ترك برس
أجرى السفير التركي لدى طرابلس كنعان يلماز، اجتماعًا مع رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح، وبحث معه مستجدات الوضع السياسي، في زيارة هي الأولى من نوعها.
وأثارت وسائل إعلام عربية تساؤلات حول دلالات هذا اللقاء الذي عقد بمقر إقامة عقيلة صالح في مدينة القبة، وانعكاسه على الحالة الليبية الراهنة والمقبلة.
وقال المركز الإعلامي لرئيس مجلس النواب إن اللقاء بحث مستجدات الوضع السياسي، والعلاقات الثنائية بين البلدين، بما يخدم الشعبين الليبي والتركي.
ورغم أن زيارة السفير التركي هي الأولى التي يقوم بها مسؤول تركي لشرق ليبيا، بعد سنوات من القطيعة بين معسكر شرق ليبيا وأنقرة، والتي زادت بعد إعلان مجلس النواب رفض الاتفاقات الأمنية والبحرية التي وقّعتها تركيا مع حكومة الوفاق السابقة، في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، إلا أن خطوات أخرى نحو التقارب سبقتها، منها زيارة وفد برلماني ليبي رفيع المستوى، برئاسة النائب الأول لرئيس مجلس النواب، فوزي النويري، لأنقرة، منتصف الشهر الماضي، بدعوة من تركيا.
والتقى النويري، الذي رافقه في الوفد نواب مقربون من اللواء المتقاعد خليفة حفتر، مثل عيسى العريبي وبدر النحيب، عددا من المسؤولين الأتراك، على رأسهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ووزير الخارجية مولود جاووش أوغلو، وقادة في البرلمان التركي.
وبحسب تقرير لصحيفة العربي الجديد، كان من نتائج هذه الزيارة "تشكيل لجنة الصداقة بين البرلمانين"، وكذلك بحث "تخفيف معاناة الليبيين، من خلال تخفيف القيود الإجرائية على الجالية الليبية"، بالإضافة إلى فتح المجالين الجوي والبحري بين بنغازي وأنقرة.
ومن مؤشرات رغبة الطرفين في التقارب منذ فترة ما كشف عنه وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو، خلال تصريحات نهاية ديسمبر/ كانون الأول الماضي، بشأن دعوة بلاده لعقيلة صالح واللواء خليفة حفتر لزيارتها، مشيرا إلى أن صالح "أراد القدوم إلى تركيا عدة مرات، وتم تحديد المواعيد ثم تراجع"، كما أن حفتر أراد زيارة تركيا أيضا، لكنه "اشترط" مقابلة أردوغان، إلا أن الأخير رفض باعتبار أن حفتر "ليس محاورا معهم، وليس مفوضا في ليبيا".
وتختلف تقديرات المراقبين لأسباب وخلفيات ودلالات هذا التقارب، فالأستاذ المحاضر بقسم الدراسات الإقليمية والدولية في الأكاديمية الليبية للدراسات العليا، عبد العالي حويل، يرى أن الزيارة من نتائج التقارب الإقليمي الحاصل بين أنقرة وعواصم إقليمية في المنطقة، وفي مقدمتها التقارب مع الإمارات، التي تمتلك نفوذا كبيرا في أوساط قادة شرق ليبيا.
وقال حويل، في حديث للعربي الجديد إن "جملة من التغيرات الحاصلة في المنطقة هي ما سهل الانفتاح التركي على أكثر من ملف، ومنها الملف الليبي المهم بالنسبة لها"، مضيفاً: "من جانب آخر، إن انكسار الحملة العسكرية لحفتر كان سببها الرئيسي التدخل التركي لصالح قوات غرب ليبيا، وبالتالي من مصلحة عقيلة صالح وحفتر تحسين العلاقات مع أنقرة، التي باتت رقما مهما في المعادلة الليبية، ولا يمكن تجاوزها".
وشدد الأستاذ الجامعي على أهمية هذه الخطوة بالنسبة لليبيا، وقال: "رغم تأخر تركيا في هذا الاتجاه، فقد سبقتها أطراف إقليمية أخرى في التقارب مع معسكر غرب البلاد، وعلى رأسها القاهرة، التي ذهبت لربط علاقات متينة مع طرابلس، إلا أن الخطوة رغم تأخرها مهمة، فهي تتماهى مع الإيقاع الدولي الضاغط في اتجاه وأد مرحلة الحرب والسلاح السابقة، ودفع المشهد الليبي نحو الاستقرار التدريجي".
ورداً على أسئلة أثارتها وسائل إعلام ليبية حول عدم زيارة السفير التركي لمقر حفتر ولقائه به، اعتبر حويل أن شخصية عقيلة صالح صارت أكثر أهمية من حفتر في المرحلة الحالية، وقال في هذا السياق: "عقيلة شخصية ذات ثقل قبلي ويمتلك قرار أهم الأجسام السياسية الليبية، وهو رئيس مجلس النواب المهم في حراك الانتخابات واتجاهات السياسة في المرحلة الحالية، ولذا بالنسبة لتركيا فهو أهم من حفتر، الذي لم يعد يمثل شيئا سوى المجموعات المسلحة وقد تراجع دورها"، ولذا يتوقع أن يقوم صالح بزيارة تركيا قريبا لتتويج هذه العلاقة.
من جانبه، لفت جمعة الشاوش، الباحث الليبي في العلاقات الليبية التركية، إلى أن زيارة السفير التركي لشرق ليبيا "مهمة بنسبة كبيرة لتركيا"، التي قال إنها "تعاني الكثير من المشاكل السياسية والاقتصادية"، لكنه في الوقت ذاته لا يرجح أن يكون اللقاء "ذا فائدة كبيرة بالنسبة لأنقرة، دون أن يكون ذلك مشفوعا بتقارب واضح من القاهرة، التي يمثل لها شرق ليبيا مجالا حيويا وأمنيا مهما".
وبينما يرى الشاوش، في حديث لذات الصحيفة، أن الاتفاق الأمني التركي الموقع مع حكومة الوفاق السابقة "بدأت آثاره في التلاشي"، بعد أن كان السبب الرئيس في الخلافات مع قادة شرق البلاد، بسبب خفوت صوت الحرب والمدافع، يؤكد أن "أنقرة مهتمة جدا بدعم استمرار الاتفاق البحري".
وأضاف: "يجب أن نعلم أن مجال المياه الليبية المرتبط بالاتفاق يقع في مناطق شرق البلاد وليس في غربها، وعندما أراد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عرقلته حدد مدينة سرت خطا أحمر، في تهديد مبطن بمواجهة عسكرية مع تركيا إذا تقدمت أكثر في اتجاه الشرق"، معتبرا أن اتجاه تركيا لتحسين علاقاتها مع الشرق "محاولة للالتفاف السياسي على العراقيل المصرية، التي تدرك جيدا أهمية الشرق بالنسبة لتركيا".
ويذكّر الشاوش أن تركيا أكثر الدول الإقليمية ضررا من حالة الحرب والاصطفافات الليبية، موضحا أن حجم تبادلها التجاري مع ليبيا كان قبل عام 2010 قد بلغ 10 مليارات دولار، لكنه تراجع في السنوات التالية ليصل إلى 2.5 مليار فقط. وقال: "جزء كبير من المصالح التركية يقع في شرق البلاد، ولذا فأولى خطواتها المعلنة الذهاب إلى فتح قنصلية تركية في بنغازي لتثبيت هذا التقارب فعليا على الأرض".
وبشأن موقفها من حفتر، يرى الشاوش أن "تركيا مستعدة لتغييره". ويذكر الباحث بقرار حفتر، في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، إطلاق سراح سبعة مواطنين أتراك بعد سنتين من اعتقالهم في شرق البلاد، وقال: "حدث ذلك دون أن نعرف التفاصيل، لكن دون شك فالحدث حصل نتيجة لتفاوض غير معلن، ويحمل بوادر نية أنقرة لفتح علاقات مع جميع الأطراف الليبية".
وبسبب السياسة التركية الجديدة في ليبيا، يرى الشاوش أنها ستتحول إلى طرف إقليمي مهم بالنسبة للمجتمع الدولي، بعد أن تربط علاقات مع جميع الأطراف الليبية. وقال: "من أول آثاره تغير كبير في موقف قادة غرب البلاد على المستوى العسكري من الإمارات، التي رأيناها ترسل سفيرا جديدا لها إلى طرابلس"، معتبرا أن "التحول الإماراتي يأتي أيضا في سياق التغيرات الإقليمية الحاصلة في المنطقة، ومن بينها الملف الليبي".
وأكثر من ذلك، يؤكد الباحث الليبي في العلاقات الليبية التركية على أهمية الدور التركي في ليبيا بالنسبة للمجتمع الدولي، "خصوصا أنها تملك علاقات جيدة مع موسكو، الدولة الأكثر إزعاجا للعواصم الغربية في الملف الليبي، تحديثا في ما يرتبط بملف المرتزقة والقوات الأجنبية، فمن الممكن جدا أن تلعب تركيا دورا فيه"، لكنه يرجع ليؤكد أن "كل هذه العوائد التي يمكن أن تنتجها العلاقات التركية مع شرق البلاد متوقفة على وضوح الموقف المصري منها وتقبله لها، وفقا لمصالح القاهرة هي الأخرى".
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!