د. مصطفى حامدأوغلو - خاص ترك برس
لقد أصبح واضحا للقاصي والداني أن تركيا تخوض اليوم أهم انتخاباتها الرئاسية والبرلمانية وذلك لعدة أسباب يطول شرحها ويعرفها جميعنا .
هذه الانتخابات لم تعد مفصلية للشعب التركي فقط ،بل هي اليوم محط انظار واهتمام شعوب كثيرة داخل تركيا وخارجها ،وخاصة الشعوب العربية والاسلامية ،حيث تعتبر تركيا هي القلعة الاخيرة التي تجد بها هذه الشعوب متنفسها وأمنها وربما مستقبلها .
أهمية هذه الانتخابات المفصلية ، جعلت المجتمع التركي ينقسم بشكل حاد وعميق ، وينحاز الى صفين ، ويتخندق مع احدى الجهتين ، ولم يعد هناك ، بل لم تنجح محاولات البعض بايجاد الخط الثالث ضمن النظام الرئاسي الذي لا يسمح إلا بوجود كتلتين رئيسيتين في سباق الرئاسة، على عكس التنافس على مقاعد البرلمان ، حيث سيشهد هذه المرة تمثيلا لكل الاصوات المتناقضة تحت قبته.
اصطفاف بعض الدول بشكل علني على لسان الرئيس الامريكي بايدن ، واعلانه عن ضرورة دعم المعارضة للاطاحة بأردوغان هذه المرة من خلال صناديق الاقتراع ، والحملة الجماعية من غالبية الصحف الغربية المعادية لأدروغان ، يؤكد حرص هذه الدول على اسقاط أردوعان واصطفافها ايضا بهذا الخندق الانتخابي .
هذا الاصطفاف الداخلي والخارجي ، الاقليمي والعالمي ،وانقسام العالم الى معسكرين تجاه نتائج الانتخابات زاد من حماس الطرفين بالداخل للفوز ، والحرص على عدم تفويت هذه الفرصة ، مما زاد التوقعات بأن تكون المشاركة اليوم بالتوصيت هي أعلى نسبة بتاريح تركيا والعالم الديمقراطي كله،طبعا باستثناء الجمهوريات العربية التي كان المواطن يشارك مرغما وخوفا وتحاشيا من غدر النظام وعقابه.
المعارضة التركية -ورغم تشتت صفوفها واختلاف مشاربها وتناقض أهدافها وخلفياتها - شعرت لأول مرة قبل عامين تقريبا، أنها يمكن أن تطيح بأردوغان من خلال صناديق الاقتراع ، بسبب مايعانيه الحزب الحاكم من تراجع بشعبيته وزيادة الاصوات المحتجة على الوضع الاقتصادي وغلاء المعيشة وخاصة آجار البيوت بهذا الشكل المقلق لأول مرة بتاريخ تركيا .وهذا ما دفع بكليجدار أوغلو للترشح لأول مرة لرئاسة الجمهورية التركية ، حيث لم يترشح بالمرتين السابقتين لأن الفوز كان شبه مستحيلاً بالنسبة له حينها.
خاض كليجدارأوغلو مسيرة مليئة بالعقبات والمطبات حتى نال ترشحه رسميا من قبل الطاولة السداسية التي لم تعد سداسية منذ فترة ، بعد اعلان حزب الشعوب الديمقراطي تأييده له . معارضة أكشنار أقرب شربك له ، والحزب الثاني الأقوى ضمن ائتلاف الأمة وسعيها لترشيح امام اوغلو رئيس بلدية اسطنبول أو منصور يواش رئيس بلدية انقرة ، وتذكيرها بمذهبه العلوي وانه ليس المرشح الذي سيفوز ، كان أكبر تحدي امام كليجدارأوغو الذي استطاع جرها للعودة للطاولة من جديد رغم وصفها لها بطاولة القمار.
العدالة والتنمية برئاسة أردوغان بهذه الفترة كان مشغولاُ باعداد استراتيجية الانتخابات بشكل مختلف هذه المرة ، تحسين المستوى المعيشي ،محاربة الفساد ،استقرار الليرة ، خفض التضحم ،اطلاق مشاريع تنموية انشائية ،والتركيز على تحسين العلاقة مع الشباب، والتواصل المباشر مع كل شرائح المجتمع التي ابتعدت عن العدالة والتنمية لاسباب عديدة.
أتت هذه الاستراتيجية أكلها وبدأ منحى التأييد الشعبي للعدالة والتنمية يتصاعد بخطى ثابتة،بينما المعارضة مشغولة بتحديد أسم المرشح والصراع بالمحاصصات وتوزيع الوزارات..
قبل شهرين بالضبط من انتخابات اليوم كتبت مقالا بعنوان
" هل حسم أردوغان الانتخابات قبل أن تبدأ!؟
لأن كل المؤشرات حينها كانت تشير بذلك ،وربما هذه الانتحابات أيضاَ كانت ستكون مثل سابقاتها محسومة النتيجة قبل أن تبدأ.
زلزال العصر الذي دمر أكثر من عشر محافظات تركيا كان أكبر تحدي بالنسبة للحكومة والعدالة والتنمية لأنهم الدولة والحكومة والجهة المسؤولة عن تقديم الخدمات امام هذا الحدث الجلل...
سعت المعارضة من خلال هذه الازمة لتوجيه ضربة للحزب الحاكم واتهامه بالتقصير والفساد والاهمال وعدم الاهبة والاستعداد لمثل هذه الاحداث الجسيمة..
نجحت قليلا بذلك وكنتيجة طبيعية في مثل هذه الازمات ، تراجعت اصوات العدالة والتنمية واصبحت استطلاعات الرأي تشير لتقارب الاصوات بين الطرفين..
نجح أردوغان بتجاوز هذه المحنة الصعبة بنجاح باهر أذهل الجميع من خلال اعلان حالة الطوارئ المؤقتة ، وتسريع لملمة الجراح ، والبدأ بمشاريع الاعمار ، وسن كثير من القوانيين التي جعلت المواطن التركي يصل لقناعة من جديد أن أردوغان هو الوحيد الذي يستطيع أن يفي بهذه المشاريع والوعود .
مع اقتراب موعد الانتخابات بدأت المعارضة تشعر بخطورة النتائج فتصورت أن ازاحة محرم انجة من طريق كليجدار اوغلو، هي الخطوة التي ستضمن فوزهم بالنتائج .وبنفس الطريقة التي جائت بكليجداراوغلو لرئاسة الحزب تم تهديد محرم انجة وابتزازه بصور تخص الخصوصية الشخصية والشرف والجنس ،مما جعل انجه يعلن انسحابه قائلا أنه يريد ان لا يترك لهم فرصة تعليق فشلهم يوم الانتخابات بسبب ترشحه .
أثناء كتابة هذا المقال بدأ الناخب التركي قبل قليل بالتوجه لصناديق الاقتراع ليثبت من جديد للجميع أن الحكم هو صوته وأنه هو صاحب القرار النهائي برسم مستقبل تركيا بعيدا عن كل المعارك بشبكات التواصل الاجتماعي واستطلاعات الرأي ...
وهذا هو جمال وحلاوة المواطنة والديمقراطية ...
فما هي سيناريوهات نتائج اليوم ومن هم بيضة القبان هذه المرة !!؟
السناريوهات المتوقعة لها ركيزيتن الاولى تتعلق بالانتخابات الرئاسية والثانية بمقاعد البرلمان...
هل ستٌحسم الرئاسة من الجولة الأولى!!؟؟
احتمالين لا ثالث لهما إما الحسم من الجولة الأولى أو الذهاب لجولة الاعادة ...
وبحالة الحسم هناك حالتين ايضا...
فوز مرشح الرئاسة مع اغلبية برلمانية مؤيده له ..مثلا فوز اردوغان مع الائتلاف الجمهوري
أو فوز بالرئاسة بدون أغلبية مؤيده له...فوز أردوغان لكن ان تكون غالبية البرلمان بيد المعارضة...
وهنا السؤال المهم
هل الأهم هو الفوز بالرئاسة أم بالبرلمان ...!!؟
برأيي فوز أردوغان بالرئاسة حتى ولم يحقق الأغلبية البرلمانية هو الأهم ...
السناريو الثاني هو الذهاب لجولة الاعادة ...
عدم فوز أردوغان وفوز المعارضة بأغلبية برلمانية هو هدف المعارضة الأول اليوم
أولا هذا سيسبب احباط وخيبة أمل عند الرئيس والعدالة والائتلاف الجمهوري من جهة وربما يدفع البعض لعدم المشاركة بالجولة الثانية ...
من جهة اخرى قد يكون ذلك دافعا للناخب التركي ان يختار الرئيس بجولة الاعادة من الفريق الفائز بالبرلمان ...
بقاء الرئاسة للجولة الثانية مع فوز الائتلاف الجمهوري اظن انه سيحقق فوزا ساحقا لأردوغان بجولة الاعادة...
وتظل كلها سناريوهات واحتمالات وتوقعات...
بيضة القبان من هي !!؟؟
في كل الانتخابات السابقة كنا نشير الى جهة قد تكون وحيدة بتلك الانتخابات وهي أصوات الناخب الكردي ...
كانوا هم بيضة القبان في كثير من الانتخابات البرلمانية والرئاسية والبلديات...
لكن برأيي اليوم أن هناك بيض كثير بالقبان هذه المرة
الأكراد...المجنسين العرب...الشباب ...
وربما تكون البيضة الأهم هذه المرة هي الاصوات القومية وتأثيرها على انتخابات الرئاسة بشكل خاص و كبير ...
نمو الشعور القومي وخاصة بين الشباب التركي يجعل هذه الاصوات هي أثقل البيضات بالقبان هذه المرة...
من سيفوز!!؟؟
بالطبع الديمقراطية التركية والناخب التركي هو الذي سيفوز بالدرجة الأولى ...
النجاح المميز لحملة العدالة والتنمية التي خاطبت الشعور القومي والانتماء الوطني والديني والشبابي ، التصنيع العسكري ، المسيرات والطائرات والسيارة والحاملة البحرية واكتشاف الغاز والبترول ، تجمع اسطنبول الكبير ، الوعكة الصحية التي اصابت اردوغان وغيابه لدقائق عن المسرح وتأثيرها على اعادة تفكير واحاسيس ومشاعر ومواقف الكثيرين، رفع المعاشات وحملات الاعمار بمناطق الزلزال كلها مبررات منطقية كافية لجعل الناخب التركي يختار أردوغان من جديد...
ورغم الحشد والتخندق العميق وصلابة اصوات المعارضة، ودعم قنديل والدعم الاعلامي والغربي والامريكي ورغم اجبار محرم انجة على التنحي ظناً أنه لصالح المعارضة ...
أتوقع وبناء على هذه المعطيات الفوز لأردوعان من الجولة الأولى ولو بنسبة تتراوح حول الواحد بعد الخمسين تزيد وتنقص ...
لكنه صندوق الاقترع والناخب هو من سيقول كلمته ...
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس