جلال سلمي - خاص ترك برس
يجمع علماء السياسة على أن التوقعات السياسية تحتمل الصواب والخطأ، ولا يوجد أي توقع أكيد ونهائي في السياسة، ومن يرى أن توقعه أو تخمينه السياسي لا يحتمل الخطأ، فتوقعه لا يمكن حسابه على أنه توقع سياسي بل هو توقع متمرد ومنقلب على القاعدة العامة لنظرية العلوم الاجتماعية التي تنص على أنه دومًا توجد عناصر خفية قد تفسد التوقع السياسي وتجعله خاطئًا، وذلك لأن أي توقع سياسي اجتماعي لا يمكن حصره في مختبر علمي، بل هو توقع مبني على بعض المؤشرات السياسية والاجتماعية الموجودة في الحياة ويمكن لهذه المؤشرات التغير بشكل جذري بين عشية وضحاها دون أي مؤشرات مُسبقة.
هذه النظرية تثبت صحتها يومًا بعد يوم مع استمرار الحياة السياسية ومع تواصل التوقعات والتحليلات السياسية التي يُصيب بعضها ويُخطئ بعضها الآخر، هذه النظرية أثبتت صحتها، في الفترة الأخيرة، من خلال إجراء الانتخابات البرلمانية التركية إذ كان يتوقع الكثير من المعارضين لحزب العدالة والتنمية خسارة ساحقة بينما كان يتوقع المتفائلون داخل حزب العدالة والتنمية الحصول على نسبة 43% فقط ولكن نتائج الانتخابات أظهرت عدم صحة توقع الطرفين إذ حصل حزب العدالة والتنمية على نسبة 49,5%.
ويتناول الباحث السياسي صالح طونا نتائج الانتخابات الأخيرة في دراسة سياسية له بعنوان "السر المهم وراء فوز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات الأخيرة" نُشرت في جريدة يني شفق بتاريخ 2 نوفمبر 2015، ويستهل طونا دراسته بالإشارة إلى أن "الجميع كان يتوقع ارتفاع أصوات حزب العدالة والتنمية بشكل ملحوظ في انتخابات 7 حزيران/ يونيو مقارنة بانتخابات 1 نوفمبر ولكن لم يكن هناك أحد يتوقع بأن حزب العدالة والتنمية سيحصل على هذه النسبة الساحقة والمُذهلة في تلك الانتخابات، ولكن في حياتنا العامة سنكون دومًا على وقع النتائج المفاجأة المحفوفة بالتوقعات الخاطئة نتيجة لوجود العديد من الأسباب الخفية التي تُغير مسار التوقعات".
ويُضيف طونا أيضًا أن "جميع أعداء تركيا وتقدمها وتطورها فرحوا بشكل كبير بعد خسارة حزب العدالة والتنمية في انتخابات 7 يونيو، وادعى كثيرون وقتها أنهم "استطاعوا إيقاف صلاح الدين القرن الحالي "صلاح الدين الأيوبي"، ولكن المواطن التركي الواعي قال لهم إنه لم يتم إيقافه ولكن تم تنبيه لبعض الأمور، والسبب الرئيس في فوز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات هو قيام أحزاب المعارضة بوضع شروط تعجيزية أمام حزب العدالة والتنمية، هذه الشروط التي كانت تصدر من تلك الأحزاب وكأنها أحزاب أغلبية جعلت الشعب يقتنع بأن هذه الأحزاب لا يمكن لها اللعب بليونة سياسية من أجل تسيير مصلحة البلاد العامة بل هي أحزاب تعرقل عملية الاستقرار السياسي والاقتصادي في تركيا من خلال شروطها التعجيزية التي لا تصلح أن تصدر من قبل حزب معارض حاصل على أصوات قليلة".
ويبين الباحث السياسي أرسين رام أوغلو، في مقال سياسي له بعنوان "كيف استطاع حزب العدالة والتنمية الحصول على هذه النسبة" نُشرت بتاريخ 3 نوفمبر 2015 في جريدة صباح التركية، بأنه "على الرغم من حجم الدعايات السياسية السوداء وعلى الرغم من حجم المؤامرات الإعلامية والأمنية والسياسية الضخمة التي تمت حياكتها من أجل ضرب حزب العدالة والتنمية وتشويه صورته لم تجدِ نفعًا أمام وعي الناخب التركي النير الذي أفسد طعم هذه المؤامرات على صاحبيها وأرجعهم بخفي حنين فارغي الأيدي منقلبين على عواقبتهم".
ويؤكد رام أوغلو أن "السبب الرئيس بعد تعنت الأحزاب السياسية المعارضة في تأسيس حكومة ائتلافية وبعد التدهور الطفيف الذي أصاب الاستقرار السياسي والاقتصادي يأتي وعي الشعب التركي الجيد جدًا، الذي لم يتقوقع أمام جميع الدعايات السياسية السوداء بل وقف ثابتًا يقلب الأحداث بحنكة ووعي شديدين، ما كان يُريده المواطن التركي في الفترة الأخيرة باختصار هو تنبيه حزب العدالة والتنمية إلى أنه حاد بعض الشيء عن مصالح المواطن التركي، ويجب عليه توجيه خططه من جديد صوب المواطن التركي ومصالحه الاقتصادية، لكي يكون بمستطاع المواطن التركي إتمام حياته الكريمة التي نعم بها وتعود عليها بعد فوز حزب العدالة والتنمية".
وفي نهاية مقاله يفيد رام أوغلو بأن "هناك الكثير من التوقعات والتحليلات السياسية الخاصة بفوز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات الأخيرة، ويمكن تقييم جميع هذه الأسباب على أنها لها تأثيرًا جزئيًا على رفع أصوات حزب العدالة التنمية".
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!