إبراهيم كالن - ديلي صباح - ترجمة وتحرير نون بوست
هجمات 14 نوفمبر في باريس، وكذلك حادثة احتجاز الرهائن في باماكو - مالي في 20 نوفمبر، هي آخر الحوادث القاتلة التي نفذها مؤخرًا تنظيم داعش الإرهابي وأمثاله، فمن أنقرة إلى بيروت إلى بغداد وباريس، الإرهاب هو ظاهرة عالمية لذلك يتطلب علاجه استجابة عالمية.
دعا قادة العالم في قمة الدول العشرين التي عُقدت في أنطاليا في 15 و16 من نوفمبر، إلى التضامن والتعاون في مكافحة الإرهاب بجميع أشكاله، حيث طالب الرئيس رجب طيب أردوغان الدول الغربية والإسلامية لتكثيف جهودهم للقضاء على خطر الإرهاب، وهذه الدعوات تمثل فرصة لمعالجة الأسباب الجذرية للإرهاب، بما في ذلك تنظيم داعش.
غني عن القول إن الإرهاب هو وحش برؤوس متعددة ولا يمكن اختزاله إلى سبب واحد فقط، ولكن الحرب في سورية والضعف الأمني في العراق هما من بين الأسباب المباشرة للارتفاع الأخير بالحوادث الإرهابية؛ فداعش يستغل الحرب في سورية لتجنيد أعضاء جدد ودفع الشباب المسلم في أوروبا والعالم الإسلامي للتطرف، وأيديولوجية التنظيم المشوهة تخالف جميع عقائد الإسلام وممارسات 1.7 مليار مسلم حول العالم، لذلك ينبغي أن يكون النضال الشامل والمتين ضد هذا الانحراف الأيديولوجي جزءًا من أي جهد طويل ومستمر لمواجهة التطرف العنيف، وفي هذا المقام، يلعب الزعماء السياسيون والدينيون المسلمون دورًا حاسمًا لاسترداد وسطية الإسلام وإظهار إفلاس التعصب باسم الدين، والرسالة المفتوحة التي وجهها العلماء والأكاديميون المسلمون البارزون، والتي رفضوا من خلالها الاعتراف بأيديولوجية داعش المشوهة، هي خطوة هامة في الاتجاه الصحيح.
بجميع الأحوال، حرب الأفكار ضد التطرف العنيف، يجب أن تقترن بمعركة تجري على الأرض، فأي بيان ديني أو سياسي لن يكون كافيًا لصد الإرهاب، دون تغيير الظروف التي تنتجه في المقام الأول، الحرب في سورية، والتي أزهقت أرواح أكثر من 360.000 شخص حتى الآن، وشهدت جميع أنواع جرائم الحرب المحتملة، تغذي الراديكالية والتطرف في جميع أنحاء العالم، والدول الغربية الليبرالية ليست محصنة ضد انتشار الأفكار المتطرفة، واحتواء نطاق توسع إرهاب داعش والقضاء عليه، يتطلب إنهاء الحرب في سورية في المقام الأول؛ فطالما استمر وجود النظام المجرم للرئيس السوري بشار الأسد على رأس السلطة، ستستمر الجماعات الإرهابية بإيجاد السبل والذرائع لتبرير أفعالهم الوحشية.
نظرة إلى أرض الواقع توضح لنا بجلاء بأن نظام الأسد وداعش يغذيان بعضهما البعض؛ فتنظيم داعش يدعي محاربة الأسد، لكنه قتل ويقتل من عناصر المعارضة المعتدلين أكثر بكثير من أي معركة جدية انخرط بها مع النظام السوري، وبالمقابل، يسمح الأسد لداعش بالعمل في حلب والرقة وبقية البلاد لأنه يستخدم التنظيم كأداة دعائية لتبرير حكمه الفاشي، وأنصاره، إيران وروسيا وحزب الله، يستخدمون داعش كذريعة للعمل في سورية، وهذه الحلقة المفرغة من الصراع الهزلي لا بد من كسرها إذا أردنا محاربة الإرهاب العالمي.
أزمة اللاجئين التي وصلت إلى أبواب أوروبا مرتبطة أيضًا بشرور نظام الأسد وإرهاب داعش، فاللاجئون السوريون يفرون من إرهاب دولة نظام الأسد وكذلك من تطرف داعش العنيف، فتحت حكمهما، لا مكان ولا مستقبل للشعب في سورية، وإذا كنا جادين في عزمنا لوضع حد لداعش ووقف تدفق اللاجئين، لا يمكننا السماح لسورية بأن تبقى منطقة حرب تعمق جرائم نظام الأسد وتساعد داعش على تجنيد أعضاء جددًا.
الموصل في العراق، تعيش وضعًا أمنيًا مماثلًا تحت حكم تنظيم داعش، وبصيص الأمل الذي ينبلج من سواد تلك الأزمة يتمثل بتحرير سنجار من أيدي التنظيم بقيادة حاكم إقليم كردستان، مسعود البارزاني، شمالي العراق.
الهجمات في باريس تمخضت عن غضب وسخط شديدين، وهذا أمر مفهوم تمامًا، ومن المؤكد أن تؤدي هذه الاختراقات إلى تشديد الإجراءات الأمنية في جميع أنحاء أوروبا، ومن هذا المنطلق، يجب على الحلفاء الأوروبيين العمل سويًا لمنع وقوع هجمات جديدة، زيادة تبادل المعلومات الاستخباراتية، والقيام بعمليات مشتركة ضد أهداف تنظيم داعش.
إلقاء اللوم على اللاجئين عن الهجمات الأخيرة هو وضع للعربة أمام الحصان، فالإرهاب المزدوج لنظام الأسد وداعش هو الذي أفضى إلى أزمة اللاجئين، وليس العكس، وهناك خطر آخر يتبدى الآن أيضًا يتمثل بتسييس الأزمة بغية الحط من قدر الأقليات المسلمة في أوروبا والولايات المتحدة وتشويه صورتهم، حيث باشرت الجماعات اليمينية والسياسيون التابعون لها بالفعل باستغلال الهجمات لتسجيل نقاط رخيصة كالتعامل مع اللاجئين كإرهابيين محتملين، وتقديم اقتراحات هزلية عن إجراء اختبارات للدين.
رد الفعل هذا ليس مجنونًا فحسب، بل إنه أيضًا ما يريده المتطرفون بالضبط حتى يتمكنوا من نشر أفكارهم بدون مواربة أو خجل حول انحطاط وشرور الدول الغربية بغية تجنيد أعضاء جدد، والهجمات النابعة من حالة الإسلاموفوبيا ستزداد اطرادًا في هذه البيئة المتعصبة التي لا تصب إلا بصالح المتطرفين، ولهذا يجب علينا أيضًا كسر هذه الحلقة المفرغة.
أخيرًا، يجب علينا جميعًا أن نتخذ موقفًا حازمًا ضد الإرهاب بجميع أشكاله؛ فإرهاب داعش هو شر حتمًا، ولكنه لا يختلف عن غيره من أنواع الإرهاب.
تركيا تقاتل حزب العمال الكردستاني وحزب جبهة التحرير الشعبية الثورية لسنوات، ولذلك تتفهم التحديات التي تواجه دول الاتحاد الأوروبي، كما وقعت تركيا أيضًا فريسة لإرهاب داعش في السنوات الأخيرة، ولكن تبييض جرائم حزب العمال الكردستاني تحت مظلة مقاتلة داعش، ليس نهجًا خاطئًا فحسب، بل إنه خطير أيضًا، لأننا لا نستطيع محاربة منظمة إرهابية واحدة دون أخرى؛ لذا تبزغ الحاجة اليوم لاتباع إستراتيجية موحدة لمحاربة الأيديولوجيات المتطرفة وتغيير الظروف على الأرض بغية وضع حد لهذه الحلقة الفظيعة من الإرهاب العالمي، والدول الغربية والإسلامية تتشاطر مصلحة مشتركة لتعمل معًا للتصدي لهذا الإرهاب.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس