفوق أكار على صويلو وفيدان، وفي مقدمتها دعم المؤسسة العسكرية له، ليس فقط لخلفيته العسكرية ورئاسته أركان الجيش سابقا، ولكن أيضا لأنه مسؤول عن إعادة هيكلة القوات المسلحة بعد الانقلاب الفاشل عام 2016، وعن ترقية معظم الضباط في المؤسسة العسكرية خلال السنوات الأخيرة مما يجعل "ولاءهم له"، وفق الكاتب.
ويختم كوك مقاله بأن النظر في واشنطن إلى أكار على أنه "براغماتي، ويمكن العمل معه" ليس تفكيرا غير عقلاني، لكنه يحذر من أن أكار من الخلفية الأيديولوجية نفسها لأردوغان، ومسؤول عن التوتر مع اليونان في شرق المتوسط، فضلا عن أنه يمثل تيارا معاديا للغرب في المؤسسة العسكرية التركية، على حد قوله.
كان لافتا أن المقال قَبِلَ الأحداث التي ذكرها في سياق المرض رغم أن لها تفسيرا أكثر منطقية وهو الإرهاق، ثم بنى كامل النقاش على هذه الفرضية، لكنها لم تكن الدلالة الوحيدة ولا الأهم في المقال.
ففي المقام الأول، هناك دلالة متعلقة بالموضوع نفسه، أي فكرة نقاش صحة الرئيس التركي والادعاء بأنه قد لا يكون قادرا على الترشح لانتخابات 2023 والاستمرار في حكم تركيا بعدها. وثمة دلالة أخرى تتعلق بالتوقيت والسياق، أي الخلافات التركية الأميركية التي تفاقمت مؤخرا ودفعت أردوغان إلى سلسلة من التصريحات السلبية تجاه إدارة بايدن على وجه التحديد. وهناك كذلك دلالة ثالثة تتعلق بموقع المقال، فورين بوليسي، خاصة أنه لم يكن المقال الوحيد في هذا الإطار، فقد نشر الموقع نفسه مقالا ثانيا بعد الأول بـ4 أيام يرى فيه أن "وريث أردوغان ليس مشكلة"، قاصدا خلوصي أكار.
ويبدو أن كواليس العاصمة التركية قد أخذت هذه الدلالات على محمل الجد، من باب أنها قد تعبر عن توجه ما في واشنطن أو تسعى لخلق هذا التوجه، على أقل تقدير. إذ نشر الرئيس التركي -على حسابه على تويتر- مقطع فيديو له وهو يمارس لعبة كرة السلة، بعد يومين فقط من نشر المقال، مشيرا إلى "حرصه على ممارسة الرياضة 3 مرات أسبوعيا"، تأكيدا -فيما يبدو- على صحته ونشاطه.
ومما يعزز هذه الدلالات أن المقال لم يكتف بطرح علامات استفهام حول صحة أردوغان، وإنما انطلق ليناقش المرشحين المحتملين لخلافته، ومناقشة ذلك بالتفصيل، ثم تفضيل أحدهم أو ترجيح كفته.
ومن اللافت كذلك أن المقال يلمح إلى إمكانية أن يخلف أردوغان "رجل قوي آخر، ربما تحت بند قانون الطوارئ" وليس في سياق انتخابات عادية، ولذلك فقد رشح لذلك 3 شخصيات أمنية عسكرية، كما سلف ذكره. وهو أمر يعكس -فيما يبدو- ازدواجية المعايير الأميركية والغربية عموما حين يتعلق الأمر بطرف يعدونه خصما أو -على الأقل- لا يدور في فلكهم بشكل كامل.
ولعل الدلالة الأخيرة هي ترجيح كفة وزير الدفاع خلوصي أكار على الاثنين الآخرين لأسباب سبق تفصيلها. وهو أمر تزداد أهميته بالنظر إلى المقال الآخر الذي أشرنا إليه (كاتبه خليل كارافلي) والذي رأى أن أكار "قومي مخلص، لكن ذلك لا يعني أنه معاد للغرب"، فيما بدا وكأنه تسويق للرجل أو محاولة لإقناع صناع القرار في الغرب بأنه الخيار الأفضل لهم.
بغض النظر عن نية الكاتب ومدى تعبيره عن توجه ما لدى الإدارة الأميركية، إلا أنه من الواضح أن العلاقات التركية الأميركية مؤخرا "لا تبشر بخير" ولا تسير على ما يرام، وفق تعبير أردوغان نفسه. كما أنه من اللافت أن مقالات أو تصريحات تتعلق بصحة أردوغان وفرصه في الانتخابات المقبلة أو أي منهما صدرت كذلك عن بعض الكتاب الروس.
وبعيدا عن فكرة الضغط على أردوغان الحاضرة بهذا الأسلوب، إلا أن اللافت أن العيون الخارجية لا ترى مرشحا قويا يخلف أردوغان من داخل حزب العدالة والتنمية، أو بالأحرى من النواة الصلبة والمؤسسة له؛ فأكار وفيدان ليسا عضوين في الحزب، وصويلو انضم إليه عام 2012 فقط ويمثل تيارا أقرب للقومي منه إلى الجذور الفكرية للحزب.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!