حُمَيرا شاهين - صحيفة أكشام - ترجمة وتحرير ترك برس
وُلِدت روح "تركيا الجديدة" بعد التخلّص من الوصاية. ولهذا يجب أن تكون الوصاية خطاً أحمر لتركيا الجديدة.
موازٍ، دائريّ، مثلث... أو عسكري، بيروقراطية، وصاية فكرية... يجب أن لا يكون لأيّ منها مكان في تركيا الجديدة. وحكم الأقلية يجب أن لا يرى النور في تركيا الجديدة.
لنتذكر أنّ قواعد الفكر الكمالي (نسبة إلى كمال أتاتورك) استخدمت مصطلحات "السيادة الوطنية" و"الشعب" بصورة متكررة، لكنّ الإرادة الوطنية لم تُترك حرة أبداً. كان الشعب بالنسبة لهم "هو القاعدة التي لا تخضع لعبودية الأفكار الخرافية، أو الإيمان بالخرافات، ولا تخضع لعبودية مؤسسات القرون الوسطى، هي قاعدة تتميز بالحداثة". كان "الشعب يَتْبعُ النخبة والصفوة التي تملك الوصفة الطبية والمعرفة العلمية لحماية الشعب من الجهل".
انتقال السلطة من حكم الحزب الواحد إلى حُكم حزب ديمقراطي في ذلك الوقت وُصِف بـ"أصبحت الأقدام رأسا*". المظهر الخارجي كان يشير إلى ديمقراطية متعددة الأحزاب، إلا أن الوصاية البيروقراطية واصلت ضغطها على "المنتخبين" الجدد. بعد حكم "ديمقراطي متعدد الأحزاب" استمرت السلطة بيد نظام يخضع لوصاية العسكر والبيروقراطيين. نظام "من أجل الشعب رغما عن الشعب" كان مُحاطا لسنوات عديدة بطبقة ضيقة من النخبة، بينما أهان بقية المجتمع.
لحسن الحظ أصبحت السياسة ملكاً للشعب، فالتخلص من وصاية العسكر، كان من أهم نقاط نجاح حزب العدالة والتنمية الذي يكافح الآن "الوصاية البيروقراطية". المكانة التي وصلنا إليها قيّمة جدا. والآن بما أن الشعب صار صاحب التأثير الأول في النظام السياسي، كيف سيستخدم هذا التأثير وماذا سيعمل من أجل تحكيم إرادته؟
الشعب اتخذ خطوة ممتازة عندما دعم موقفا سياسيا يُعبِّر من خلاله عن إرادته بنفسه. وعليه من الآن فصاعدا إدخال كل العناصر الأخرى التي تساعد في تعزيز التعبير عن تلك الإرادة. على رأس قائمة تلك العناصر يأتي المجتمع المدني. فنشر ثقافة المجتمع المدني ستقود إلى تأسيس روح تركيا الجديدة وستقود إلى جعل السلطة بيد المجتمع. ألا يشكّل توسيع نطاق المجتمع المدني علاجا وترياقا للوصاية ؟
في هذا الموضوع يقع على عاتق منظمات المجتمعات المدني مسؤولية كبيرة. لكن علينا إعادة النظر في ثقافة المجتمع المدني في تركيا من جديد. برغم الجهود المجتمعية المبذولة لاستيعاب الأعداد المتزايدة من المحافظين (الملتزمين) خلال السنوات الأخيرة إلا أنه ما زال في موضع انتقاد. بعض هؤلاء الملتزمين لم يتمكنّ من ممارسة التخطيط، المشاريع، السياسة وغيرها بسبب بعض البروتوكولات الرسمية. أصبحت معظم المنظمات والجمعيات الخيرية التي تهدف للتنشئة المجتمعية تُستخدم كأماكن تعليمية (قرائت خانة). على الصعيد الآخر، فإن مؤسسات المجتمع المدني التي تعمل ضد الحكومة بعداوةٍ عمياء فقدت إمكانية إصلاحها أو تصويب أوضاعها لأنها تخلّت عن مبدأ الانتقاد الايجابي.
في تركيا الجديدة علينا الانطلاق نحو طريق "التمدّن" بشكل أو بآخر، فنحن على عتبة تمكننا من فتح صفحة بيضاء جديدة في نواح كثيرة. في الأنظمة الديمقراطية الحديثة، يُشكّل وجود مجتمع مدني نشط وفعّال عاملا حاسما في مستقبل الدولة إلى جانب وجود سياسة نشطة وفعّالة. أما مؤسسات المجتمع المدني فتشكّل حارسا للديمقراطية. تأسيس روح تركيا الجديدة سيعتمد على عناصر عدة أهمها: مجتمع مدني ومبادرات فكرية بحثية تدعم السياسة عندما تكون في طريقها الصحيح، وتنتقدها عندما ترتكب الأخطاء.
دولتنا لن تتحمّل الوصاية بعد اليوم، فلا رجوع عن المكانة التي وصلنا إليها. وكل شخص يؤمن بروح تركيا الجديدة عليه التخلص فورا من الاستقطاب المجتمعي، وعليه أن يتخذ خطوات ترسّخ مبدأ "إرادة الشعب".
هناك أجندة مستعجلة أمام المجتمع المدني لتركيا الجديدة مثل "إنشاء لغة إعلام جديدة"، "المشاكل البيئية المتعلقة بالحساسية التاريخية والجمالية"، "مكافحة الوصاية العالمية"، "تطوير الانتقاد الثقافي"، "ذاكرة عادلة"، "إنتاج طاقة بديلة"، "تركيا المتحررة من محور الشرق-الغرب"، "آفة المواقع الاجتماعية" ...إلخ . على الشعب أن يتخذ خطوات لحل تلك المشاكل بشكل يُعبّر فيه عن إرادته. هذا ما تتطلبه تركيا الجديدة.
* إضاءة : "أصبحت الأقدام رأسا، والرؤوس قدما" مثل تركي يُقصد به أن الناس التافهة أصبحت تقود الأمة أما قادتها الحقيقيون القادرون على الوصول بها إلى الأمام مُهمّشون ومستبعدون.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مواضيع أخرى للكاتب
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس