ترك برس

الأتراك والعرب شعبان مختلفان من حيث العرق، لكن يجمعهما الكثير من العادات والتقاليد، كما يجمعهما دين واحد منذ مئات السنين، وهذا ما يزيد من تشابههما، وعمل على انصهار ثقافتهما عبر الزمن.

ورغم أن العرب متجذرون في الجزيرة العربية منذ زمن بعيد، فيما يتجذر العرق التركي من وسط وشرق آسيا، إلا أنه ومنذ هجرة الأتراك إلى الأناضول فقد امتزجوا بالعرب امتزاجاً مكانياً في البداية، ثم مع مرور الزمن وانتشار الإسلام في الجزيرة العربية ثم تحول الأتراك للدين الإسلامي، انصهروا بشكل كبير مع المجتمع العربي، وأصبح العرب والأتراك مجتمعاً واحداً لا يفرقهما سوى الأصول واللغة، لكنهما متحدان تحت راية دولة واحدة، ودين واحد، وانتشر الزواج فيما بينهما حتى أصبح من الصعب التفريق بينهما، وتناسى الناس لسنين العصبية القبلية والعرقية العمياء.

امتزج العرقان لدرجة أن حكم الدولة المشتركة بينهما كثيراً ما كان ينتقل بين العرقين، فتارة تحكم عائلات عربية وتارة عائلات تركية. وفي كلا الحالتين يكون الشعب مزيجاً جميلاً من العرقين من غير أية حساسية أو تعصب لأصول من يحكم الدولة. وخير دليل هو الدولتان العباسية والعثمانية اللتان حكمتا لمئات السنين وشكلتا مثالاً للعيش المشترك والاتحاد بين العرقين.

على الرغم من الاختلافات البسيطة في المنشأ إلا أن وحدة الثقافتين تحت راية دولة واحدة، والأهم من ذلك فإن الدين الواحد جعل الثقافتين تمتزجان بشكل كبير جداً. لكن وبسب اختلاف اللغة ظل هناك نوع من التمايز القليل بين الثقافتين وبعض التركيز السكاني للترك في الأناضول والتركيز السكاني للعرب في بلاد الشام والجزيرة العربية والشمال الأفريقي. 

ومن أهم أوجه التشابه بين الثقافتين العادات والتقاليد المجتمعية؛ حيث يعظّم العرب والأتراك دور الأسرة في المجتمع. وكلا الثقافتين تعظم كل ما يوثق أواصر الأسرة والمجتمع. على سبيل المثال يولي العرب والأتراك أهمية كبيرة واحتراماً كبيراً لكبار السن وللنساء. ولا يصح في كلا المجتمعين أن يشعر كبير السن أو المرأة -كبر سنها أو صغر- بأي عوز أو حاجة أو ظلم أو عدم احترام.

يشيع بين المجتمعين عادات مثل تقبيل يد أو رأس الكبير، ومساعدة المسنين والنساء في الأسواق والعمل على قضاء حوائجهم. 

وإذا توغلنا أكثر في التعاملات الحياتية فمن المحال تجاهل عادات مشتركة مثل إكرام الضيوف. تشتهر الثقافتان بهذا بشكل كبير. فمن عادات وتقاليد العرب والأتراك إكرام الضيف والمبالغة في ذلك الفعل، حيث يتم تحضير أشهى الأطعمة للضيوف بغض النظر إن كانوا جوعى، فمن المعيب أن تسأل الضيف إن كان يريد الأكل أو الشرب. وإن كنت عربياً أو تركياً أصيلاً فمن واجبك المباشرة بالضيافة والإكرام فور وصول ضيفك لمكانك.

و يشتهر عند الثقافتين أيضاً تخصيص غرفة كاملة في البيت لاستضافة الزائرين، وعادة ما يتم تجهيز هذه الغرفة بأجمل قطع الأثاث في المنزل، وعادة ما لا يستخدمها سكان البيت للحرص على بقاء أثاثها جديداً ومرتباً ونظيفاً، ولكي نكون جاهزين لاستضافة الغرباء في أي وقت، وتمتد هذه العادة لتشمل المسافرين كذلك، فالمسافر عند الأتراك والعرب شخص تجب خدمته وإكرامه.

تشترك الثقافتان أيضاً بكون شعبيهما من النوع العاطفي قليلاً، أي إن كلا الثقافتين تولي العواطف أهمية كبيرة في التعاملات اليومية، ولا شك أن لهذه السمة إيجابيات وسلبيات إلا أنها مشتركة ومشهورة بين المجتمعين.
فإذا أحب العربي أو التركي شخصاً فيا لوفرة نصيبه! أما اذا غضبا منه فيا لتعاسته وسوء مصيره!

يشترك العرقان أيضاً بشيء تاريخي شكّل أساساً لحياتهما وتنقلاتهما، ألا وهو القتال والنضال وخوض الحروب على الدوام. عاش العرب والأتراك تاريخاً طويلاً من الحروب والنزاعات مع الحضارات المحيطة والبعيدة. وذلك بحكم وجودهما في منطقة استراتيجية في الأناضول والجزيرة العربية وبلاد الشام، وكلها مناطق أنعم الله عليها بالخير الوفير والتي يحلم أي شعب بالعيش فيها. لذلك فقد استمات العرب والأتراك في الدفاع عن أراضيهم وعاشوا مقاتلين أشداء جاهزين للحرب متى فرضت عليهم، لذلك تميز العرقان بالقوة والشدة وإتقان فنون الحرب والجهوزية الكاملة لها على الدوام. 

عند الحديث عن الطعام والمشروبات فحدث ولا حرج عن التشابه الكبير بين الثقافات، فلقد شكل التقارب الجغرافي أيضاً عادات متشابهة في الأطعمة والأشربة وطريقة تحضيرها. حيث يشتهر أيضاً بين الثقافتين شرب القهوة والشاي. وإن كانت للشعوب التركية الشهرة الأكبر في هذا. غير أن كلا الشعبين يولي الشاي والقهوة أهمية كبيرة جداً، خاصة أن كلا الثقافتين تشترك بدين الإسلام الذي يحرّم الخمر المنتشر احتساؤه يومياً عند العديد من الشعوب.

كثيراً ما نتحدث هذه الأيام عن الاختلافات بين العرب والأتراك، غير أن هذا التصنيف بين العرقين لم يكن ذا أهمية كبيرة في السابق في عهد الدول الإسلامية، أي إن العرق لم يكن ذا أهمية كبيرة، ولم يكن يتم التفريق بين الأشخاص انطلاقاً من عرقهم في الماضي. بسبب اتحاد الشعوب تحت راية دولة إسلامية واحدة، فقد نبذ الناس أية نظرة عرقية أو عنصرية للأفراد، نبذها الناس لمئات السنين، وبقيت اللغة فقط ما يميز بين المجتمعات فيما تجتمع وتتشابه في معظم الخصال وطريقة الحياة.

**مقال نشره موقع عربي بوست الإخباري للكاتبة والمدونة التركية لينا بلطه.