توران قشلاقجي - القدس العربي
يعتبر المصري سعيد حليم باشا، من الشخصيات العثمانية البارزة التي غرقت حاليا في النسيان. سعيد حليم باشا؛ هو أحد الشخصيات التي تركت بصمة كبيرة في تاريخ السياسة التركية، وكان شخصية مهمة لافتة للنظر بفضل مستواه الثقافي الرفيع، وباعتباره شغل منصب الصدر الأعظم (رئيس الوزراء) في أواخر عهد الدولة العثمانية. ولد سعيد حليم باشا عام 1863 في القاهرة واستشهد عام 1921 في روما. تولى منصبي وزير خارجية الإمبراطورية ورئيس الحكومة عندما دخلت الدولة العثمانية الحرب العالمية الأولى عام 1914 كحليف لألمانيا. كما يعد من الرموز المهمة بالنسبة إلى تاريخ السياسة، نظرا لأنه المسؤول الذي وقع على قرار دخول الدولة العثمانية في الحرب العالمية.
سعيد حليم باشا، هو ابن الوزير حليم باشا وحفيد محمد علي باشا القوللي. أكمل تعليمه الأساسي في القاهرة بدروس خاصة، وكان يتقن اللغتين العربية والتركية، ثم تعلم اللغات الفارسية والفرنسية والإنكليزية، وبعد ذلك درس العلوم السياسية والفلسفة والقانون في سويسرا. وعندما جاء إلى إسطنبول تم منحه عام 1888 عضوية مجلس شورى الدولة. وفي عام 1900 حصل على رتبة البكلربك (سيد السادة) في منطقة الروملي، لكنه اضطر لاحقا للذهاب إلى مصر ثم أوروبا إثر ضغوط ورقابة تعرض لها بسبب اهتمامه بحركة تركيا الفتاة.
عاد سعيد حليم باشا إلى إسطنبول بعد الإطاحة بحكم السلطان عبد الحميد عام 1908 وعمل لفترة في بلديات مختلفة إلى أن تولى عام 1912 رئاسة مجلس شورى الدولة إلا أنه استقال بعد عام واحد ليصبح أمينا عاما لجمعية الاتحاد والترقي، ثم وزيرا للخارجية. وفي العام نفسه تولى منصب الصدر الأعظم وعمل وزيرا للخارجية في الحكومة نفسها التي شكلها وترأسها. ترك منصب الصدر الأعظم عام 1917 بعد 4 سنوات على خلفية محاولات إقصائه من قبل الاتحاد والترقي. تم نفيه إلى مالطا عام 1919 بعد تحميله مسؤولية حرب لم يكن مؤيدا لها. وعندما أطلق سراحه عام 1921 انتقل إلى صقلية. أراد العودة إلى إسطنبول لكن طلبه قوبل بالرفض، إثر ذلك اضطر للسفر إلى روما واستقر فيها ثم استشهد على يد إرهابي أرمني في ديسمبر 1921 وتمت الموافقة على نقل جثمانه إلى إسطنبول، ودفن إلى جانب والده في حديقة ضريح السلطان محمود.
يمكن القول إن سعيد حليم باشا كان من أكثر المفكرين العثمانيين أصالة وأهمية، وتحدث عنه جلال بايار، ثالث رؤساء الجمهورية التركية، وأول رئيس لا ينحدر من أصول عسكرية، على أنه «كان رجل دولة وسياسيا إسلاميا مؤيدا لفكرة الأمة». ويقول المؤرخ الشهير ابن الأمين محمود كمال إينال، إن «سعيد حليم باشا كان متدينا ومحترما للدين المبين الإسلام. وقد رأى أن الحضارة الحقيقية تجلت في ذلك الدين السامي بكل صدق وبعيداً عن الرياء والنفاق». بدوره يقول المؤرخ المعروف جلال نوري إيلاري، «قضيت مع المرحوم سعيد باشا حياة سجن وأسر مرتين. وعلى الرغم من أنه كان معتادا على العيش بظروف أفضل منا جميعا، إلا أنه لم يشتك أبدا من مصيره أو وضعه. كان في معسكر الأسرى يتحلى بالخصال نفسها التي يتحلى بها قبل وأثناء توليه منصب رئاسة الوزراء. لم يكبر درجة بتوليه رئاسة الوزراء، ولم يصغر مقدار ذرة بسقوطه في الأسر. كان يرى كل شيء من منظور واسع ولم يكلف نفسه عناء تفاصيل أي شيء».
يستخدم قصره الواقع في منطقة يني كوي في إسطنبول بصفة مطعم في يومنا الحالي، وكان من أهم المراكز التي يجتمع فيها المثقفون والمفكرون خلال فترة الدولة العثمانية. العبارات المكتوبة باللغة العربية على السقف الخشبي للقصر هي بمثابة دليل لجميع السياسيين والمثقفين. كان سعيد حليم باشا أيضا ممولا لمجلة «سبيل الرشاد» التي أصدرها الشاعر الوطني محمد عاكف أرصوي، وقد نشر فيها العديد من المقالات. وألّف سعيد حليم باشا العديد من الكتب التي بدأت تجذب انتباه القراء الأتراك في السنوات الأخيرة، ومن بينها؛ «تقليدنا» (Taklitçiliğimiz) و»الدستورية»(Meşrutiyet) و»اكتئابنا الاجتماعي» (Toplumsal Bunalımız) و»اكتئابنا الفكري»(Düşünsel Bunalımımız) و»الأسلمة» (İslamlaşmak) و»تجربة حول انهيار العالم الإسلامي» (İslam Dünyasının Çöküşü Üzerine bir Deneme)، و»المؤسسات السياسية في المجتمع الإسلامي» (İslam Toplumunda Siyasal Kurumlar) و»التعصب»(Bağnazlık) و»الإمبراطورية العثمانية والحرب العالمية»(Osmanlı İmparatorluğu ve Dünya Savaşı).
خلاصة الكلام؛ تحتوي كتب هذا المفكر الكبير على إجابات للعديد من قضايا العالم الإسلامي التي نناقشها اليوم. ويقوم ناشرون أتراك حاليا بترجمة العديد من كتبه إلى اللغة التركية بالاستفادة من المخطوطات الفرنسية. ليت أحد رجال أعمال العالم العربي يشتري قصر سعيد حليم باشا في يني كوي ليشعل شرارة فكرية جديدة كمركز للفكر التركي ـ العربي.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس