إسماعيل ياشا - عربي21
حصل حزب العدالة والتنمية في الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي أجريت في 14 أيار/ مايو الماضي على 35.62 في المائة من أصوات الناخبين، وفاز بـ268 مقعدا من أصل 600 مقعد في البرلمان التركي. وكان الحزب حصل في الانتخابات البرلمانية التي أجريت في 24 حزيران/ يونيو 2018 على 42.56 في المائة من الأصوات، ليفوز بـ295 مقعدا في البرلمان.
هناك تراجع واضح في شعبية حزب العدالة والتنمية، كما تشير إليه نتائج الانتخابات. وكان الحزب حصل على 21,338,693 صوتا في 2018، إلا أنه لم يحصل في الانتخابات الأخيرة سوى على 19,392,462 صوتا، على الرغم من ارتفاع عدد الناخبين المسجلين من 59,367,469 ناخبا إلى 64,145,504 ناخبين، وارتفاع نسبة المشاركة من 86.22 في المائة إلى 87.04 في المائة.
هذا التراجع يؤكد أن هناك نسبة من الناخبين صوتوا لأردوغان في الانتخابات الرئاسية، ليحصل على 49.52 في المائة في الجولة الأولى وعلى 52.18 في المائة في الجولة الثانية، ولكنهم لم يصوتوا لحزب العدالة والتنمية في الانتخابات البرلمانية. ومن المؤكد أن أغلبية هؤلاء صوتوا للأحزاب المتحالفة مع حزب العدالة والتنمية.
الأسباب التي أدت إلى تراجع شعبية حزب العدالة والتنمية مختلفة، ويأتي على رأسها تلك الأعراض التي تصيب الأحزاب التي تحكم لمدة طويلة، كظهور طبقة من المنتفعين يستغلون علاقاتهم بالحزب الحاكم لجمع الثروات وتوسيع مصالحهم الشخصية. ومهما كانت صفحة رئيس الحزب الحاكم بيضاء نقية، فإن بعض قادته وأعضائه قد يتورطون في أعمال الفساد المالية والإدارية.
كما أنه من الطبيعي في الأنظمة الديمقراطية أن تتآكل شعبية الأحزاب الحاكمة خلال سنوات حكمها، وأن يرغب الناخبون في رؤية وجوه جديدة في الساحة السياسية.
الأخطاء التي ترتكبها الإدارات المحلية التابعة لحزب العدالة والتنمية هي أيضا من أسباب تراجع شعبية الحزب. ولعل أبرز مثال لتلك الأخطاء، إقامة بلديات ينتمي رؤساؤها إلى حزب العدالة والتنمية، مهرجانات صيفية وحفلات غنائية أو برامج ثقافية وتعليمية، ودعوة كتاب ونشطاء وفنانين معارضين ممن يسيئون إلى الناخبين الذين يصوتون لحزب العدالة والتنمية ورئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان، إلى تلك الفعاليات الترفيهية أو الثقافية أو التعليمية، ودفع أموال طائلة إلى هؤلاء في مقابل مشاركتهم فيها.
وفي آخر مثال لهذا التناقض، أقامت بلدية قضاء سليمان باشا في محافظة تكيرداغ قبل أيام حفلة غنائية ضمن فعاليات مهرجان الكرز الذي يتم تنظيمه سنويا، ودعت إلى الحفلة مغنية تحث الفتيات على التفسخ والانحلال وعدم مراعاة القيم الدينية والأخلاقية، بالإضافة إلى أنها أعلنت قبل الانتخابات تضامنها مع امرأة عجوز شتمت الناخبين المؤيدين لأردوغان بألفاظ غليظة وأيدت إساءتها إلى المصوتين لحزب العدالة والتنمية. وأثارت مشاركة تلك المغنية في الحفلة سخطا كبيرا في صفوف أعضاء حزب العدالة والتنمية ومؤيديه، وزاد الطين بلة صعود رئيس البلدية المنتمي إلى الحزب على المنصة ليعانق تلك المغنية ويقبل يدها ويغني معها، الأمر الذي دفع أنصار حزب العدالة والتنمية إلى الشعور بأن رئيس البلدية هو الآخر يسيء إليهم بتلك التصرفات.
الناخبون المؤيدون لحزب العدالة والتنمية يطالبون بتنظيف صفوف الحزب، وطرد رؤساء البلديات الذين يتجاهلون مطالبهم ولا يلتزمون بقيم الحزب، كما أنهم يطالبون بعدم تمويل المشاهير المسيئين إلى رئيس الجمهورية وحزب العدالة والتنمية بأموال البلديات. وإضافة إلى ذلك، يرى كثير منهم أن إقامة مهرجانات وحفلات غنائية ليست من مهام البلديات التي يجب أن تنصب جهودها على خدمات ذات أولوية كإصلاح الطرق والبنى التحتية.
حزب العدالة والتنمية حصل على 35.62 في المائة في 14 أيار/ مايو، رغم وجود أردوغان على رأس الحزب. ومن المؤكد أن هناك نسبة من الناخبين صوتوا في الانتخابات البرلمانية الأخيرة لحزب العدالة والتنمية رغم تحفظاتهم على بعض سياساته وأخطاء قادته وأعضائه، كي يتمتع رئيس الجمهورية بمساندة كتلة برلمانية قوية، ما يعني أن هؤلاء قد لا يصوتون لحزب العدالة والتنمية في الانتخابات المحلية وكذلك في الانتخابات البرلمانية القادمة في غياب أردوغان، علما أن الساحة السياسية التركية شهدت في الماضي تفكك أحزاب كبيرة جراء خروج رؤسائها المؤسسين من المعترك السياسي، كحزب الوطن الأم بعد تورغوت أوزال وحزب الطريق المستقيم بعد سليمان دميريل.
حلول حزب العدالة والتنمية في المرتبة الأولى في الانتخابات البرلمانية بعد عقدين حكم فيهما البلاد بشكل متواصل، نجاح كبير لا غبار عليه. ويعود هذا النجاح إلى أسباب عديدة، منها عدم وجود بديل يمكن أن يثق فيه الناخبون المنزعجون من أخطاء حزب العدالة والتنمية ممن يصوتون له، في ظل تحالف المعارضة مع الموالين للمنظمات الإرهابية التي تستهدف أمن البلاد واستقرارها ووحدة ترابها، كحزب العمال الكردستاني وجماعة غولن، كما أن المنشقين عن حزب العدالة والتنمية لم ينجحوا في تقديم بديل إلى الناخبين. إلا أن حصول حزب الحركة القومية وحزب الرفاه الجديد على نسبة من أصوات الناخبين الذين صوّتوا في الانتخابات السابقة لحزب العدالة والتنمية، يشير إلى أن نسبة أخرى من الناخبين قد يهربون من هذا الأخير في الانتخابات القادمة، إن لم يستدرك أخطاءه، ووُجد له بديل.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس