طه داغلي – خبر 7 – ترجمة وتحرير ترك برس
منذ عام 2013، مرّت تركيا بمراحل صعبة وحرجة للغاية. وما زالت هذه المرحلة الحرجة مستمرّة إلى الآن. والكل يعلم أنّ بداية هذه المرحلة الحرجة كانت مع أحداث غيزي بارك الشهيرة. ثمّ أعقبتها أحداث 17/25 كانون الأول/ ديسمبر التي رفعت الأقنعة عن الكثير من الجهات التي تعادي تركيا. والآن فإننا نواجه مشكلة الهجمات الإرهابية التي تنفذها عناصر تنظيم حزب العمال الكردستاني.
في الحقيقة إنّ جذور هذه المرحلة الحرجة تمتدّ إلى ما قبل عام 2013. فالهجوم الغربي العنيف في عام 2013 ضدّ الدّولة التركية، بدأت منذ عام 2009. ففي عام 2009 حدثت واقعة دافوس الشهيرة التي قام فيها رئيس الوزراء التركي ورئيس الجمهورية الحالي "رجب طيب أردوغان" بالرّد القاضي على الرئيس الإسرائيلي عندما دافع عن الفلسطينيين في تلك القمة. وعقب هذه الحادثة، جرت أزمة سفينة "مافي مرمرا" (عام 2010) والتي تعرضت للاعتداء من قِبل الجنود الإسرائيليين والتي نتج عنها مقتل 9 مواطنين أتراك، الأمر الذي ادّى إلى تعليق كافة العلاقات القائمة بين تركيا وإسرائيل.
عندما نذكر العلاقات التركية الإسرائيلية، يتبادر إلى أذهاننا حادثة سفينة مافي مرمرا، إلّا أنّ هناك حقيقة أخرى نغفل عنها وهي أنّ السلطات التركية قامت بتعيين رئيسها الجديد لهيئة الاستخبارات "هاكان فيدان" في نفس الأسبوع الذي حدث فيه الاعتداء على السفينة التركية. فالإسرائيليون كانوا حينها يرفضون رفضًا قاطعًا تولّي هذا الشخص لهذا المنصب. ومنذ استلام فيدان لهذا المنصب، بدأت القيادة الإسرائيلية تمارس شتّى أنواع الضغوط من أجل إبعاد فيدان عن منصبه وفي 7 شباط/ فبراير من عام 2012، قامت عناصر الكيان الموازي بالتدخّل تلبية لمطالب الإسرائيليين في هذا الشأن. وفي ذلك اليوم وقع قناع الكيان الموازي عن وجهه وبانت حقيقة هذا التنظيم الذي ادّعى لسنين طويلة أنه يخدم الشعب التركي.
خلال عام 2013، وقّعت الحكومة التركية على أكبر مشروعين في تاريخ الجمهورية الحديثة. الأول مشروع خط (TANAP) لنقل غاز أذربيجان عبر الأراضي التركية إلى القارة الأوروبية، الأمر الذي أزعج القيادة الإسرائيلية والعديد من الدّول الأخرى. وسبب استياء الحكومة الإسرائيلية من هذه الخطوة، هو أنهم كانوا يخططون لنقل الغاز الذي استخرجوه من قبرص التركية والأراضي اللبنانية المحتلة، عبر الأراضي التركية إلى القارة الأوروبية. فالخطة الإسرائيلية فشلت مع توقيع الحكومة التركية لاتفاقية تناب مع أذربيجان.
وعندما رفضت الحكومة التركية نقل الغاز الإسرائيلي إلى القارة الأوروبية عبر أراضيها، قامت القيادة الإسرائيلية بتنفيذ الخطة البديلة لديها بهذا الشأن. والخطة الإسرائيلية الثانية كانت مصر. وعندما اكتشف الإسرائيليون أنّ الرئيس المصري السابق "محمد مرسي" لن يسمح لهم بنقل الغاز عبر قناة السويس إلى القارة الأوروبية، أجروا انقلابًا عسكريًا في مصر، أطاحوا من خلاله بالرئيس مرسي.
والمشروع الكبير الثاني الذي تمّ التوقيع عليه، هو مشروع اتفاقية النفط مع إقليم كردستان العراق. وهنا أبدى رئيس الوزراء العراقي السابق "نوري المالكي" الذي كان يخضع لحكم الأمريكيين والإيرانيين، استياءه وسخطه من هذه الاتفاقية. فقد عمدت الأطراف المعنية إلى زعزعة الوضع الداخلي في العراق، وتمّ إظهار تنظيم جديد، اسمه تنظيم الدّولة (داعش). فقد تركوا مدينة الموصل تسقط بليلة واحدة بيد عناصر تنظيم داعش. وبذلك أشركوا التنظيم في نفط شمال العراق.
وبعد سلسلة هذه الأحداث والاتفاقيات التركية المبرمة مع دول المنطقة والجوار، اتخذت الدّول الغربية قرار تصعيد وتيرة الأحداث التي من شأنها أن تحرج الدّولة التركية في المنطقة.
تمكّنت تركيا بإدارة رئيس وزرائها أنذاك "رجب طيب أردوغان" من تجاوز عقبة أحداث غيزي بارك في عام 2013. وخلال أحداث 17/25 كانون الأول/ ديسمبر من العام نفسه أرادوا أن ينجزوا العمل الذي فشلوا في تحقيقه في السابع من شباط/ فبراير من عام 2012، حيث أرادوا الإطاحة برئيس هيئة الاستخبارات والحكومة التركية وكان الهدف الرئيسي من تلك العملية هو إفشال حزب العدالة والتنمية في انتخابات الإدارة المحلية التي جرت بعدها بثلاثة أشهر (انتخابات 30 آذار/ مارس عام 2013). لكنهم فشلوا أيضًا. فالعدالة والتنمية ضاعف من أصواته في تلك الانتخابات.
ولم تنته سلسلة المؤامرة عند هذا، فقد عقدوا اتفاقًا عجيبًا وغريبًا خلال الانتخابات الرئاسية التي جرت في 10 آب/ أغسطس من عام 2014. حيث توحّدوا ضدّ مرشّح العدالة والتنمية (رجب طيب أردوغان) إلّا أنهم فشلوا في هذه المحاولة أيضًا واعتلى أردوغان سُدّة الحكم بحصوله على 52 بالمئة من أصوات الناخبين الأتراك.
وكعادتهم وبلا ملل وكلل، عمدوا على إسقاط العدالة والتنمية في انتخابات 7 حزيران/ يونيو الماضي. لكنّهم استخدموا ورقة حزب الشعوب الديمقراطي ورئيسه صلاح الدين ديميرطاش هذه المرّة. فالاتفاق هذه المرة شمل كلًا من الإعلام الغربي والإعلام الموالي للكيان الموازي، بالإضافة إلى إعلام أيدين دوغان المعارض لسياسات العدالة والتنمية وحزب الشعب الجمهوري التركي، حيث عملوا جميعًا من أجل تجاوز حزب الشعوب الديمقراطي للعتبة الانتخابية المتمثّلة بـ 10 بالمئة والتي تخوّل الأحزاب السياسية من دخول البرلمان التركي. لكنّ حزب العدالة والتنمية وعلى الرغم من تدنّي نسبة أصواته، إلّا أنه تصدّر الأحزاب المشاركة في الانتخابات بحصوله على 41 بالمئة من أصوات الناخبين ولم يستطيعوا أيضًا إبعاده عن الحكم.
والآن جاء دور الانتخابات البرلمانية المبكرة التي ستجري في الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل. ومع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية المبكرة، عادوا ليستعملوا ورقتهم القديمة (تنظيم حزب العمال الكردستاني).
لم يبق في يدهم أي سلاح يواجهون به الدّولة التركية. فكل ألاعيبهم وحيلهم منذ عام 2013 كُشفت. وإنّ الاعتداءات الارهابية التي تتعرض لها البلاد هي الورقة الأخيرة بيدهم ولا بدّ أنّهم سيفشلون مجدّدا.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس