ترك برس
شاركت شخصيات تركية وعربية معروفة في ندوية نظمها موقع "عربي بوست" الإخباري لمناقشة أسباب تنامي العنصرية في تركيا ضد الأجانب وأهمية محاربتها، والسبل اللازمة لكبح انتشارها.
وحضر الندوية الناشط الإعلامي وصانع المحتوى التركي عبد الرحمن أوزون، والأكاديمي والمحلل السياسي التركي عبد المطلب أربا، والنائب التركي السابق محمد إلكان، والمحامي والأكاديمي التركي دنيز باران، بالإضافة إلى الرئيس التنفيذي لمنتدى الشرق، وضاح خنفر.
وتعتبر تركيا واحدة من الوجهات السياحية الرائعة والمتنوعة في العالم، حيث تتمتع فيها ما بين الثقافة الشرقية والغربية. ومع ذلك، وعلى الرغم من هذا التنوع الثقافي، فإن هناك قضية حساسة تدور في هذا البلد الجميل.. إنها قضية العنصرية التي يتعرض لها بعض العرب في تركيا.
يجسّد العرب في تركيا مجموعة متنوعة من الثقافات والجنسيات، وقد أتوا إلى هذا البلد لأسباب مختلفة، أبرزها النزوح من الحرب والعنف السياسي واللجوء لدولة آمنة. وكذلك من أسبابها البحث عن فرص عمل إلى الرغبة في العيش في بيئة جديدة أو الدراسة، أو بغرض السياحة فقط.
ومع ذلك، واجه العديد منهم تحديات ومشاكل تتعلق بالعنصرية لا سيما في الفترة الماضية، حيث وجدوا أنفسهم مادة للدعاية الانتخابية و"شماعة" لأسباب تدهور الحالة الاقتصادية، وفق ما يؤكده ناشطون هناك.
العنصرية في تركيا ضد الأجانب وتأثيرها على السياحة
بدأت الندوة بكلمة من الناشط الإعلامي واليوتيوبر التركي عبد الرحمن أوزون، حول موضوع أسباب تنامي خطاب العنصرية في تركيا، وأهمية دور الإعلام والنخب بمواجهته.
بدأ السيد عبد الرحمن مداخلته بآية "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ"، متطرقا إلى دور العرب في تنمية السياحة في تركيا، مستدلاً بتزايد السياح في كل من مدينة طرابزون وريزا، خاصة ما بعد سنة 2020، إذ بدأ العديد من سكان هذه المناطق من الأتراك من تلك المناطق بالعودة إليها، من أجل إنشاء العديد من المشاريع الخاصة بهذا المجال؛ إذ ارتفعت خلال هذه السنوات أعداد المحلات التجارية والمطاعم، بالإضافة إلى الفنادق عما كانت عليه قبل سنة 2020.
على عكس المدن الأخرى، مثل أنطاليا وألانيا وغيرهما من المدن السياحية في مناطق البحر الأبيض المتوسط الذي تستقبل عدداً أكبر من السياح الأوكران والروس، بالإضافة إلى السياح الأوروبيين والغربيين.
لكن ما يدعو إلى القلق هو الحملة العنصرية التي يتعرض لها العرب واللغة العربية بعد البدء في إزالة بعض اللافتات المكتوبة باللغة الغربية في هذه المناطق، باعتبارها لغة أجنبية وليست اللغة الرسمية للبلاد، متجاهلين اللافتات الأخرى المكتوبة، سواء بالإنجليزية أو باليونانية وغيرهما من اللغات.
بالإضافة إلى ذلك، تطرّق عبد الرحمن أوزون أيضاً إلى محاولة تركيا إعادة إعمار بعض المدن في الشمال السوري من إدلب والمدن المجاورة لها، من أجل ضمان عودة المهاجرين إليها مع وجود أمان ومقومات أساسية للعيش.
وأضاف أنه لا يوجد أي فرق بين الأتراك والعرب، سواء كانوا سوريين أو من الخليج وغيرها من الدول، عبر التاريخ لم يكن هناك أي حروب أو خلافات بين العرب والأتراك؛ بل كانوا أمةً واحدة على عكس الدول الغربية.
من بين الحلول التي اقترحها السيد عبد الرحمن أنه يجب أن تكون الحلول مشتركة، سواء من قِبل الدولة التركية أو الإعلام، بالإضافة إلى الدول، ما ينتج عن ذلك الحد من العنصرية في تركيا خلال هذه الأوقات العصيبة.
التاريخ التركي العربي وأسباب العنصرية الحالية
تطرّق مدير منتدى الشرق، وضاح خنفر في هذه مداخلته خلال الندوة، إلى أن تركيا كانت معزولة قبل تسلّم حزب العدالة والتنمية الحكم؛ بل كانت تطمح إلى الدخول في الاتحاد الأوروبي دون إعطاء اعتبار إلى التقارب العربي، الشيء الذي نتج عنه عدم تمددها بالمقارنة مع إيران التي بدأت تتعمق في كل من العراق ولبنان والعديد من الدول الأخرى، وهذا الأمر أزعج العديد من القوى الدولية، التي تفتعل المشاكل في تركيا مثل تضخيم الخطاب العنصري فيها.
وأشار إلى أنه رغم أن تركيا من الدول المتقدمة داخلياً، فإنها واجهت مشاكل مع كل من روسيا والمشاكل التاريخية مع أوروبا، والتي تعود إلى الصراعات التي دامت طيلة 800 سنة منذ الدولة العثمانية، والتي كانت معظم الدول العربية تحت سيادتها.
بعد وصول حزب العدالة والتنمية للسلطة، بدأت تركيا بمحاولة المصالحة مع الدول العربية، وبدأت تفتح سياساتها أكثر عمقاً في كل من العراق وسوريا، كما ظهرت تركيا القوة الكبرى في دول الشرق الأوسط، فيما بدت إيران أقل فاعلية فيما كانت عليه من قبل.
يرى الأستاذ وضاح خنفر أن سبب تنامي العنصرية في تركيا، رغم أنها توجد في معظم دول العالم، إنما هو تضخيم من مصالح غربية، بشكل يفيد كل من يريد لتركيا أن تعود إلى ما كانت عليه من قبل، وهو ما ستستفيد منه بعض الدول، مثل إسرائيل وإيران وبعض الدول الأوروبية.
تضخيم الموضوع يصبح أجندة رئيسية، لهذا يتوقع الأستاذ وضاح أن هناك قوة كبرى تريد أن تصبح تركيا مثل ما كانت عليه من قبل ومحاربة تطورها. كما أن الحب العربي والدعم للرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد يكونان قد تسببا في أزمة بالدول الغربية، ما قد يتسبب في تضخيم هذا الموضوع من أجل تشويه سمعة تركيا، رغم بعض التقصير من قِبل الحكومة التركية في مواجهة تصاعد الخطاب العنصري ضد العرب.
من بين الحلول المقترحة التي اقترحا خنفر، التقرب من العرب، وفكرة الاندماج، رغم أنها لن تكون سهلة؛ إذ تتطلب بعض الوقت، لكن يتعين على الدولة القيام بتنظيم الجاليات العربية وأن يكون هناك متحدث رسمي عن كل جنسية.
وأكد أن كل حملة عنصرية تبدأ ضد الأجانب تتطور -مع الأسف- لتشمل المواطنين، لهذا يجب أن تقوم الدولة بمحاولة التوصل إلى حل من أجل حماية الأمن القومي الداخلي، أما بالنسبة للحملات ضد المحجبات في تركيا، فقال السيد وضاح إن هناك فئة معينة في تركيا لا تزال تحاول البحث عن هويتها، وهذا الأمر قد يأخذ بعض الوقت.
التقارب التركي- العربي والانزعاج الغربي
خلال فقرات هذه الندوة، أكد الدكتور عبد المطلب أربا ضرورة بناء مشروع محاربة العنصرية في تركيا والدول العربية، وأضاف أن تركيا كانت دولة منغلقة في السابق، والسبب يرجع في ذلك إلى المنهج الدراسي القديم، إلا أنه خلال الـ20 سنة الماضية بعد تولي العدالة والتنمية الحكم، بدأت تنكسر بعض العنصرية، وبدأ الشعب التركي في محاولة اندماجه مع الدول العربية.
تصل الصادرات التركية للدول العربية إلى 10% من مجموع صادراتها إلى باقي دول العالم، كما أن الدول العربية تمثل أيضاً نسبة جيدة من السياح القادمين إلى تركيا، وخاصة بعد فترة حكم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي يحظى بشعبية كبيرة في معظم الدول العربية.
لكن للحد من ظاهرة العنصرية في تركيا، يجب فهم الاختلاف بين القومية والعنصرية، في رأيه فإن القومية هي أننا كلنا نندرج تحت راية الإسلام عن باقي العرب، وأننا كنا أمة وشعوباً واحدة لها تاريخ وعقيدة واحدة، يجب أن ننقل هذه القومية إلى المستقبل.
لكن ما يحدث في تركيا الآن هو عبارة عن عنصرية، وهي بعيدة كل البعد عن القومية، مع الأسف الشديد توجد موجات من العنصرية؛ ما جعل البعض يخاف من الخروج من أجل عدم إصابتهم بمكروه من قِبل أحد العنصريين في الخارج، وهو ما يرجع إلى تشدد البعض، وربط ذلك ببعض مفاهيم القومية الخاطئة.
كما تطرق عبد المطلب إلى ظاهرة إزالة بعض اللافتات العربية في بعض المدن التركية، على غرار اللافتات المكتوبة بلغات أجنبية أخرى، والتي اعتبرها نوعاً من العنصرية موجهة إلى الدول العربية، وهو شيء ممنهج من قوة خارجية، من أجل إفشال تركيا؛ لأنها من الدول الرائدة التي تسعى العديد من الدول للتنافس معها وبداية مشاريعها في تركيا.
خلال السنوات الأخيرة هناك تحسّن بالعلاقات مع الدول الخليجية، وهذا التقارب تسبب في مشاكل من قِبل الدول الغربية، خاصة عند التقارب مع السعودية والإمارات، كما أن تركيا قوة إقليمية تؤثر على القرارات الدولية، بالإضافة إلى موقعها الاستراتيجي القريب من كل من الدول العربية والغربية على حدٍّ سواء.
وقال إنه يتعين علينا جميعاً أن نقوم بمحاربة هذه العنصرية؛ لأنها قد تتسبب في عودة تركيا إلى ما كانت عليه من قبل، إذ يجب معرفة القصة من الطرفين، قبل الحكم على أن السائح العربي أو الأجنبي تعرّض للعنصرية، يجب معرفة ما قام به السائح قبل الحادثة من أجل الحكم بشكل سليم، كما يجب على السياح مراعاة القوانين الخاصة بالبلد واحترامها.
العنصرية والقوانين اللازمة لردع خطابها في تركيا
خلال الجلسة الثانية من الندوة، التي نظمها موقع "عربي بوست"، والتي تحمل عنوان "القوانين اللازمة لردع خطاب العنصرية، وهل المشكلة في وجودها أم في تطبيقها؟"، انطلقت الندوة بكلمة من المحلل والأكاديمي "دينيز باران"، الذي أكد أن هناك نوعان من الجرائم في تحريض الشعب من خلال الخطاب العنصري، فهناك خطابات تسيء إلى المجتمع مع التحريض على نوع معين يعتبر جرماً في القانون التركي؛ إذ سمعنا خلال الأيام الأخيرة بحملة اعتقالات ضد بعض الأشخاص الذين حرضوا على العنصرية.
لكن بحسب هذا القانون، يجب إثبات أن هذا الشخص كان ينوي التسبب في عنصرية، ما يؤدي إلى انفعال شعبي أو تهديد للأمن القومي للأبد، لكن هذا القانون لا يجرم بعض حالات العنصرية التي قد لا تغير أي شيء في الإطار العام للدولة؛ ما يعتبر رأياً شخصياً فقط.
وأضاف أنه بمجرد أن يكون للخطاب تأثير يجب أن يعد جرماً، لكن إذ لم يتسبب في جناية لا يمكن أن يعتبر جرماً، وهو ما يعتبر موضوعاً مهماً، وهو ما ينص عليه الدستور التركي؛ إذا كان شخص يحرض على موضوع سلبي أو يولد جنايات ناتجة عن هذا الخطاب، لهذا يجب أن نكون منتبهين إلى هذه الخطابات.
إذاً الخطاب العنصري مسلط إعلامياً؛ إذ إن هذه الخطابات لا تكون دون انتشار على مواقع التواصل، قد تصل العقوبة إلى سنتين، وقد تتزايد في حال كان الخطاب أكثر انتشاراً.
من وجهة نظر دينيز باران، الحل الوحيد للحد من حملات العنصرية في تركيا هو إصدار قوانين صارمة فيما يخص الأشخاص العنصريين مع تطبيق العقوبات بعد إصدار الحكم.
وأضاف السيد دينيز متسائلاً: هل القوانين رادعة بالفعل؟ لا يمكن أن نقول إنها رادعة، أنا لا أقصد بذلك إلغاء العقوبة؛ لكن يجب تحديث العقوبة وتوضيح الشروط التي تجعل العنصرية جرماً في القانون التركي، فالعنصرية نتائج سلبية في داخل الشعب التركي.
في مشاركته أيضا، قال النائب التركي السابق محمد إلكان إن هناك العديد من القوى الخارجية التي تريد إلحاق الضرر بتركيا، والتي تستغل موضوع العنصرية في تركيا ضد الأجانب، مستشهداً بأن العرب بدأوا بالقدوم إلى تركيا بعد الربيع العربي، ولم تكن هناك حملات مشابهة مثل ما أصبحت عليه خلال الفترات الأخيرة.. من بين الحلول التي قدمها السيد محمد إلكان للحد من مشكلة العنصرية في تركيا نجد:
تعزيز التعليم والتوعية: يجب أن يكون التعليم حول القيم والتسامح جزءاً مكملاً للمناهج الدراسية. يمكن توجيه حملات توعية تستند إلى وسائل الإعلام والمنصات الرقمية لنشر الوعي حول ضرورة مكافحة العنصرية.
تشجيع التنوع في وسائل الإعلام: يجب دعم وتشجيع وسائل الإعلام على تمثيل مجتمع تركيا بشكل أفضل وتقديم قصص وأفكار تعكس التنوع الثقافي والاجتماعي.
تشديد القوانين ضد الكراهية والعنصرية: يجب مراجعة القوانين القائمة وتشديدها لضمان معاقبة الجرائم التي تستند إلى الكراهية بشكل أكبر.
تعزيز التفاعل الاجتماعي: يمكن تنظيم فعاليات وأنشطة تعزز التواصل بين مختلف الثقافات والمجتمعات. هذا يساعد على تقوية الروابط وفهم أعمق للآخر.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!