أ.د أحمد أويصال - الشرق

تبنت إدارة أوباما حزب العمال الكردستاني PKK كشريك في عام 2016 لمحاربة داعش، وتجاهل الأمريكان اعتراضات تركيا ومطالبها بأن تقوم هي بهذا الدور بالتعاون مع الولايات المتحدة. بعد تنديد تركيا المستمر ضد PKK، أطلقوا على PKK في سوريا اسم حزب الاتحاد الديمقراطي PYD، وزعموا أنهم مختلفون عن PKK، ثم أضافوا لهم لاحقًا نسبة ضئيلة من المقاتلين العرب وأسموهم جميعاً قوات سوريا الديمقراطية - قسد - SDG، لإظهار اختلافها عن PYD. وكان مع هؤلاء أيضاً الميليشيا غير الكردية، مجلس دير الزور العسكري.

وبعد سنوات طويلة معًا، توترت العلاقات بين ميليشيات PKK وما يسمى بالإدارات. فبعدما تم طرد PKK وأفرعها من معظم مناطق شمال غرب سوريا، وإضعافها في شمال العراق، بفعل العمليات العسكرية التركية، اشتد حكم PKK وتزايد تعامله القمعي مع السكان المحليين، مما أزعج المجتمعات العربية وفاقم من تذمرها، بما في ذلك في دير الزور. في أواخر آب الماضي قامت قوات قسد الكردية في الحسكة باعتقال أحمد الخبيل قائد مجلس دير الزور العسكري، الملقب بأبو خولة، بعد أن استدعته للتشاور. وأثار ذلك صدامات كبيرة بين قوات قسد والعشائر العربية في دير الزور، وامتدت إلى مناطق عربية أخرى خاضعة لحكم PKK بإشراف أمريكي. وهذا يدل على أن احتقان العرب في تلك المناطق من سطوة PKK أكبر من قضية اعتقال أبو خولة، وأوسع من منطقة دير الزور.

أسباب الاحتقان في المناطق التي تحكمها قسد هي: القمع الذي يمارس على المجتمعات العربية، واستمرار الفساد، ونقص الخدمات الصحية والبلدية، وفرض الفكر الشيوعي في التعليم، والتجنيد العسكري الإلزامي للشباب العربي. ولا يريد الشباب العربي أن يكونوا جزءاً من ميليشيات قسد ضد أي عمليات تركية. تحاول ميليشيات قسد ممارسة المزيد من السيطرة على القبائل العربية والميليشيات العربية، بما في ذلك لواء ثوار الرقة، ومجلس دير الزور العسكري. وكان مجلس دير الزور العسكري يحاول إقامة علاقات مباشرة مع الولايات المتحدة والغرب، مما أزعج PKK. وهنالك أسباب أخرى سنناقشها تباعاً.

تمثل الاشتباكات الأخيرة نقطة تحول مهمة بالنسبة للمناطق الخاضعة لسيطرة PYD في شمال سوريا. وتراقب تركيا التطورات هناك عن كثب، وهي ما زالت مصرة على إبعاد الجماعات المرتبطة بـ PKK من حدودها وتخطط لعمليات عسكرية مقبلة. الولايات المتحدة وروسيا يواصلان دعم PYD في سوريا، في حين تعهدتا بإنهاء وجود PKK من هناك، لكن ذلك لم يحدث، خاصة في منبج. وتدعم هذه التطورات الادعاءات التركية بأن ميليشيات قسد هو امتداد لـ PKK الذي يريد الهيمنة على المناطق العربية بكوادره وأيديولوجيته. وبطبيعة الحال، لن تهدأ تركيا إلا بعد انتهاء وجود PKK وأنشطته في سوريا والعراق.

لكن التوتر الجديد بين PKK والعرب في شمال سوريا جاء في وقت مثير للاهتمام، ترافق مع تغيرات إقليمية ودولية. وآخرها هو تزايد النشاط العسكري الأمريكي في منطقة الحدود العراقية السورية. لا يوجد بيان أمريكي رسمي حول ذلك، لكن الكثيرين يتوقعون (بما في ذلك رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي) بأن تلك النشاطات العسكرية الأمريكية تهدف إلى إغلاق الحدود أمام إيران ووكلائها للسيطرة على نظام الأسد. كما كانت هناك شائعات بأن قوات قسد رفضت أن تكون جزءًا من العملية العسكرية التي قد تتطلب القتال ضد الميليشيات التابعة لإيران. لذلك، من المتوقع أن تكون الولايات المتحدة الآن أكثر استعدادًا لإنشاء قوة قتالية يهيمن عليها العرب، مما يزعج قيادات قسد في المنطقة.

ومن ناحية أخرى، فإن إيران سعيدة برؤية المناوشات بين معارضي نظام الأسد، أي بين قسد والعرب السنة. وتعرف إيران أيضًا أن الصراعات ستضر بالخطط الأمريكية الرامية للحد من النفوذ الإيراني، خاصة بعد وقوفها إلى جانب روسيا في حرب أوكرانيا. فائدة أخرى لإيران من هذه التطورات هي استعادة تعاطف وثقة العرب السنة بعد أن ألحقت الضرر بهم في سوريا والعراق. ومثل روسيا، فإن إيران سعيدة برؤية إضعاف أي مجموعات سورية تعارض نظام الأسد. حتى أن روسيا هاجمت القبائل العربية الأخرى التي كانت في طريقها للقتال ضد قسد في دير الزور. ولا تريد كل من روسيا وإيران تغييراً في الوضع الراهن السوري، وهو ما يتعارض مع خططهما. ولذلك، فإن نتيجة الاشتباكات بين قسد والعشائر العربية تحمل انعكاسات خطيرة على مستقبل PKK وإيران في سوريا.

عن الكاتب

د. أحمد أويصال

مدير مركز أورسام لدراسات الشرق الأوسط وأستاذ العلاقات الدولية بجامعة إسطنبول


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس