أوفوق أولوتاش – صحيفة أكشام – ترجمة وتحرير ترك برس
لم يكن للحرب الباردة أنْ تنتهي دون أنْ يكون للولايات المتحدة الأمريكية دورٌ في الشرق الأوسط، فأمريكا التي تتربع على عرش القوى العالمية، استمرت في بسط نفوذها في المنطقة بعد انتهاء الحرب الباردة، حتى احتلالها للعراق.
أثّر احتلال الولايات المتحدة الأمريكية للعراق على علاقتها بالمنطقة بصورة عميقة، فمن جهة عانت من حجم الكذب المتعلق بفاتورة الدعم العسكري والمالي الذي كلفته عملية احتلال العراق، ومن جهة أخرى، وقعت أمريكا في مأزق لا مخرج له، من خلال توسيع نفوذ القوى الإقليمية في المنطقة، مما جعلها عُرضة للمسائلة من قبل هرم السلطة العالمي.
ومثال ذلك، إيران، التي كانت إحدى القوى الإقليمية، الأكثر استفادة وظفرا من الاحتلال الأمريكي للعراق، فهي دعمت كل المجموعات التي وقفت في وجه أمريكا أثناء الاحتلال، ثم اتفقت معها من أجل تشكيل العراق من جديد، وهكذا انتقلت إيران بالنسبة لأمريكا من دولة عدوة على الورق، إلى دولة نووية صاحبة نفوذ كبير في المنطقة.
ومع خسارة الجمهوريين للبيت الأبيض، توجب على أوباما اتخاذ سياسة مختلفة تجاه قضية العراق، فالنتائج السلبية التي تراكمت على رأس الولايات المتحدة الأمريكية بسبب احتلال العراق، جعلت أوباما يتصرف بحذر شديد في سياسته الخارجية، ولهذا قرر تحويل السياسة الخارجية الأمريكية إلى سياسة المتفرج، بدلا من المتدخل، ولهذا أصبحت السياسة الخارجية الأمريكية مقتصرة على التوفيق بين الدول، وأصبحت لا ترغب بالتدخل، وغير مستقرة، وغير مهتمة بما يحدث.
وبالرغم من حصول عمليات حرجة وحساسة مثل الربيع العربي وما يحصل في أوكرانيا، وبالرغم من تبخر حلم حلّ القضية الفلسطينية على أساس الدولتين، وبالرغم من انتشار الإرهاب، إلى أنّ موقف الولايات المتحدة الأمريكية لم يتغير، وبقيت غير مهتمة ومترددة، وهذا كان سببا في حدوث تحوّل تاريخي للدور الأمريكي، ولكن في الاتجاه السلبي.
دعم الولايات المتحدة الأمريكية لانقلاب السيسي على مرسي في مصر، ساهم في تعثّر تقدم الربيع العربي، كما أنّ السياسة الأمريكية تجاه سوريا لا يعرف أحدٌ ماهيتها حتى من المسئولين الكبار، فقد قال أوباما أنّ سوريا ليست أولوية إستراتيجية، لكن عدم اهتمامه بسوريا جعله يتواجه مع نفوذ داعش المتسع.
وروسيا التي وضعت ثقلها في سوريا، أجبرت الولايات المتحدة الأمريكية على تحديها في أوكرانيا، وكسبت الرهان. كما أنّ الحليف الأقرب لأمريكا، رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، لم يكترث لأقوال أوباما، وذهب وألقى خطابا في الكونغرس الأمريكي متحديا النظام الأمريكي، وألقى بمشروع حل الدولتين في حاوية القمامة من خلال سياسته العرقية والاستيطانية، وذهبت كل جهود وزير الخارجية كيري أدراج الرياح.
ربما نجحوا في التقارب مع كوبا، والجلوس على طاولة واحدة مع إيران، لكنهم اليوم أمام مشكلة ربما تؤرقهم لعشرات السنين، وهي مشكلة داعش، كما أنّ إزهاق أرواح مئات الآلاف، وعمليات التدمير للدول التي تتم في المنطقة، كلها جرت أمام أعين أوباما ونظامه الحاكم.
كما أنّ كل ما يجري في سوريا، تتحمل مسئوليته بصورة كبيرة الولايات المتحدة الأمريكية، سواء بسبب ما قامت به، أو بسبب ما لم تقم به، وأيضا لعدم قيام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بأي أمور تجاه القضية السورية.
فوضع القيود من قبل إدارته أمام المعارضة منذ الأيام الأولى، وتسبب ذلك بإزهاق أرواح مئات الآلاف من السوريين، وغض الطرف عن استخدام الأسد للأسلحة الكيميائية وتجاوزه كل الخطوط الحمراء، وعدم تقديم المساعدات الإنسانية بصورة حقيقية للشعب السوري، سيبقى لعنة تطارده، وسببا أساسيا في إضعاف الولايات المتحدة الأمريكية، وانحسار نفوذها في المنطقة.
سيكتبون في المستقبل عن السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية في عهد أوباما، وسيستخدمون حينها صفة "غير مستقرة" بصورة متكررة في وصف سياسته الخارجية.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس