
ترك برس
يشهد حزب مساواة وديمقراطية الشعوب (DEM) تحوّلًا لافتًا في المشهد السياسي التركي، بعدما انتقل من دائرة الاتهامات بالارتباط بتنظيم "PKK" الإرهابي إلى لعب دور في الوساطات الجارية بشأن نزع سلاح التنظيم. تطور يفتح باب التساؤلات حول مستقبل الحزب وموقعه في مرحلة ما بعد السلاح.
و"DEM" حزب يساري تقدمي تركي، يُعدّ من أبرز أحزاب المعارضة، ويصنف ثالث أكبر فصيل سياسي في البلاد، تأسس عام 2023، ويُعتبر الخلف القانوني لـ"حزب اليسار الأخضر" وامتدادا سياسيا لحزب الشعوب الديمقراطي.
يؤمن الحزب بالديمقراطية والمساواة، ويتبنى نهجا يقوم على التعددية والتشاركية، ويُعرف بتوجهه الليبرالي الاجتماعي، يدافع عن تحرير المرأة وتمكينها، ويدعو إلى العدالة الاجتماعية ومشاركة فاعلة لجميع مكونات المجتمع القومية والدينية والثقافية في الحياة السياسية والاجتماعية، بحسب تقرير لـ "الجزيرة نت".
والحزب مقرب من القاعدة الكردية، ويُصر على ضرورة التوصل إلى حل سلمي ومشرف للقضية الكردية. ووُجهت إليه اتهامات متكررة بكونه الذراع السياسي لحزب العمال الكردستاني المحظور، الأمر الذي ينفيه الحزب بشكل قاطع.
وشاركت قيادته بدور بارز في الوساطة بين الحكومة التركية وحزب العمال الكردستاني لدعم وقف الأعمال المسلّحة، وهي جهود أثمرت عام 2025 عن حل حزب العمال وتخليه عن العمل المسلح.
النشأة والتأسيس
تأسس حزب المساواة وديمقراطية الشعوب في 15 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وجاء تأسيسه نتيجة تحوّل رسمي من حزب اليسار الأخضر الذي كان أنشئ بديلا قانونيا لحزب الشعوب الديمقراطي الذي يعود تأسيسه إلى عام 2012 بعد اندماج عدد من الأحزاب اليسارية وأخرى ذات توجه قومي كردي، إلى جانب هيئات ومبادرات مجتمعية ومكونات سياسية واجتماعية متنوعة.
وحتى عام 2015، كان حزب الشعوب شريكا في عملية التسوية مع الحكومة التركية بشأن القضية الكردية، غير أن استئناف حزب العمال الكردستاني للعمل المسلح في يوليو/تموز من ذلك العام أنهى تلك العملية، وأدى إلى توتر العلاقة بين الحكومة وحزب الشعوب الذي أصبح منذ ذلك الحين يُنظر إليه باعتباره الواجهة السياسية لحزب العمال الكردستاني.
وواجه حزب الشعوب خطر الإغلاق على خلفية اتهامه بالتواطؤ مع حزب العمال الذي تصنفه تركيا منظمة إرهابية حتى عام 2025 حين أعلن حلّ نفسه ووقف الكفاح المسلح.
وفي 7 يونيو/حزيران 2021، قدم المدعي العام الجمهوري بكير شاهين دعوى إلى المحكمة الدستورية لإغلاق حزب الشعوب، ومَنع 687 من أعضائه -ومنهم قيادات بارزة- من ممارسة العمل السياسي، بتهم تتعلق بالإرهاب.
وأمام تصاعد الضغوط القضائية والسياسية، ووسط مخاوف جديّة من صدور قرار بحظر الحزب ومنع أعضائه من خوض الانتخابات العامة، قررت قيادة حزب الشعوب تأسيس "حزب اليسار الأخضر"، كي يكون مظلتها السياسية في انتخابات مايو/أيار 2023.
وعقب الانتخابات التي فاز فيها حزب اليسار بـ61 مقعدا، أعلن رسميا عن تأسيس حزب المساواة وديمقراطية الشعوب واجهة سياسية جديدة، وذلك في مؤتمر للحزب عُقد في 15 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وشهد الحزب الجديد إعادة هيكلة وتغيير في القيادة، وتخلى عن نهجه السابق في دعم المعارضة بشكل أحادي، بعدما اعتُبر هذا الدعم أحد أسباب تصاعد حملة القمع الحكومية ضد الأحزاب السابقة، وعوضا عن ذلك، تبنّى إستراتيجية جديدة أكثر انفتاحا على الحوار مع الحكومة، خصوصا فيما يتعلق بالقضية الكردية.
ويعتمد الحزب نظام قيادة تشاركيا، يقوده رئيسان منتخبان بشكل مشترك، ويتكوّن هيكله التنظيمي من هيئات مركزية وإقليمية ومحلية، إلى جانب مكاتب للتمثيل الخارجي ومجلس المرأة ومجلس الشباب، كما يشمل المجموعة النيابية ومجالس الأقاليم والمجالس البلدية.
الفكر والأيديولوجيا
يُصنَّف حزب المساواة وديمقراطية الشعوب حزبا يساريا تقدّميا. ووفق ما ورد في صفحته الرسمية، يتبنى نهجا سياسيا يقوم على التعددية والمشاركة ويؤمن بالتداول الديمقراطي للسلطة، ويسعى إلى بناء مجتمع ديمقراطي ليبرالي عادل قائم على التضامن والمساواة.
ويُعرف الحزب بتوجهه الليبرالي الاجتماعي، إذ يدعو إلى تحقيق المساواة الكاملة بين الجنسين، ويولي أهمية خاصة لتحرير المرأة وتمكينها، ويؤكد ضرورة تمكين الأفراد والفئات المهمّشة والمكونات القومية والدينية والثقافية المختلفة من المشاركة الفاعلة في الحياة السياسية والاجتماعية.
ويدعو إلى إيجاد حل سلمي ومشرّف لجميع قضايا الهوية العرقية والدينية والثقافية في تركيا -وخاصة القضية الكردية والقضية العلوية- عبر التفاوض والحوار الذي يستند إلى مبادئ المواطنة المتساوية والحقوق الجماعية.
ويتبنى الحزب مبدأ الديمقراطية المباشرة الذي يُمكّن الناس من المشاركة في القرارات المتعلقة بحياتهم على جميع المستويات، كما يدعو إلى تعزيز الحكم المحلي عبر توسيع نطاق فصل السلطات، وتفويض الصلاحيات والموارد إلى الإدارات المحلية.
ويؤكد ضرورة اعتماد السبل السلمية والوسائل المدنية لحل النزاعات وتحقيق التحول الديمقراطي، ويعارض جميع أشكال العنف والقمع والاستغلال، ويدافع عن الحقوق السياسية والاجتماعية للمهاجرين واللاجئين، ويرفض السياسات العنصرية والتمييزية.
ويركّز في أيديولوجيته على شمولية حقوق الإنسان، ويُبرز في خطابه قضايا العدالة الاجتماعية وكرامة العمل والحريات الديمقراطية والاستدامة البيئية، ويعتبر نفسه جزءا من النضال العالمي ضد الرأسمالية ويرفض الهوس بالنمو الاقتصادي ومجتمع الاستهلاك.
المسار السياسي
منذ تأسيسه، شكّل حزب المساواة وديمقراطية الشعوب أحد أبرز قوى المعارضة البرلمانية في تركيا، وأصبح الكتلة الثالثة في البرلمان بعد انتقال 61 نائبا إليه من حزب اليسار الأخضر الذي خاض الانتخابات العامة في مايو/أيار 2023. وبهذا الانتقال استحوذ الحزب الجديد على ما يقارب 8.8% من مقاعد البرلمان.
وعقب تأسيسه، خاض حزب المساواة الانتخابات المحلية التي أُجريت في مارس/آذار 2024، مقدّما مرشحين مشتركين لمناصب رؤساء بلديات، وأعضاء المجالس المحلية ومجالس المحافظات. وأسفرت الانتخابات عن فوز الحزب بـ82 بلدية، من بينها 3 بلديات لمدن كبرى، و7 لمحافظات، إلى جانب 65 بلدية محلية و7 بلدات صغيرة.
غير أن الحكومة عزلت لاحقا عددا من رؤساء البلديات وأعضاء المجالس التابعين للحزب وعيّنت أوصياء حكوميين مكانهم، فضلا عن فرض الإقامة الجبرية أو توقيف بعضهم. ففي الفترة ما بين يونيو/حزيران 2024 وفبراير/شباط 2025، عُزل 9 رؤساء بلديات ينتمون إلى الحزب بتهم يتعلق معظمها بدعم أو الانتماء إلى "منظمة إرهابية".
وشملت قائمة البلديات التي طالها العزل بلديات ماردين وباتمان وهالفيتي ووان بهتشه سراي وتونغلي وآكدينيز وسيرت وكاغيزمان. ودان الحزب هذه الإجراءات واعتبرها انقلابا على الإرادة الديمقراطية، و"استيلاءً غير مشروع على السلطات المحلية المنتخبة"، مؤكدا أن الهدف منها هو إقصاء المعارضة السياسية.
ويُعد حزب المساواة وديمقراطية الشعوب من القوى المعارضة البارزة في البلاد، ويواجه بشكل متكرر اتهامات من الحكومة بدعم حزب العمال الكردستاني، وهي تهم ينفيها الحزب بشدة، مؤكدا شرعيته السياسية والتزامه بالمسار الديمقراطي.
ورغم محاولات سابقة للتقارب مع حزب العدالة والتنمية الحاكم، فإن الخلافات ظلت قائمة، خصوصا فيما يتعلق بالسياسات الحكومية تجاه القضية الكردية. وتُعد إجراءات عزل رؤساء البلديات واعتقال الكوادر الحزبية، إلى جانب استهداف معارضين بارزين من بينهم رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو؛ أحد أبرز أوجه الخلاف بين الحزب والحكومة، إذ يَعتبر الحزب أن هذه التدابير دوافعها سياسية وغير قانونية.
وعلى مستوى التحالفات، يُعد الحزب جزءا من تحالفي الشعوب الديمقراطية والعمل والحرية على الصعيد الداخلي، بينما يتمتع بعضوية مرتبطة في حزب الاشتراكيين الأوروبيين على المستوى الدولي.
الوساطة لإنهاء الصراع الكردي التركي
لعب حزب المساواة وديمقراطية الشعوب دورا مركزيا في الوساطة بين السلطات التركية وحزب العمال الكردستاني، ضمن جهود حل الصراع الممتد بين الجانبين لعقود.
وتحت مظلة مبادرة أطلقها رئيس حزب الحركة القومية دولت بهتشلي، التقى وفد من الحزب -ضم النائبين بيرفن بولدان وسري ثريا أوندر- بزعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان داخل سجن إيمرالي في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024. وسُمِّي هذا الفريق لاحقا بـ"وفد إيمرالي" نسبة إلى السجن الذي احتُجز فيه أوجلان.
وأصدر الوفد بيانا عقب اللقاء تضمن رسالة سياسية من أوجلان بشأن المسار الجديد عبّر فيها عن ترحيبه بجهود إنهاء النزاع، وأكد أن "تعزيز الأخوة التركية الكردية مسؤولية تاريخية".
وفي هذا الإطار أُجريت سلسلة من اللقاءات السياسية، شملت اجتماعات مع رئيس البرلمان التركي نعمان كورتولموش، وزعماء الأحزاب الممثلة فيه، إلى جانب شخصيات كردية بارزة داخل السجون من بينهم صلاح الدين دمرطاش وفيجن يوكسكداغ الرئيسان السابقان لحزب الشعوب الديمقراطي.
وفي يناير/كانون الثاني 2025، استؤنفت المباحثات مع أوجلان، والتقى الوفد مسؤولين أكرادا في إقليم كردستان العراق، من ضمنهم رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني، ورئيس حكومة الإقليم مسرور بارزاني ورئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني، وزعماء من الاتحاد الوطني الكردستاني.
وفي 7 فبراير/شباط 2025، زار وفد موسع من الحزب -بقيادة الرئيسين المشاركين تولاي حاتم أوغلو وتونغر باكيرهان- أوجلان مجددا لإجراء مشاورات معمقة بشأن مسار التسوية، كما أجرى وفد من الحزب جولة مباحثات جديدة مع المسؤولين في إقليم كردستان العراق.
وفي تطور لافت، التقى وفد من الحزب بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان في 10 أبريل/نيسان من العام نفسه لمناقشة سبل كسر الجمود الذي يعوق مسار السلام. وأفضت الجهود المتراكمة إلى إعلان حزب العمال الكردستاني رسميا في 12 مايو/أيار، وقفا نهائيا للعمل المسلح.
وفي 6 يوليو/تموز 2025، عاد الوفد للقاء أوجلان مجددا، تبعه لقاء رسمي مع أردوغان في اليوم التالي تركز على مناقشة الخطوات التي ينبغي أن تعقب موافقة المسلحين فعليا على تسليم السلاح.
وفي 11 يوليو/تموز، بدأت أولى خطوات نزع سلاح مقاتلي حزب العمال الكردستاني، واستثمر حزب المساواة وديمقراطية الشعوب هذه المرحلة التاريخية للمطالبة بخطوات سياسية شاملة نحو حل دائم للقضية الكردية، داعيا إلى:
- إلغاء الملاحقات القضائية والسياسية بحق مئات الناشطين والسياسيين الأكراد.
- توسيع الحقوق السياسية والثقافية، بما يشمل استخدام اللغة الكردية في التعليم والإعلام.
- ضمان تمثيل سياسي فاعل في مؤسسات الدولة.
- إنهاء السياسات التمييزية في المناطق ذات الغالبية الكردية.
واعتبر الحزب أن هذه المطالب تمثل ركيزة لتحقيق العدالة والمساواة والتعددية، وشرطا لتحقيق سلام مستدام في البلاد.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!