د. سمير صالحة - تلفزيون سوريا
أسفرت نتيجة الانتخابات الرئاسية التركية التي جرت يوم 14 من أيار الجاري عن إلزام الرئيس رجب طيب أردوغان مرشح تحالف "الجمهور" الحاكم، وكمال كليتشدار أوغلو مرشح تحالف "الأمة" المعارض، بالذهاب إلى جولة ثانية من الانتخابات الرئاسية بتاريخ 28 من أيار، بعدما فشل أحدهما في الحصول على 50 بالمئة من مجموع أصوات الناخبين وهي النسبة المطلوبة للفوز في الجولة الأولى.
لم تسقط المعارضة بالضربة القاضية رغم خسارتها في الانتخابات البرلمانية. لكن الرئيس أردوغان لم يتمكن من حسم النتيجة لصالحه وتركه الناخب أيضا ينتظر نتائج الجولة الثانية من المواجهة.
احتاج أردوغان إلى نصف بالمئة من مجموع الأصوات لإعلان فوزه. بينما احتاج كليتشدار أوغلو إلى نحو 5 نقاط أي ما لا يقل عن مليونين ونصف المليون صوت، للتغلب على منافسه. العقبة الأهم كانت ربما المرشح القومي سنان أوغان الذي سجل مفاجأة انتخابية كبيرة بحصوله على 5 بالمئة من مجموع الأصوات.
المؤكد هو أن قيادات الطاولة السداسية وحليفهم من الخارج حزب الشعوب الديمقراطية يعيشون خيبة أمل بسبب فشلهم في الحصول على الأغلبية البرلمانية في الانتخابات الأخيرة، وتقدم أردوغان على مرشحهم كليتشدار أوغلو بفارق 5 نقاط في الجولة الأولى من المعركة الرئاسية. فكيف سيتمكن كمال كليتشدار أوغلو مرشح المعارضة من توحيد الصفوف والانطلاق في حملة انتخابية جديدة وسط هذا التخبط والشرذمة وما هو الجديد الممكن تقديمه لإقناع الناخب بدعمه؟
حظوظ أردوغان أوفر في جولة الإعادة على ضوء النتائج، لكن منافسه كليتشدار أوغلو متمسك بالمنازلة حتى النهاية معولا على تسجيل مفاجأة انتخابية توصف باجتراح المعجزات. هو يريد تحريك 14 مليون ناخب بينهم كتلة المرشح الثالث سنان أوغان التي وصلت إلى 2،5 نحو مليون صوت. وكتلة انتخابية ثانية لم تذهب إلى الصناديق، هذا إلى جانب مئات الآلاف من الأصوات الملغية. سيحاول كليتشدار أوغلو أيضا لعب ورقة الصوت القومي الذي وصل إلى نسبة تجاوزت العشرين بالمئة من مجموع أصوات الناخبين وذهبت بثلاثة اتجاهات: حزب الحركة القومية الذي يقوده دولت بهشلي. حزب "إيي" الذي تقوده ميرال أكشينار. وتحالف الأجداد الذي رشح سنان أوغان لانتخابات الرئاسة. هو يسعى لإقناع أوغان وحليفه أوميت أوزداغ رئيس حزب النصر بدعمه، لكن العقبة الكبيرة هي تحالف كليتشدار أوغلو مع حزب الشعوب الديمقراطية المحسوب على الصوت الكردي والذي دعمه بشكل كبير في الجولة الأولى فهل ينجح زعيم المعارضة في التقريب بين أقصى اليمين التركي وأقصى اليسار الكردي للوقوف إلى جانبه في الجولة الثانية للانتخابات؟
حظوظ أردوغان أكبر للفوز في الجولة الثانية من الانتخابات، لأن تحالف الطاولة السداسية مفكك مشرذم يعيش وسط حالة من التخبط حول كيف يخرج من ورطة الأسبوع المقبل بأقل الخسائر والأضرار. ولم يبق بيد كليتشدار أوغلو كثير من الأوراق يلعبها في مواجهة أردوغان سوى الهروب إلى الأمام ومحاولة التسديد نحو قلب المنظومة السياسية والدستورية والاقتصادية التي بناها أردوغان خلال عقدين.
بدل كليتشدار أوغلو أسلوبه ونبرته وطروحاته صباح الإثنين المنصرم ومع انقشاع المشهد الانتخابي والسياسي في البلاد. قرر تغيير كبار المشرفين على حملته الانتخابية لكنه ذهب أيضا باتجاه مغاير لما كان يقوله خلال حملات الجولة الأولى. فتخلى عن موقف إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم في غضون عامين، متعهدا أن يفعل ذلك بشكل فوري حال وصوله إلى السلطة. واتهم أردوغان بفتح الأبواب أمام 10 ملايين لاجىء وأنه إذا ما بقي في الحكم فسيرتفع العدد إلى الضعفين. لغة جديدة تبرز من خلالها النبرة القومية المغايرة لما كان يقوله في السابق حول خطة مدروسة ومبرمجة فيها ضمانات أمنية ومعيشية وسياسية بعد تفاهمات مع النظام في دمشق. هدفه هو كسب أصوات الجناح القومي الداعم لسنان أوغان وشريكه أوميت أوزداغ ثم طمأنة من لم يصوت له في صفوف حزب ميرال أكشينار أنه سيكون أكثر تشددا في التعامل مع الملف، ومحاولة الوصول إلى قواعد حزب الحركة القومية نفسه من خلال هذه النبرة التصعيدية.
مفاجآت الساعات الأخيرة قبل الذهاب مجددا إلى الصناديق ستكون كثيرة ومثيرة. فعندما كان يحاول كليتشدار أوغلو مفاوضة جناح تكتل "أتا" على تفاهمات ترضي الطرفين وتفتح الطريق أمام دعمه في جولة الإياب، سارع منافسه الرئيس أردوغان الذي كان يردد قبل أيام أنه لن يدخل في مساومات وصفقات ولن يقبل بتنفيذ رغبات أوغان لأن الشعب هو صانع الملوك، لدعوة الأخير على عجل إلى خلوة ثنائية في مكاتب قصر دولمه بهشه بإسطنبول.
هل يقنع أردوغان القومي المتشدد سنان أوغان بالتهدئة في ملف اللجوء ومنح حزب العدالة والتنمية فرصة تنفيذ سياسته السورية الجديدة خصوصا الشق المتعلق بالعودة الطوعية الآمنة للاجئين إلى أراضيهم؟ وهل يكون قد نصح أوغان بعدم الانحياز إلى طرف على حساب طرف آخر وسط لعبة التوازنات السياسية والحزبية الحساسة في هذه المرحلة؟ أم هو سيدخل في سباق مع منافسه كليتشدار أوغلو الذي رفع مستوى التوتر في الملف السوري لإرضاء أطراف تحالف "أتا" وكسب دعمهم وهو الخيار المتبقي لقطع الطريق على محاولات خصمه؟ أم أن أوغان رضخ لما يقوله شريكه الأول أوزداغ وقبل بالعروض المغرية التي قدمها لهما منافس أردوغان؟
كليتشدار أوغلو هو الذي يقود المشهد منذ أشهر باسم حزبه وأمام الطاولة السداسية وهو الذي سيتحمل مسؤولية فشل إزاحة أردوغان وتغيير شكل النظام وبناء اصطفاف دفع حزبه الثمن السياسي الباهظ فيه. وحده سيتحمل مسؤولية فتح الطريق على وسعها أمام شركائه في التحالف وأعباء سخائه الانتخابي حيال الأحزاب الصغيرة التي نسقت معه وحصلت على جوائز ترضية كبيرة بالمقارنة مع ما قدمته وكانت كلها على حساب حصة حزب الشعب ومقاعده البرلمانية.
صباح الإثنين المقبل وفي حال عدم تسجيل كليتشدار أوغلو لمفاجأة اختراق في جولة الإياب، عليه أن يكون جاهزا لاندلاع أزمة داخلية في صفوف حزب الشعب الجمهوري، يواكبها كثير من الاستقالات أولا، وارتفاع عدد المطالبين بالذهاب نحو مؤتمر استثنائي عام للحزب لبحث نتائج الانتخابات وارتداداتها التي قد تكون مصحوبة بدعوته للتنحي ثانيا.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس