محمود علوش - عربي بوست
على مدى الأشهر الماضية، انخرط قادة أحزاب المعارضة التركية في مفاوضات شاقة لتوزيع المناصب في السلطة الوهمية التي سيُديرونها بعد 14 مايو. كاد تحالف "الأمة" ينهار في فبراير بسبب خلاف على المرشح الذي يُفترض أن يهزم رجب طيب أردوغان ويحكم البلاد. منح زعيم المعارضة كمال قليجدار أوغلو وعوداً كثيرة لحزب "الشعوب الديمقراطي" الكردي لدرجة أن الأخير بدأ يستعد لعصر كردي جديد في تركيا. حتى مع الانتكاسة التي مُنيت بها في 14 مايو، ظلّ جزء من النقاش بشأن توزيع المناصب في الحكومة الوهمية يُهيمن على أجندة المعارضة. بعد اكتمال الهزيمة في 28 مايو، تحوّل حلم السلطة إلى كابوس. ذهبت مناصب الرئيس ونوابه السبعة أدراج الرياح. اتّضح أن قليجدار أوغلو سيبقى في ظل أردوغان لخمس سنوات إضافية وأن حزب الشعوب لم يكن صانع الملوك وأن الخطاب القومي المتشدد المُصطنع لن يعكس المد الانتخابي.
سيتعين على قادة المعارضة الآن التعامل مع حقيقة سياسية جديدة وهي أن الحدود القصوى لقوتهم لم تتمكن من تغيير مسار التاريخ التركي، وأن هذه الحقيقة تفرض تغييراً في الأداء والقيادة معاً؛ لأن كليجدار أوغلو فضّل طموحاته الشخصية بالسلطة على مصالح المعارضة وخاطر بوحدتها، فإنه من المتوقع أن يُقاوم فكرة تغيير القيادة. لقد أعطى مؤشراً واضحاً على ذلك في أول خطاب له بعد الهزيمة في انتخابات الإعادة الرئاسية عندما قال إن "النضال سيتواصل من أجل الديمقراطية". على عكس المرحلة الماضية التي وجدت فيها شخصيات في حزب "الشعب الجمهوري" صعوبة في تحدي رغبة زعيم الحزب بالترشح للرئاسة، فإنهم الآن باتوا أكثر جرأة على المطالبة بالتغيير. أكرم إمام أوغلو رئيس بلدية إسطنبول، الذي منعه كليجدار أوغلو من طموح الترشح للرئاسة، لم يتردد بعد هزيمة 28 مايو في المطالبة الضمنية بالتغيير ليس في السلطة هذه المرة بل في الحزب الذي ينتمي له. قال إن "الشيء الوحيد الذي لا يتغير هو التغيير وأنه لا يُمكن توقع نتائج مختلفة من خلال القيام بنفس الأشياء".
يجد حزب "الشعب الجمهوري" نفسه في مواجهة عاصفة التغيير أكثر من أي حزب معارض آخر، لكن كليجدار أوغلو، الذي استخدم ميزة الترشح على قوائم الحزب في الانتخابات البرلمانية لضمان دعم الأحزاب الصغيرة في التحالف السداسي لترشحه للرئاسة، لا يزال يجد هامشاً من المناورة لمقاومة المطالب بتنحيه عن زعامة الحزب.
الانتخابات المحلية المقبلة على الأبواب وستُجرى بعد نحو عشرة أشهر وسيسعى إلى تركيز النقاش داخل الحزب على الحاجة إلى الاستقرار في القيادة من أجل ضمان الفوز في الانتخابات المحلية. علاوة على ذلك، فإن احتمال الحظر السياسي، الذي يواجه أكرم إمام أوغلو بعد إدانته القضائية في وقت سابق، يُساعد كليجدار أوغلو على قطع الطريق على طموحات إمام أوغلو بتولي زعامة الحزب. مع ذلك، فإن مقاومة فكرة التغيير لن تُغير من حقيقة تعززت في انتخابات 14 و 28 مايو وهي أن أكبر حزب معارض تحت قيادة كليجدار أوغلو، لا يُمكن أن يحصد سوى في الهزيمة في المنافسات الانتخابية. ومن غير المرجح أن تنعكس هذه الحقيقة في الانتخابات المحلية المقبلة.
كان من المفترض أن يعقد حزب الشعب الجمهوري مؤتمراً في يوليو العام الماضي، ولكن وبسبب الانتخابات، تم تأجيل المؤتمر لمدة عام واحد؛ نظراً لأن الحزب لم يكمل مؤتمرات المقاطعات بعد، فإن احتمالية حضور المؤتمر في يوليو المقبل منخفضة وقد يتأجل المؤتمر العام إلى نهاية العام الجاري. قد يُساعد ذلك كليجدار أوغلو في مقاومة ضغوط التغيير في الحزب، لكنّ بالتأكيد لن يُساعد في استعادة الثقة به لدى شريحة آخذة في الاتساع في دوائر الحزب.
على مستوى التحالف السداسي، فإن مستقبل وحدة هذا التحالف يبدو محل شكوك. مع أن الانتخابات المحلية المقبلة يُمكن أن تُشكل دافعاً للحفاظ على هذا التحالف وعلى الشراكة التي أقامها كليجدار أوغلو مع حزب الشعوب الديمقراطي الكردي، إلآّ أن تغيير الأداء يبدو حاجة ضرورية للخروج من صدمة الهزيمة في 14 و28 مايو. سيبقى الهدف الذي يُجمع مختلف أحزاب المعارضة قائماً وهو معارضة أردوغان، لكنّ المعارضة من أجل المعارضة لا تُنتج مشروعاً سياسياً واضحاً يقود إلى السلطة. لا تزال فكرة شراكة التحالف السداسي مع حزب الشعوب جذابة لتعظيم الحالة السياسية والانتخابية للمعارضة ككل، لكنّها ليست كافية بحد ذاتها. لقد اتضح في الانتخابات الأخيرة أن هذه الشراكة لم تُغير من قواعد اللعبة مع أردوغان؛ لأنها ببساطة لم تأخذ بعين الاعتبار تأثير الاعتراض القومي في جبهة التحالف السداسي على هذه الشراكة. علاوة على ذلك، تُظهر نتائج انتخابات 14 مايو حقيقة في الجبهة الكردية ينبغي قراءتها بعناية وهي تراجع مستوى التأييد الشعبي لحزب الشعوب إلى نحو 8% مقارنة عن أكثر من 11% كان عليه في الانتخابات التشريعية السابقة عام 2017. إن مخاطر مواصلة عدم الموازنة بين التحالف مع حزب الشعوب وبين اعتراض القوميين المعارضين قد تزداد في الفترة المقبلة، لأن حزب "الحركة القومية" في جبهة التحالف الحاكم استطاع في الانتخابات الأخيرة رفع مستوى التأييد له ويُمكن أن يستقطب في المستقبل المنظور جزءاً آخر من الأصوات القومية المعارضة في جبهة التحالف السداسي.
لا تمتلك أحزاب المعارضة رفاهية مقاومة فكرة التغيير في القيادة والأداء؛ لأن الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي عزز النصر الانتخابي الأخير من فائض الثقة لديه، يبدو مُصمماً على توظيف هذا النصر من أجل استعادة السيطرة على البلديات الكبرى التي خسرها الحزب الحاكم لصالح المعارضة في انتخابات 2019. من غير المرجح أن تتمكن المعارضة من الاحتفاظ بالبلديات الكبرى كإسطنبول وأنقرة في الانتخابات المحلية المقبلة إذا لم تأخذ بجدية الحاجة إلى التغيير في القيادة والأداء.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس