إبراهيم كالن - ديلي صباح - ترجمة وتحرير ترك برس
نعيش في عصر تتزامن فيه الصراعات الكبيرة والمعارك الصغيرة في آن واحد، تتشابك الروايات الفوقية والقصص المحلية بطرق تتحدى نهاية التاريخ، موت الأيدولوجيات وصراع مفاهيم الحضارات من سوريا إلى العراق واليمن وأوكرانيا وميانمار وكوريا الشمالية.
نحن نشهد صراع السياسات العالمية بين الدول القومية والدول العظمى من جهة، وبين الطائفية والعرقية من جهة أخرى.
العلمانية والطائفية الدينية والعرقية والسياسة الطائفية والدول القومية والمنافسات العالمية كلها جزء من نظام فوضوي جديد من السياسات الطائفية.
الطائفية تفسد السياسات على المستويين العالمي والمحلي وتولد التطرف في نهاية المطاف، تأخذ مظاهر دينية، عرقية، علمانية أو جزءًا من كل منها، ترتكز على الأنانية المخادعة، وتفرض التضارب في الوقت الذي تدعي فيه حماية مصالحها الخاصة، تلجأ للتطرف تحت ستار محاربته.
المفارقة المؤلمة بين الطائفية الدينية والعلمانية هي عندما تفشل السياسة في إيصال الناس العاديين إلى فضائلهم، الناس العاديون عادة ما يلجؤون إلى الدين والأخلاق ليستشهدوا بها، وتنصح العديد من الشخصيات الدينية أتباعها بالصبر والتعقل، لكن المناخ الطائفي الحالي يجعل ذلك صعبًا بشكل متزايد بسبب إساءة استخدام الدين لتبرير شكل أو آخر من أشكال الطائفية والتي بدورها تستخدم الدول القومية لبرامجها السياسية الضيقة.
في مثل هذا المناخ السام، يمكن لأي حادث أي يصبح مشهدًا للجغرافيا السياسية "جيوبوليتيك"، لنأخذ على سبيل المثال التدافع في منى، مكة المكرمة في 24 سبتمبر/ أيلول من هذا العام، أدى هذا الحادث المروع إلى وفاة أكثر من 1000 شخص، ما حدث حتى الآن لم يؤكد من قبل المسؤولين السعوديين، في المستقبل هناك تدابير يجب اتخاذها كي نمنع هذا المآسي المروعة، مع ذلك فإن تداعيات التدافع مقلقة بقدر الحادث نفسه. وسرعان ما أصبح التدافع مجالًا للنزاعات بين السعودية وإيران، هذا ليس خطأ فحسب إنما خطر أيضًا.
قضية أخرى تأتي في نفس السياق هي التحالف الجديد بين روسيا وإيران وحزب الله الذي ظهر لإنقاذ بشار الأسد في سوريا.
إيران وحزب الله هما حليفان بشكل طبيعي إذا ليست هناك أي مفاجأة في دعمهما المشترك للأسد، أما روسيا فهي الزميل الغريب في المجموعة.
هذه الغرابة نفسها توضح جانبًا هامًا من حرب طائفية جديدة حيث روسيا الشيوعية المعادية للدين هي جزء من كتلة لا تخجل من الانضمام لقوى مهما كانت السلطة التي تنتمي إليها في سبيل خدمة مصالحها.
من جانبها روسيا لا تهتم بالهويات الدينية والنزعات الطائفية الخاصة بحلفائها، النتيجة ساخرة ومعبرة، جمهورية إيران الإسلامية وحزب الله الشيعي وروسيا الشيوعية ينضمون لإنقاذ قائد عربي قومي علوي علماني.
كما تحدثت هنا "إرث التدخلات الإمبريالية، والدول الفاشية، والبؤس، والأمية، وشعور الحرمان والعزلة، خلق جروحًا عميقة في المشهد السياسي والاجتماعي في الشرق الأوسط، وقد أمست هوية سياسية مسببة للنزاع أداةً أيدولوجية قوية".
يقاتل متطرفو السنة والشيعة من أجل هدف علماني بحت من الهيمنة السياسية، سواء في العراق، اليمن أو باكستان، يستخدمون حججًا دينية لنيل جائزة دنيوية، أولئك الذين يقاتلون ويقتلون باسم السنة والشيعة ينتهكون المبادئ الأساسية لدينهم!
الحقيقة البسيطة أنه طالما يشعر المسلم السني من سوريا والعراق ولبنان إلى اليمن بالعزلة والاضطهاد، فإن الجماعات المتطرفة ستجد أرضية للتجنيد!
ما يسمى بصعود الشيعة في العراق، ولبنان، واليمن والآن سوريا أثار العداء في العلاقة الهشة أصلًا بين السني والشيعي في العالم الإسلامي.
على الرغم من أنه تنظيم القاعدة ولا الدولة الإسلامية في العراق والشام لا يمثل السنة ولا في الخيال، فإن تكتيكاتهم وفكرهم الإرهابي تُعزى بشكل خاطئ إلى الإسلام السني، مئات الملايين من أهل السنة يرفضون الأيديولوجيات المتطرفة باسم الإسلام أو تقاليد السنة.
وبالمثل، طالما يشعر المسلمون الشيعة بالتهديد والتهميش من العراق واليمن إلى أفغانستان وباكستان، فسوف يتم التلاعب بهم من قبل مختلف الدول والجهات غير الحكومية لتأجيج التوترات الطائفية، تمامًا كما يمتلك المسلمون السنة دينًا ومسؤولية أخلاقية باحترام وحماية أخوتهم الشيعة. المسلمون الشيعة لديهم مصلحة في استعادة روح التعدد في التقاليد الإسلامية ونبذ الطائفية وأجندة الدول القومية.
التغلب على الطائفية الدينية والعلمانية تتطلب منا الحكمة والذكاء والصبر، العالم ككل يحتاج روحًا غير طائفية أكثر من أي وقت مضى.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس