د. ياسر سعد الدين - خاص ترك برس
بعد أكثر من أسبوع من السقوط المدوي لبشار الأسد، عقدت لجنة الاتصال الوزارية العربية بشأن سوريا اجتماعا في العقبة وأصدرت بيانا حول الوضع في سوريا، آثار عاصفة عارمة من الاحتجاجات على المستوى السوري الثوري والشعبي، وبعضا من الرضا من جهات سياسية سورية محدودة كالائتلاف وهيئة التفاوض.
لجنة الاتصال تشكلت من خلال القرار رقم 8914 الصادر عن اجتماع جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري برئاسة مصر في 7 مايو 2023. اللافت أن القرار والذي تحدث في متنه عن دوافع تشكيل اللجنة فقال: "وانطلاقا من حرص الدول الأعضاء على أمن واستقرار الجمهورية العربية السورية، وعروبتها، وسيادتها، ووحدة أراضيها، وسلامتها الإقليمية، والمساهمة في إيجاد مخرج للأزمة السورية يرفع المعاناة عن الشعب السوري الشقيق، ويحقق تطلعاته المشروعة في الانطلاق نحو المستقبل، ويضع حدا للأزمة الممتدة التي تعيشها البلاد، وللتدخلات الخارجية في شؤونها، ويعالج أثارها المتراكمة والمتزايدة من إرهاب، ونزوح، ولجوء، وغيرها"، تجنب تماما الحديث عن تطلعات السوريين وشغفهم في الحرية، والتي كانت الدافع الأساسي لتلك الثورة والتي دفع السوريون في سبيلها أثمانا باهظة وكلفا عالية.
أراد القرار 8914 من لجنة الاتصال الاستمرار في الحوار المباشر مع الحكومة السورية للتوصل لحل شامل للازمة السورية يعالج جميع تبعاتها، وفق منهجية الخطوة مقابل خطوة، وبما ينسجم مع قرار مجلس الأمن رقم 2254، وطلب من اللجنة تقديم تقارير دورية لمجلس الجامعة على المستوى الوزاري. تشكيل اللجنة كان في واقع الأمر بمثابة الغطاء لإعادة تأهيل نظام بشار الأسد سياسيا من خلال عودته واستئناف مشاركة وفوده في اجتماعات مجلس جامعة الدول العربية، وجميع المنظمات والأجهزة التابعة لها، اعتبارا من يوم 7 مايو/أيار 2023.
بعدها بأيام وجهت السعودية دعوة إلى الأسد، لحضور القمة العربية الـ32 التي عُقدت في جدة، يوم 19 مايو/أيار 2023، لتنفك بذلك عزلة النظام على المستوى العربي دون تغيير في الظروف والأسباب التي أدت لتعليق عضويته في الجامعة ابتداء، ودون التزامات واضحة بشأن عودة اللاجئين، والكشف عن مصير المعتقلين، وتحريك العملية السياسية المعطلة لحل الأزمة، وهي الشروط التي كانت الجامعة العربية تتمسك بها إلى جانب دول غربية، للتطبيع مع الأسد.
وعلى الرغم من فشل اللجنة وإخفاق سياسة الخطوة مقابل خطوة والتي اتبعتها، وتعنت الأسد في أية مقاربة سياسية، وبالرغم من إخلاف وعود النظام بالسيطرة على تهريب الكبتاغون إلى الدول العربية ومع عدم ابتعاده عن المحور الإيراني، فإن خطوات التطبيع معه لم تتوقف بل وتسارعت. فلقد وجهت إلى الأسد دعوة رسمية لحضور القمة العربية الإسلامية في 11/11/2024 وإلقاء خطابا فيها، أي قبل أقل من شهر سقوط نظامه.
اجتماع العقبة حضره إضافة إلى وزراء خارجية لجنة الاتصال العربية الوزارية بشأن سوريا، وزراء خارجية الإمارات والبحرين وقطر وتركيا والولايات المتحدة والممثل الأعلى للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى المبعوث الأممي حول سوريا. في بيانها الختامي، أكَّدت اللجنة الوقوف إلى جانب الشعب السوري وتقديم كل العون والإسناد له في هذه المرحلة الانتقالية، واحترام إرادته وخياراته، داعية إلى تشكيل هيئة حكم انتقالية جديدة جامعة، وشدَّد البيان على دعم عملية انتقالية سلمية سياسية سورية جامعة، تتمثل فيها كل القوى السياسية والاجتماعية، بما فيها المرأة والشباب والمجتمع المدني بعدالة، وترعاها الأمم المتحدة والجامعة العربية.
الاجتماع مكانا وحضورا وبيانا وقرارات، تعرض لانتقادات حادة وكثيرة من نشطاء وسياسيين ومفكرين سوريين، وتساءل بعضهم لماذا يغيب السوريون ويغيًبون عن اجتماع يتصل بهم وبمستقبل بلادهم ومواطنيهم وخصوصا أن في دمشق حكاما جدد أعلن وزير الخارجية الأمريكية في ذات الاجتماع أن بلاده على تواصل مباشر معهم؟ ثم لماذا لا يكون الاجتماع في العاصمة السورية دمشق والتي تحررت قبل أيام قلائل من تاريخ الاجتماع من الاستبداد والقهر والطغيان؟
على مواقع التواصل الاجتماعي علق نشطاء السوريين وباستغراب واستنكار متسائلين، هل تمارس الدول العربية في مجملها ما تطلبه من سوريا؟ فيما استعرض آخرون مواقف دعم أنظمة عربية للأسد حتى قبل سقوطه بأيام معدودات. فهذا رئيس عربي يهاتف الأسد ليعلن وقوفه متضامنا معه ضد "الإرهاب"، وتلك الدولة تعلن تضامنها مع النظام فيتصل وزير خارجيتها بوزير خارجية الأسد مشددا على الدعم والإسناد والتأييد! بل إن ناشطا سوريا طالب من الدول العربية والتي دعمت الأسد وطبعت معه بالاعتذار للشعب السوري على مساهمتها بشكل أو آخر في إطالة معاناته.
أما الأمم المتحدة فلقد كانت مواقفها في أيام الثورة السورية عائمة غائمة خصوصا في الأيام الصعبة منها والقاسية وما أكثرها. وكانت هيئاتها توجه الكثير من المساعدات الإنسانية إلى نظام الأسد وأجهزته وأدواته، وهي التي أشرفت على عمليات التهجير وما كان يطلق عليه الباصات الخضراء.
لقد رأى الكثير من النشطاء والمفكرين والسياسيين السوريين في بيان العقبة نوعا من الوصاية والتي لا تليق بالسوريين بعد التضحيات الكبيرة التي قدموها لنيل حريتهم والتي بطبيعة الحال (الحرية) غابت مفردة ودعما ومطلبا من بيان العقبة. ورأى البعض في اجتماع العقبة محاولة لاحتواء الثورة وتدجينها وترويضها على أمل أن تنضم إلى منظومة الجامعة العربية والتي أخفقت تقريبا في جميع الملفات، فلا هي نجحت في تحقيق قراراتها منذ أكثر عام حول حصار غزة، ولا هي استطاعت اقناع الأسد ولسنوات في تقديم تنازلات ولو طفيفة بملفات المهجرين والنازحين والمعتقلين والمغيبين.
أما الحديث عن القرار الأممي 2254 والذي صدر من نحو عقد من الزمان، وكان موجها في الأساس لبشار الأسد والذي تعامل معه بازدراء واستخفاف ولم تكن هناك آلية دولية لتنفيذ القرار أو الضغط على الأسد لتطبيقه والالتزام به، وبالتالي فإن القرار أصبح لاغياً مع سقوط الأسد وتغير نظام الحكم في دمشق. لقد خرجت مظاهرات سورية حاشدة في دمشق وفي المدن السورية الكبرى تحتفل بسقوط الأسد وتؤيد التغيير الذي حدث. إغفال رأي السوريين وتوجهاتهم العارمة والحديث بلغة خشبية في الملف السوري خصوصا وأن رجل الشارع العربي يعرف وبكل وضوح من هم قادة الثورة المضادة في العالم العربي وهو متيقن من خلال متابعة المواقف السياسية والإعلامية أيام ما قبل سقوط الأسد، من هم الذين تقلقهم نسائم الحرية سواء هبت من غزة أو من دمشق، ويريدون محاصرتها بل وخنقها إن استطاعوا إلى ذلك سبيلا.
الجامعة العربية والتي كان من المفترض منها أن تعلن تفعيل ميثاق الدفاع المشترك دفاعا عن سوريا البلد (وليس النظام كائن من كان) وسوريا الشعب في مواجهة العربدة الإسرائيلية والتي دمرت وبعنجهية غير مسبوقة المقدرات العسكرية السورية بحجج واهية وذرائع تافهة، وكأنها تريد ترسيخ قواعد عالم عربي منصاع ومستسلم للجبروت والعنجهية الصهيونية، تأتي لتفرض على شعب مجروح مثخن بألم ومثقل بالمعاناة منهجه وتريد أن ترسم له خارطة طرق عفى عليها الزمن. التنديد بالغارات الإسرائيلية لفظيا لا يكفي وإذا كانت الجامعة العربية عاجزة عن دعم سوريا الوطن والوقوف معها سياسيا وإنسانيا واقتصاديا وحتى دفاعيا، فهي من باب أولى غير مؤهلة ليس للوصاية على السوريين فحسب، بل وحتى لتقديم النصح لهم.
على المستوى السوري، من أيّد بيان العقبة فئات محدودة للغاية أبرزها الائتلاف وهيئة التفاوض الأمر الذي عرضهما لانتقادات حادة في مواقع التواصل الاجتماعي من نشطاء ومفكرين وسياسيين سوريين اتهموهما بالفشل وممارسة أساليب النظام أثناء عملهما السياسي من حيث الانتخابات الجوفاء والمبرمجة. واستشهد بعض النشطاء بشهادة حديثة بثت للدكتور خالد الخوجة رئيس الائتلاف الأسبق في بودكاست على الشبكة العنكبوتية حول الائتلاف وأسلوب تشكيله وتوسعته والتي أفاض فيها بالحديث عن استقواء أعضاء منه بمخابرات دول عربية وبالمال السياسي للسيطرة على قرارات المعارضة والاستحواذ عليها.
لقد طلب بعض النشطاء بمساءلة المعارضة السورية في مرحلة ما قبل عملية ردع العدوان والتي فشلت (المعارضة) برأيهم بشكل تام، كما طالبوا بحل تلك الأجسام السياسية والتي انتهت صلاحيتها ودورها ورَأَوْا أنها بتأييدها لبيان العقبة تحاول يائسة التشبث بأي دور ومكان سياسي، وإن كان متعارضا مع مواقف عموم السوريون والتي يمكن قراءتها ورصدها من خلال المظاهرات الحاشدة وتوجهات نشطاء بارزين على وسائل التواصل الاجتماعي.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس