توران قشلاقجي - القدس العربي
كل من يفتح عينيه على العالم في هذه البقعة الجغرافية، يواجه «المشكلة الصهيونية/الإسرائيلية» منذ قرن من الزمان. فعندما قامت الدول الإمبريالية في القرن الماضي بتأسيس دولة إسرائيل قسرا وبالقوة على هذه الأراضي، كان هدفها هو حرمان المنطقة من الاستقرار وضمان انشغالها وغرقها دائما في الفوضى والأزمات.
ويحاول الصهاينة الذين يعملون كبيادق عسكرية رخيصة لدى الولايات المتحدة اليوم تحويل المنطقة إلى حمام دم، بمساندة الولايات المتحدة الإمبريالية. وبينما يشهد قطاع غزة الفلسطيني مأساة إنسانية كبرى، ترى شعوب العالم أيضا بكل وضوح سياسات الغرب ومدى نفاق قوانينه ومؤسساته.
حان الوقت ليفهم الجميع أن السلام والاستقرار لا يمكن أن يتحقق في الشرق الأوسط، أي العالم العربي، ما لم يتم حل القضية الفلسطينية، وأن العالم لا يمكن أن ينعم بالطمأنينة، إلا إذا تحقق السلام والاستقرار في الشرق الأوسط. لقد صمدت الصهيونية والإمبريالية حتى يومنا هذا من خلال تأليب دول الشرق الأوسط ضد بعضها بعضا، أو جعلها تتقاتل في ما بينها، وأي تسوية أو تقارب مع الصهيونية لن يحل المشكلة أبدا، بل على العكس من ذلك، فإن التسوية التي يقوم بها أي بلد في المنطقة ستؤدي إلى انتشار الصهاينة في شرايين ذلك البلد.
ولذلك فإن كل من يهتم بالسياسة أو العلاقات الدولية، وكل رجل دولة مسؤول وسياسي ومثقف وأكاديمي وفرد في هذه المنطقة، يجب أن تكون لديه معرفة جيدة بفلسطين. إذا كنتم لا ترون وتعرفون المشاكل التي تتعرض لها فلسطين منذ قرن، فلن تستطيعوا أن تفهموا كيف ينبغي أن يكون الاستقرار في المنطقة، إن الوحشية التي نشهدها في غزة خلال الأسابيع الأخيرة أظهرت لنا مرة أخرى أن دول وشعوب الشرق الأوسط بحاجة إلى الاتحاد والعمل معا لحل هذه المشكلة من جذورها. ويجب على دول المنطقة أن تضع جميع المشاكل في ما بينها جانبا وتتخذ خطوات عاجلة على الفور بشأن القضايا التالية:
أولا، يتعين على الدول الـ 122 التي صوتت لصالح فلسطين في الأمم المتحدة، أن تتخذ الخطوات اللازمة لإقامة دولة فلسطين على الفور. لا بد من إقامة دولة فلسطين في منطقتنا خلال العام الجاري، من دون أي تأخير، وإعلان دولتي فلسطين وإسرائيل بحدود واضحة من قبل الأمم المتحدة. إذا كان لدى إسرائيل جيش وسلاح، فيجب أن يكون لدى فلسطين جيش وسلاح أيضا. وينبغي للدول أن لا تقع في فخ إقامة دولة فلسطينية من دون جيش وأسلحة، فما يحدث منذ 75 عاما يكفي ليكون درسا للجميع.
ثانيا، ينبغي للمؤسسات الدولية أن تبدأ بمبادرات من أجل تقديم الشكاوى بحق مسؤولي دولة الاحتلال إلى المحكمة الجنائية الدولية على الفور. ومن الضروري جدا أن تتخذ كل الأطراف المعنية الإجراءات اللازمة لإعلان إسرائيل «مجرمة حرب» في أقرب وقت ممكن. فالمحكمة الجنائية الدولية مخولة بمحاكمة مرتكبي جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب والعدوان. لقد حان الوقت لمحاكمة إسرائيل الصهيونية التي تقتل المدنيين الأبرياء، من دون أي تمييز بين المسنين والأطفال والنساء، وتدمر المستشفيات والمدارس وتستهدف سيارات الإسعاف وتستخدم الأسلحة الكيميائية.
ثالثا، آن أوان تشكيل قيادة قوية في فلسطين، ويتعين على الدول العربية والإسلامية أن تدعم بشكل جدي الجماعات الفلسطينية كافة في جهودها الرامية إلى تشكيل سقف سياسي أعلى جديد. ويجب على الجماعات الفلسطينية أيضا أن تضع النقاشات الأيديولوجية جانبا وأن تسعى جاهدة من أجل مستقبل دولة فلسطين والشعب الفلسطيني، وتستمر في مقاومتها للاحتلال حتى يتم إنشاء جيش قوي لدولة فلسطين. ينبغي للقيادة السياسية الشجاعة التي ستتشكل حديثا أن لا تقدم تنازلات للقوى الإمبريالية، من دون وجود دولة قوية وجيش قوي.
رابعا، لأول مرة في التاريخ، تقف ضمائر شعوب العالم إلى جانب الشعب الفلسطيني بمثل هذه الأغلبية الكبيرة، فقد أظهرت شعوب أوروبا أنها منفصلة عن حكامها الإمبرياليين، كما اتخذت مجموعات يهودية معينة من أجزاء كثيرة حول العالم موقفا مناهضا للصهيونية والإمبريالية. وأصبح من واجب المسؤولين السياسيين والمثقفين في البلدان الإسلامية إرشاد وتوجيه هذه الشعوب المستيقظة في العالم. ويجب دعم السياسيين الذين سيقودون هؤلاء الناس في الغرب، وتحديد خرائط طريق مشتركة جديدة مع المثقفين والمفكرين ضد الصهيونية والإمبريالية.
خلاصة الكلام؛ يواجه العالم الإسلامي حاليا غزوة أحزاب جديدة، فالقوى العظمى في العالم، الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وإسرائيل، أعلنت الحرب على مليوني إنسان، 60 في المئة منهم نساء وأطفال، يعيشون تحت الحصار البري والجوي والبحري منذ 17 عاما. ومثلما لقنت حركة طالبان درسا للولايات المتحدة في أفغانستان، فإن الفلسطينيين اليوم يلقنون درسا عظيما لكل من الصهيونية والإمبريالية في غزة. لقد قال أبناء فلسطين: «الملك عارٍ»، ورأت شعوب العالم الحقيقة. والعالم الآن يستيقظ على ثورة جديدة. ولا شك في أن منطقتنا والعالم على أبواب تغيير جديد.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس