صالحة علام - الجزيرة مباشر
جاء إخفاق كمال كليجدار أوغلو رئيس حزب الشعب الجمهوري وزعيم المعارضة، في تحقيق الفوز بمنصب الرئيس، بمثابة نقطة النهاية في سلسلة طويلة من الإخفاقات والفشل، رغم الإمكانيات كلها التي توافرت له، وحجم الدعم غير المسبوق الذي حصل عليه خصوصًا في الانتخابات الأخيرة، سواء من أحزاب المعارضة في الداخل، أو من القوى الغربية في الخارج، التي جمعها هدف وحيد، هو إزاحة الرئيس أردوغان عن سدة الحكم في البلاد، والإطاحة بحكومة العدالة والتنمية، وهو الدعم الذي اتسم بعضه بالعلانية، وبعضه الآخر بالسرية.
إخفاقات متتالية وفشل غير مسبوق سيدفع ثمنه أطراف متعددة، وفي المقدمة منها كمال كليجدار أوغلو، وحزب الشعب الجمهوري، الذي يعاني هذه الأيام من مرارة الهزيمة، والشعور بالانكسار أمام مؤيديه وقاعدته الشعبية التقليدية، خصوصًا بعد أن قام نواب أحزاب كل من المستقبل، والديمقراطية والتنمية، والسعادة، والديمقراطي التسعة وثلاثين، الذين فازوا بمقاعدهم تحت قوائمه، وبأصوات ناخبيه، بإعلان استقالاتهم والعودة إلى أحزابهم الأصلية.
وهو الأمر الذي أفقد الشعب الجمهوري تميزه داخل البرلمان، وأضعف موقفه في مواجهة تحالف الشعب الذي يضم العدالة والتنمية، والحركة القومية، والرفاه من جديد، وهدى بار، الذي نجح في الاحتفاظ بهيمنته على الأغلبية داخل البرلمان، ولا تزال جبهته متماسكة، سواء برلمانيًا أو انتخابيًا، إذ من المتوقع أن يخوض التحالف نفسه الانتخابات البلدية المقرر لها الخريف المقبل.
الأزمة التي يعيشها حزب الشعب الجمهوري لا تتمحور فقط حول إخفاق رئيسه في الفوز على أردوغان، رغم ما بذله الرجل من جهد، وما تخطاه من خطوط حمر في سبيل تحقيق هذا الهدف، لكنها تمتد إلى العديد من الملفات الداخلية التي تمس أيدولوجية الحزب وانتماءاته الفكرية، وتوجهاته السياسية أو ما يرتبط بعلاقاته مع أحزاب المعارضة الأخرى.
إذ يواجه كليجدار أوغلو اتهامات من جانب أعضاء في الهيئة العليا للحزب بالانحراف عن نهج مصطفى كمال أتاتورك، وتحويل الحزب إلى مقر للطائفة العلوية، بعد تعيينه لأكثر من أربعين عضوًا علويًا في الهيئة العليا، واستبعاد رموز الحزب القدامى، المعروفين بولائهم التام للفكر الكمالي، وفلسفته في إدارة البلاد والعباد.
وهي المجموعة التي شنت حربًا ضروسًا ضد ترشيح كليجدار للانتخابات الرئاسية، ولا تزال تقود الفئة الغاضبة داخل تشكيلات الحزب المختلفة، إذ تتعالى أصواتهم المطالبة بضرورة استقالته من رئاسة الحزب، وإفساح المجال أمام من لديه القدرة على إصلاح ما أفسده، وإزالة ما لحق بالحزب من خسائر نتيجة سياساته الخاطئة، وإعادة ترميم جبهته الداخلية.
ولأن السياسة لا تعرف العواطف، فقد كان أول المنضوين تحت لواء هذه الجبهة، أكرم إمام أوغلو رئيس بلدية إسطنبول، الذي طالما وصفه البعض بالابن البار لكليجدار أوغلو، إذ أعلن صراحة في تعليقه على قيام الأخير بتغيير أعضاء مجلس إدارة الحزب، أن هناك إدراكًا عامًا داخل صفوف قيادات الحزب وقاعدته الجماهيرية أن التغيير لا يكون باستبدال مجلس الإدارة فقط، مشيرًا إلى أن الحزب خسر ثلاث انتخابات متتالية في تسع سنوات، وأنه من الصعوبة بمكان السير على هذا النهج نفسه مجددًا لفترة أخرى، “الشعب قال كلمته.. أنه يريد التغيير، وأنا لن أدفن رأسي في الرمال، فلست ممن يهربون من المسؤولية”.
يدعم وجهة نظر إمام أوغلو استطلاعًا للرأي أجرته إحدى شركات الأبحاث، أشارت نتائجه إلى أن غالبية الناخبين المؤيدين للشعب الجمهوري أعربوا عن رغبتهم في استقالة رئيس الحزب، بل واعتزاله العمل السياسي.
وأوضحت النتائج أن 6.5% ممن صوتوا لصالح كليجدار أوغلو في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية صوتوا لصالح أردوغان في الجولة الثانية، وردًا على سؤال عن اعتقادهم بضرورة استقالته من منصبه كرئيس للحزب أجاب 62.4% بنعم، فيما رفض 37.6%.
وحول الشخصية التي يرونها مناسبة لتولي إدارة الحزب في هذه المرحلة الحرجة، في حال تقديم كليجدار أوغلو استقالته، اختار 46.7% أكرم إمام أوغلو، بينما رأى 17.6% أن منصور يافاش رئيس بلدية أنقرة هو الأجدر للقيادة في هذه الظروف التي يمر بها الحزب.
أما كليجدار أوغلو فخسارته للانتخابات الرئاسية ليست الخسارة الوحيدة التي سيكون عليه مواجهتها، لأنه خسر أيضًا عضويته في البرلمان بعد واحد وعشرين عامًا من وجوده داخله، وخسر معها حصانته البرلمانية، مما يفسح المجال رحبًا أمام إمكانية محاسبته على الكثير من الأفعال والأخطاء التي ارتكبها خلال فترة تمتعه بالحصانة البرلمانية، التي حالت دون وقوفه أمام القضاء، ومحاسبته عما وجهه من اتهامات لشخصيات بالاسم.
مثل الإهانة، والافتراء، وخرق سرية بعض التحقيقات، فيما لا يقل عن ثمانية وعشرين قضية، تم وضعها على الأرفف، من ضمنها اتهامه لأعضاء الهيئة العليا للانتخابات الذين ذكرهم بالاسم بأنهم عصابة تدير الهيئة، وتطاوله على المدعي العام واصفًا إياه بالحثالة، حينما طلب منه المثول أمامه والإدلاء بشهادته ضدهم، وتقديم أدلته.
اتهامات حال تحريك ملفاتها سيكون من الصعب على كليجدار أوغلو الاستمرار في عمله رئيسًا للحزب، خصوصًا وأن العديد من الحرس القديم أصبح يدرك أن رئيسهم يسعى للهروب من مسؤوليته عما لحق بالحزب من خسائر، سواء بإلقاء اللوم على الهيئة العليا للانتخابات، وطريقة إدارتها للعملية الانتخابية، أو على أعضاء مجلس إدارة الحزب الذين سارع بتغييرهم في أول إجراء يتخذه عقب انتهاء الانتخابات.
إخفاقات كليجدار أوغلو وأسلوب إدارته للمعركة الانتخابية ألقى بظلاله على بعض أحزاب المعارضة المتحالفة معه، إذ يعاني كل منها من إشكاليات من الصعب تخطيها دون خسائر، فحزب الجيد الذي فقد توازنه بعد الانتخابات، وأصبح يتأرجح بين الانفصال عن تحالف الأمة، والاستعداد لخوض الانتخابات البلدية منفردًا، رافعًا لواء القومية التركية المتشددة في مواجهة القومية الكردية وممثلها على الساحة السياسية الشعوب الديمقراطي، أو يبقى ضمن التحالف، ويضع يده علنًا هذه المرة في يد الشعوب الديمقراطي والشعب الجمهوري بما يؤمن له الحصول على بعض البلديات الكبرى، وهو ما يعرضه لخسارة شريحة من قاعدته الشعبية، التي ستتوجه دون شك صوب حزب الحركة القومية.
أما حزب الشعوب الديمقراطي الذي خسر عددًا من مقاعده البرلمانية، فقد أعلن رئيسه صلاح الدين دميرتاش، الذي كان يستعد للخروج من محبسه حال فوز كليجدار أوغلو، تخليه عن ممارسة السياسة خلال هذه المرحلة، بينما تحاول قياداته لملمة شتاته، ومداواة جروحه، بعد أن ذهبت أدراج الرياح التعهدات التي بذلها لهم كليجدار أوغلو، ولم يجنوا من وراء دعمهم له إلا السراب.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس