إسماعيل ياشا – صحيفة العرب
الكيان الموازي، التنظيم السري لجماعة كولن المتغلغل في أجهزة الدولة، قام في يناير 2014 بعملية استعراضية تهدف إلى إحراج الحكومة التركية أمام الرأي العام العالمي وتصويرها «حكومة تراعي الإرهاب»، وقامت قوات من الدرك باعتراض شاحنات كانت تحمل مساعدات إلى داخل الأراضي السورية تحت إشراف جهاز الاستخبارات التركية.
لم تحقق عملية الكيان الموازي آنذاك أهدافها، رغم تفتيش الشاحنات أمام الكاميرات، بل تم توقيف العسكريين والمدنيين المتورطين في هذه العملية التي استهدفت جهاز الاستخبارات التركية، ولكن الكيان الموازي أعاد المحاولة يوم الجمعة الماضي من خلال نشر صور في صحيفة «جمهوريت» الأتاتوركية المتحالفة الآن مع جماعة كولن، وقالت الصحيفة إنها لشحنات أسلحة كانت في طريقها إلى الداخل السوري.
الصور المنشورة في صحيفة «جمهوريت» سبق نشرها قبل حوالي سنة في صحيفة «آيدينليك» التركية الموالية للنظام السوري، وليس شرطا أن يكون الإنسان داهية حتى يفهم أن إثارة هذه القضية مرة أخرى ونشر الصور نفسها من جديد قبيل الانتخابات البرلمانية التي ستجرى بعد أسبوع، ما هي إلا محاولة بائسة للتأثير على نتائج الانتخابات. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: «هل يمكن أن يغير نشر تلك الصور آراء الناخبين؟»
عملية تفتيش الشاحنات، رغم مرافقة رجال جهاز الاستخبارات التركية لها، لفتت انتباه الرأي العام التركي إلى مدى تغلغل الكيان الموازي في أجهزة الدولة وجرأته على استهداف مصالح البلاد، ولم تترك مجالا للشك في أن جماعة كولن متورطة في أعمال التجسس والمؤامرات حتى النخاع، وكشفت كذلك عن تناقض الجماعة في اتهام الحكومة، لأنها تروِّج من جهة أن الحكومة تعمل لصالح إيران وتتهمها من جهة أخرى بأنها ترسل أسلحة إلى الثوار السوريين الذين يقاتلون جنود إيران والمليشيات الموالية لها.
كثير من المواطنين الأتراك يرفضون استهداف جهاز الاستخبارات التركية بهذه الطريقة، لأن أجهزة الاستخبارات في جميع دول العالم تكون أنشطتها سرية ويعتبر الكشف عنها «خيانة»، ولا تسمح أي دولة بأن يخرج مدعِ عام ليحاول أن يكشف عن أسرارها بطريقة تمس أمنها ومصالحها العليا.
الصحيفة التي نشرت الصور على صفحاتها الأولى قالت إنها ستهز العالم، ولكن العالم لم يهتز كما توقعت، وليس من المتوقع أيضا أن يغير الناخبون آراءهم قبيل الانتخابات لمجرد إثارة هذه القضية، لأن مواقف الأحزاب التركية من الثورة السورية معروفة، والحكومة التركية تقف بشكل واضح لا غبار عليه إلى جانب الشعب السوري الذي يقاتل ضد الظلم والطغيان من أجل الحصول على حريته وكرامته، والمؤيدون لحزب العدالة والتنمية سيصوتون له وهم يعرفون هذا الموقف ويؤيدونه، وأما الأحزاب الأخرى التي لا تؤيد موقف الحكومة من الثورة السورية فمنذ أن حسمت أنقرة موقفها من النظام السوري تكرر الاتهامات نفسها مثل أسطوانة مشروخة وتزعم أن الحكومة تتدخل في شؤون سوريا، وبالتالي لن يؤثر ما نشرته صحيفة «جمهوريت» على سياسات الأحزاب وآراء الناخبين.
ومما لا شك فيه أن إرسال جهاز الاستخبارات التركية شحنات أسلحة إلى الثوار السوريين، إن صح الخبر وأرجو أن يكون صحيحا، يؤلم أنصار النظام السوري في تركيا وقد يصفونه بـ «فضيحة»، ولكن غيرهم من المواطنين يرونه عملا بطوليا يجب أن يفتخر به الأتراك، بل ويطلبون من أنقرة أن ترسل مزيدا من الأسلحة والذخائر إلى الثوار حتى لا يُقتل الأطفال ولا يرتكب النظام السوري مجازر أخرى.
وبعد كل هذه المحاولات البائسة لضرب أمن تركيا واستقرارها والاستنجاد بالخارج لإسقاط حكومتها المنتخبة، من يعتقد أن الكيان الموازي الذي يقوم بعملية ضد جهاز استخبارات بلاده من خلال خلاياه المتغلغلة في الأمن والقضاء، مجرد «جماعة دينية وتربوية» أو «منظمة للمجتمع المدني» إما جاهل وإما مغفل وأحمق وإما عميل يعمل هو الآخر ضد مصالح تركيا.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس