يحيى بستان - يني شفق
بداية لا بد من التنويه على أن الطريق سيكون شائكًا في سبيل ذلك، والسبب ليس التاريخ الحافل بالخلافات بين البلدين فقط، بل إن الخطوات المحتملة التي ستتخذها إدارة تل أبيب المتطرفة في المستقبل بشأن القضية الفلسطينية، تجعل من مستقبل العلاقات مجهولًا.
بالطبع هناك عناصر أخرى تُصعب الأمر أيضًا، فمن المعروف أن بعض دول المنطقة التي تريد عرقلة التقارب التركي العربي، قامت بتدخلات سرية بشأن قضية "اللاجئين" التي تشغل الرأي العام التركي مما أدى إلى تأجيج الأزمة، ويمكن أن تحصل تدخلات مماثلة في مجالات مختلفة خلال فترة التقارب التركي الإسرائيلي، وهذه المرة من جهات غير متوقعة.
ومع ذلك فإن الواقع الإقليمي يفرض على البلدين ضرورة التواصل مع بعضهما البعض، حيث كانت تركيا أكبر داعم لأذربيجان في مرتفعات "قره باغ"، وبدورها تتمتع تل أبيب أيضًا بعلاقات قوية مع "باكو"، وتهتم الدولتان بالمستقبل السوري وإن كان ذلك من منظورين مختلفين، وموقف الدولتين شبه متطابق تجاه الحرب التي اندلعت في أوكرانيا. وسبق لتركيا أن جددت علاقاتها مع مصر ودول الخليج لتقويض التحالف الذي تم تشكيله ضدها في البحر الأبيض المتوسط، كما تعلم إسرائيل أنها لا تستطيع التنافس مع تركيا وإيران في نفس الوقت.
بناء على ما تقدم يمكننا القول إن تركيا تعتبر هذه المرحلة الجديدة مع إسرائيل مهمة، وفي الطرف المقابل تحتاج إسرائيل أيضًا إلى مخرج، فقد تم إسقاط مشروع أنابيب "إيست ميد" الذي سينقل الغاز من البحر الأبيض المتوسط إلى أوروبا، وانهار التحالف الكوري المتمركز حول إسرائيل الذي أسسه ترامب. تواجه إسرائيل ودول الخليج العربي مشاكل مع الولايات المتحدة ومع بعضها البعض، حيث أصبحت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة من أعضاء مجموعة "بريكس"، كما جلست دول الخليج على طاولة المفاوضات مع إيران بوساطة الصين.
وإذا أخذنا في عين الاعتبار جهود الغرب لتقليل اعتماده على الطاقة الروسية، فإن الحرب الأوكرانية تخلق حاجة جديدة لنقل الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا. وقد سبق لنا أن كتبنا أن أنقرة أبلغت تل أبيب قبل اجتماع أردوغان ونتنياهو أنه إذا تم تنفيذ الزيارة "فيجب أن يكون الغاز جزءًا من الزيارة". (في انتظار غاز إسرائيل، 4 أغسطس)
صحيح أن الطريق شائك إلا أن الواقع الإقليمي واضح أيضًا، لذلك على البلدين المضي قدمًا مع مراعاة حساسيات بعضهما البعض، وهذا المنظور هو الذي يشكل الإطار الأساسي للاجتماع بين الرئيس أردوغان ورئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو.
من الواضح أن البلدين سيعملان على إقامة "توازن في الحساسية" ضمن هذا الإطار، وعليه فسوف تتجنب إسرائيل اتخاذ أي خطوات من شأنها إزعاج تركيا، كما ستأخذ تركيا مخاوف تل أبيب بعين الاعتبار. وتجدر الإشارة إلى أن تركيا ستستمر في دعم القضية الفلسطينية العادلة، ولن يكون هناك أي تغيير في موقفها هذا. وقد تكون زيارة محتملة رفيعة المستوى من أنقرة إلى المسجد الأقصى نتاجًا لهذا التوازن الحساس.
إذا تم تحقيق هذا التوازن فلا يوجد سبب يمنع تنفيذ اقتراح تل أبيب لأنقرة، فقد اقترحت إسرائيل على تركيا اقتراحا مفاده: "لقد بدأنا عملية التطبيع من قبل ولننتقل الآن إلى مرحلة التعافي". وقد تم حصاد أولى ثمار فترة التعافي هذه في محادثات أردوغان-نتنياهو، كما قال الرئيس أردوغان إن نتنياهو قد يأتي إلى تركيا في أكتوبر أو نوفمبر، وبدوره قد يقوم أردوغان بزيارة مقابلة. كان الإنجاز الملموس للمحادثات الثنائية هو الاتفاق على نقل غاز إسرائيل إلى أوروبا عبر تركيا. وإن البلدين قررا التعاون في مجال أعمال التنقيب، وشددا على العمل المشترك في مجالات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني.
وقع مؤخرًا انفجار في مطار "عربت" في السليمانية شمالي العراق، والذي تم تشييده لأغراض زراعية. قُتل فيه ثلاثة من مقاتلي البيشمركة التابعين لرئيس حزب "الاتحاد الوطني" بافل طالباني، وثلاثة من تنظيم "بي كي كي" الإرهابي. أشار طالباني بأصابع الاتهام إلى تركيا مدعيًا أن هذا كان هجوماً بطائرة مسيّرة، واتجه إلى بغداد حيث التقى هناك بالسفيرين البريطاني والفرنسي، لتقديم شكوى ضد تركيا وقال: "أوقفوا هجمات الطائرات المسيّرة". (يوجه تنظيم "بي كي كي" الإرهابي النداء نفسه للولايات المتحدة). وحصل طالباني على دعم من الولايات المتحدة حيث وجهت سفيرة الولايات المتحدة في بغداد "ألينا رومانوفسكي" رسالة مفادها: "نحن ندين هذا الهجوم".
وبدورها ردت أنقرة على ذلك ببيان ذكي ومباشر، حيث أعلنت وزارة الخارجية التركية أن البيشمركة التابعين لطالباني كانوا في تدريب مشترك مع إرهابيي تنظيم "بي كي كي" أثناء الانفجار، وجاء في البيان: "تكشف هذه التطورات تعاون بعض عناصر الأمن التابعة لحزب "الاتحاد الوطني" و(طالباني)، مع أعضاء منظمة إرهابية بشكل واضح"، وأنكر "كوباد طالباني" ذلك قائلاً: "إن الضحايا كانوا من البيشمركة فقط، ولم يكن هناك وجود لأي قوات أخرى".
ولكن هذا ادعاء كاذب، فوفقًا للمعلومات التي وردت في وسائل الإعلام العراقية الشمالية، تم إخراج 6 جثث من المطار بعد الانفجار، ورغم ذلك أعلنت الجهات التابعة لطالباني بأن عدد القتلى ثلاثة فقط. ولم يتم الكشف عن هويات القتلى بعد الحادث، كما لم يُسمح لفرق الإسعاف بدخول مكان الحادث، وتم نقل القتلى والجرحى من مكان الحادث سرًا.
إن الشيء الذي كان طالباني يحاول إخفاءه هو حقيقة أن المطار قد تم تحويله إلى معسكر لتنظيم "بي كي كي" الإرهابي، كان يتم تدريب إرهابيي تنظيم "بي كي كي" على المسيرات التركية في المطار. وأما عن كيفية معرفة البيشمركة باستخدام الطائرات بدون طيار لأغراض عسكرية، فقد تدربوا على ذلك أيضًا من قبل الولايات المتحدة.
كشف تحطم طائرة هليكوبتر في شمال العراق في الأشهر الأخيرة عن ممر جوي بين تنظيم "بي كي كي" الإرهابي وطالباني، والآن يكشف هذا الانفجار عن تخصيص مطار آخر لمنظمة إرهابية. وسنرى ما هو الحدث القادم الذي سيكشف عن بعد جديد في علاقة طالباني بالإرهاب.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس