ترك برس
رأى خبراء ومحللون أن المتغيرات العالمية في الفترة الأخيرة تدفع تركيا والمملكة العربية السعودية إلى تصفية الخلافات وإنهاء التوترات بينهما، وأن الزيارة المرتقبة للرئيس التركي إلى الرياض، تعتبر جزءاً من استراتيجية جديدة.
وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إنه سيقوم بزيارة الشهر المقبل للسعودية التي توترت العلاقات بينها وبين أنقرة في السنوات الأخيرة.
جاء ذلك ردا على سؤال بشأن حل مشكلات تتعلق بالصادرات للسعودية لدى خروجه من مؤتمر عن التجارة إنه سيزور السعودية في فبراير شباط.
وقال في تسجيل بُث على مواقع التواصل الاجتماعي دون أن يذكر اسم الشخص "إنه ينتظرني في فبراير. لقد تعهد وأنا سأقوم بزيارة للسعودية في فبراير".
ولم يرد المكتب الإعلامي بالحكومة السعودية على الفور على طلب التعليق. وفق وكالة رويترز.
وكان هناك اجتماع منتظر بين أردوغان وولي العهد السعودي محمد بن سلمان خلال زيارته لقطر الشهر الماضي.
ولم يعقد الاجتماع في ذلك الوقت لكن أشخاصا مقربين من الخطة قالوا إن اجتماعا سيعقد قريبا. وفق رويترز.
وعملت السعودية وتركيا في الأشهر القليلة الماضية على إصلاح العلاقات بعد التناحر على مدى سنوات بسبب خلافات على قضايا إقليمية وعلى الإسلام السياسي.
وارتفعت التجارة التركية إجمالا 32.9 بالمئة في 2021 في حين انخفض العجز التجاري إلى 54.9 مليار دولار وفقا لبيانات صدرت حديثًا.
وكان أردوغان قد استقبل في تشرين الثاني/نوفمبر 2021 ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بأنقرة، في زيارة فتحت صفحة جديدة بين البلدين.
وتكلّلت الزيارة بإعلان إماراتي عن إنشاء صندوق استثمار بعشرة مليارات دولار لدعم الاقتصاد التركي، وهو الأمر الذي يعتقد محللون اقتصاديون أنه سيتكرر مع السعودية أيضاً.
وفي هذا الصدد، يرى الخبير في الشؤون الاقتصادية عبد الرحمن أنيس، "أن الزيارة المرتقبة لأردوغان إلى السعودية، تعتبر جزءاً من استراتيجية تركية بدأت في النصف الثاني من العام الماضي، على أن تستكمل في النصف الأولى من السنة الجديدة، وهدفها هو تحسين الاقتصاد".
وأضاف أنيس في تصريح لموقع "أورينت نت": خلال النصف الثاني من عام 2021 كان التوجه التركي يقوم على تصفير المشاكل وتخفيف حدتها مع الدول الإقليمية والغربية، بينما تتجه تلك السياسة خلال النصف الأول من عام 2022 إلى تقوية وتعزيز العلاقات مع هذه الدول، وهي إلى جانب مصر ودول الخليج، تشمل أيضاً إسرائيل ودولاً أوروبية كفرنسا، على أمل أن ينعكس ذلك إيجاباً على الاقتصاد التركي، مع تنامي حجم أنقرة الإقليمي ونموها في مجالات التصنيع الثقيل والعسكري.
ويقول أنيس: "رغم كل المشاكل بينهما، إلا أن استثمارات دول الخليج في تركيا لم تتأثر كثيراً، ومع رغبة الحكومة التركية اليوم بإعادة الدفء إلى العلاقات السياسية بينها وبين تلك الدول، فإن هذه الاستثمارات ستشهد تطوراً وتعزيزاً سينعكس إيجاباً على الاقتصاد التركي المهدد دوماً..
كما تتجه أنقرة إلى ترسيم الحدود المائية مع مصر، والمفاوضات جارية بين الجانبين منذ شهور بهدف تحسين العلاقات، ما قد تفضي إلى أن تلعب تركيا دوراً في الاقتصاد المصري خلال الأعوام القادمة، وأيضاً من المتوقع أن تنعكس تلك العلاقات في ضخ الاستثمارات الخليجية بمشروع قناة إسطنبول الجديدة، وبعض المشاريع الأخرى في قطاع الزراعة والتصنيع العسكري والأقمار الصناعية وغيرها".
بدوره يؤكد المحلل الاقتصادي محمد الحاج بكري على الدمج بين البعدين السياسي والاقتصادي في الزيارة المرتقبة للرئيس التركي إلى السعودية، وعلى حاجة الطرفين لبعضهما البعض على كلا الصعيدين، مشيراً إلى أن تطوير العلاقات السياسية يؤدي حتماً إلى انعكاسات على العلاقات الاقتصادية، والعكس صحيح. وفق "أورينت نت".
ويعتقد حاج بكري أن ما يعزز من فرص نجاح هذه الزيارة في تحقيق أهدافها، رغبة المملكة بتوسيع دائرة تحالفاتها لمواجهة سياسات إيران في المنطقة، وهي رغبة بدأت تظهر بشكل أوضح لدى الجانب التركي أيضاً، بالإضافة إلى البرود في العلاقات مع الولايات المتحدة منذ وصول بايدن إلى البيت الأبيض، حيث يجمع أنقرة والرياض جفاء مع واشنطن، ناهيك عن الآثار المتوقعة لزيارة أردوغان هذه على ملفات المنطقة الأخرى، بما فيها الملف السوري والعراقي والموقف من اليمن ولبنان وغيرها من ملفات المنطقة.
لكن الجانب الاقتصادي يبقى هو الهدف المباشر للزيارة المرتقبة، بالنظر إلى انخفاض سعر صرف الليرة التركية مقابل ارتفاع نسبة التضخم بمقدار 35 بالمئة، ما أدى لارتفاع كبير في الأسعار، وأعراض أخرى سلبية تسعى حكومة حزب العدالة والتنمية إلى معالجتها، من خلال تحسين العلاقات مع الدول المؤثرة اقتصادياً، حيث شهد الصادرات التركية إلى الخليج تراجعاً واضحاً، ما كبد التجار والمستثمرين خسائر كبيرة، حسب المراقبين.
وبالإضافة إلى كل ما سبق، يعتقد الحاج بكري أن المتغيرات الاقتصادية العالمية التي خلفها وباء كورونا، يستدعي من الجانبين السعودي والتركي اللذين تجمعهما مصالح مشتركة إلى تصفية الخلافات وإنهاء التوترات وتطبيع العلاقات الثنائية، خاصة وأن عودة العلاقات مع الخليج، وتحديداً السعودية، سيعيد ضخ كميات كبيرة من الاستثمارات في السوق التركية، ويساعد على تنشيط الاقتصاد التركي، خاصة في قطاعي السياحة والعقارات، ناهيك عما تمثله الأسواق الخليجية من أهمية للمنتجات التركية، بالإضافة إلى إعادة فتح الأبواب أمام الشركات التركية الكبيرة التي تأثرت أعمالها في المحيط الإقليمي خلال السنوات الأخيرة الماضية.
على الجانب الآخر، تمثل تركيا حاجة مهمة بالنسبة لدول الخليج وغيرها من الدول العربية الأخيرة بسبب تطورها الصناعي، وخاصة في مجال الحديد والصلب والإنشاءات، وكذلك في بعض الصناعات العسكرية، إضافة إلى منتجات القطاع الزراعي، مع تميزها بأسعار منافسة.
بالمقابل، يقول الحاج بكري، إن استعادة الأتراك ودول الخليج حرارة العلاقات الاقتصادية سيؤمن ثقلاً إضافياً للاستثمار في أسواق المصارف التمويل والتأمين والاتصالات التركية، بالإضافة طبعاً إلى سوق العقارات الجاذب بقوة للاستثمارات الخليجية، ولذلك فإن تطبيع العلاقات بين الرياض وأنقرة سيصب في مصلحة البلدين.
يأمل الكثيرون أن تكون الخطوات التي سبق أن بادر بها الجانبان السعودي والتركي خلال الأشهر الأخيرة الماضية لإذابة الجليد في العلاقات بينهما كانت فعالة، وأن تؤدي إلى تمهيد الطريق أمام رحلة ناجحة للرئيس التركي إلى الرياض على مختلف الصعد، وخاصة الاقتصادية منها، في ظل وجود مؤشرات قوية على عودة التقارب السياسي.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!