ترك برس
رأى الخبير والباحث التركي مراد يشيلطاش، أن إسرائيل باتت تجد نفسها أكثر عزلةً وانعداماً للأمن في الشرق الأوسط مقارنةً بالماضي، وأن غزة أصبحت تكلفها أكثر مما كانت عليه قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول.
وقال يشيلطاش في مقال نشرته صحيفة ديلي صباح إن الفرص الضائعة لإسرائيل وسط الصراع الإسرائيلي الفلسطيني في 7 أكتوبر/تشرين الأول أدت إلى أزمة أمنية، في حين راح الدعم الأمريكي يزيد من المشاعر المعادية لأمريكا. فيما يواجه اللاعبون الأوروبيون الرئيسيون انتكاساتٍ متتالية.
وأوضح أنخ حتى لو خرجت إسرائيل من الصراع الإسرائيلي الفلسطيني بانتصار عسكري محدود، فإنها تظل الخاسرة في الصراع، في أعقاب حملتها المكثفة على غزة بعد أكتوبر/تشرين الأول. ففي ذلك اليوم، فشلت إسرائيل أو أنها اختارت عدم اغتنام أعظم فرصة تاريخية منذ قيامها. وهي اليوم تتصارع مع أزمة أمنية وجودية ومخاوف عميقة على المستوى الإقليمي والعالمي على نطاق لم يسبق له مثيل منذ عام 1948.
وقال: "إلى جانب إسرائيل، هناك خاسر كبير آخر هو الولايات المتحدة. فدعم واشنطن الذي لا نقاش فيه لإسرائيل وصمتها في مواجهة العدوان الإسرائيلي الجامح، أدى إلى تعميق وتوسيع المشاعر المعادية لأمريكا في الشرق الأوسط وخارجه، ما قاد إلى انهيار سياسة الرئيس جو بايدن التي تهدف إلى إنشاء نظام جديد في تلك المنطقة من العالم يتمحور حول الصراع العربي الإسرائيلي.
كما يجد كبار اللاعبين الأوروبيين أنفسهم بين الخاسرين، إذ بالرغم من القوة الاقتصادية التي تتمتع بها ألمانيا، فقد تصرفت كدولةٍ تابعة تفتقر إلى القدرة على تطوير سياسة مستقلة. وعلى النقيض من هدف بريطانيا الاستراتيجي بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي المتمثل في "بريطانيا العالمية"، تبنت المملكة المتحدة موقفاً مؤيداً لإسرائيل دون أي تغيير ملموس.
وبالرغم من أن فرنسا حاولت اتباع نهج أكثر توازناً، إلا أنها اضطرت إلى دعم إسرائيل باعتبارها لاعباً غير فعال. كما أن مواقف إسبانيا وبلجيكا المنتقدة لإسرائيل داخل أوروبا، تشير إلى عجز الاتحاد الأوروبي عن أن يكون لاعباً عالمياً.
خسائر إسرائيل الإستراتيجية
وتابع الكاتب: اليوم، تواجه إسرائيل جبهات متعددة من الهزيمة، ويجب عليها أن تتعامل مع هذه العواقب في السنوات المقبلة. ومن بين التداعيات الاستراتيجية الأولى تآكل الركيزة العسكرية من عقيدتها الأمنية، حيث ترتكز العقيدة الأمنية الإسرائيلية على 4 ركائز في مقدمتها الردع العسكري، وهو السلاح الأساسي قبل الدفاع.
وأدت هجمات السابع من أكتوبر/تشرين الأول، إلى جانب نقاط الضعف التي يعاني منها الجيش الإسرائيلي في مواصلة الجهود الحربية، إلى انهيار أسطورة الردع. كما أثبتت قدرات الإنذار المبكر المرتكزة على الذكاء المتفوق للدولة في التنبؤ بتصرفات العدو، أنها غير كاملة، وهو ما يذكرنا بعام 1973. وتعثرت القدرة الدفاعية الإسرائيلية في غزة، والتي كان المقصود منها أن تكون القوة الأساسية للدفاع عندما يفشل الردع، الأمر الذي سلط الضوء على الصعوبات التي تواجهها في القتال كجيشٍ لا يُقهر. أما الركيزة الرابعة وهي تحقيق النصر الحاسم، والتي كانت تهدف في البداية إلى تدمير حماس، فقد تحولت في ظل إدارة بنيامين نتنياهو من "تدمير" حماس إلى "إضعاف" حماس، حيث أصبح تحقيق الهدف الأول بعيد المنال بشكل واضح.
إن الديناميكيات المتغيرة في الحرب التقليدية وبيئة الحرب، إلى جانب التحولات في الجهات الفاعلة وطبيعة الحرب، تثير الشكوك حول فعالية استراتيجيات الردع والأمن الإسرائيلية في الشرق الأوسط المستقبلي، لا سيما في سياق الدور التخريبي المتزايد لإيران في سوريا ولبنان.
الانجراف العقائدي لحكومة نتنياهو
وتمتد خسائر إسرائيل إلى ما هو أبعد من المجال العسكري. فعندما تكون المصالح والمخاوف الأساسية لأي دولة دينية أكثر منها عقلانية أو دنيوية، فإن السلوك الطبيعي في العلاقات الدولية يصبح بعيد المنال.
فعلى سبيل المثال نجد أن داعش تحركها اعتبارات دينية لا دنيوية، وهي تتصرف متجاهلة كافة القواعد. وكذلك فإن الهجمات الإسرائيلية غير الممتثلة في غزة جعلتها دولة تعمل خارج نطاق القانون الدولي، وبلغت ذروتها في "الإبادة الجماعية في غزة" بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول ما أدى إلى تلطيخ سمعة إسرائيل الدولية.
وتكشف المرجعيات الدينية لحكومة نتنياهو ومؤيديها عن قضايا أعمق، وتثبت أن النظام السياسي الذي يفترض أنه علماني في إسرائيل مجرد خطاب فارغ، ويصورها على أنها أمة متصهينة تشن الحرب من خلال الروايات الدينية. ونتيجة لذلك، أدى الصراع الإسرائيلي الفلسطيني إلى ترسيخ إسرائيل كدولة متطرفة، غير راغبة في الالتزام بالقانون الدولي.
والخسارة الأخرى هي تحول إسرائيل إلى دولة متطرفة تقدس أفعالها وتتجاهل القواعد، ما يؤدي إلى التفكك المجتمعي. لقد هزت أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول بشكل عميق إحساس إسرائيل بالأمن، كدولة ومجتمع. وأدى تأطير الهجمات في سياق "المحرقة" إلى تكثيف مشاعر عدم الأمان والمخاوف الاجتماعية، ما دفع إسرائيل تبتعد تدريجياً عن الممارسات الديمقراطية، وتحتضن الاستبداد في ظل التطرف. كما أن الدافع المستمر للتفوق في السياسة يجعل التطبيع السياسي والمجتمعي مستحيلاً، ما يعزز الخطابات الإقصائية ويعيد بناء المجال العام حول محاور الهوية القومية اليهودية والدينية. وهذا المسار يزيد من ترسيخ موقف إسرائيل المتشدد بشأن القضية الفلسطينية، ويجعل حل الدولتين بعيد المنال.
نكسة رئيسية تتجاوز كل شيء
بالإضافة إلى الخسائر العسكرية والسياسية والمجتمعية، فإن الانتكاسة الأكثر خطورة لإسرائيل هي موقعها الجيوسياسي الإقليمي. ففي الفترة التي سبقت 7 أكتوبر/تشرين الأول مثّل التطبيع الإقليمي فرصةً لإسرائيل لكسر عزلتها التاريخية، لكن تصورها الصفري للقضية الفلسطينية وموقفها العدائي تجاه اللاعبين الإقليميين، أدى إلى عزلتها وضياع العديد من الفرص الاستراتيجية، بما في ذلك التطبيع العربي الإسرائيلي، والمساعي الاقتصادية الإقليمية وشراكات الطاقة، التي تلاشت كلها بسبب الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وأما بشأن إعادة بناء مساحة تلك الفرص فلن تكون عملية سهلة، الأمر الذي قد يدفع إسرائيل إلى تشديد موقفها في سوريا ولبنان، أو إجبارها على التوصل إلى تسوية في المعادلات الإقليمية.
وباختصار، أدت تصرفات إسرائيل غير المتناسبة في غزة إلى تآكل سياساتها ومجتمعها وصورتها الإقليمية والعالمية الممزقة بالفعل. وباتت تجد نفسها أكثر عزلةً وانعداماً للأمن في الشرق الأوسط مقارنةً بالماضي. ونتيجةً لذلك، أصبحت غزة تكلف إسرائيل أكثر مما كانت عليه قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!