إبراهيم كالن - صحيفة ديلي صباح - ترجمة وتحرير ترك برس
الهجمات الإرهابية الأخيرة في أنقرة، بيروت، باريس ومؤخرًا في سان برناردينو في ولاية كاليفورنيا جلبت التطرف العنيف مرة أخرى إلى صدارة جدول الأعمال العالمي، سواء بدافع الحماس الديني، القومية العرقية أو دوافع أيديولوجية، التطرف العنيف أمسى ظاهرةً عالمية ويتطلب اجتماعًا متكاملا لاحتوائه.
هذا الاجتماع يتطلب العمل على مستويين بشكل رئيسي:
مستوى الأفكار ومستوى الحقائق. التطرف العنيف كفكرة هو القوة التي تقود مختلف الجماعات الإرهابية من داعش وحزب العمال الكردستاني إلى إيتا والقوميين البوذيين ضد المسلمين في ميانمار.
القتال ضدهم يتطلب معركة أفكار، حيث تسعى لتبرر أن الأساليب الإرهابية مرفوضة استنادا إلى مصادر رسمية وموثوق بها. في حالة داعش قد فضح علماء المسلمين والقيادات الدينية فكرهم المتطرف وأظهروا زيف منطقهم. وأفضل مثال على هذا هو خطاب من قبل عدد كبير من العلماء والأكاديميين المسلمين البارزين لقائد داعش "أبي بكر البغدادي".
رفض قاعدة داعش المنهجية ليست كافيًا، يحتاج المرء إلى أن يظهر كيف أنها تشوه الرسالة الجوهرية للإسلام. في الواقع إن أيدولوجية داعش ونظرياتها تناقض مبادئ وأساليب حياة أكثر من 1.7 مليار مسلم حول العالم.
ولكن مجموعة صغيرة من المتطرفين ما تزال قادرة على إساءة استخدام الدين لتبرر وحشيتها.
ومن الواضح أن هذه ليست مشكلة حصرية في الإسلام. فقد كانت اليهودية والمسيحية والبوذية والأديان الأخرى عرضة لانتهاكات مماثلة في التاريخ وكذلك في الوقت الحاضر، من باروخ غولدشتاين إلى أنديرس بريفيك، وكثيرممن قام بأعمال إرهابية باسم دينهم.
السؤال الحاسم في جميع التقاليد الدينية هو: كيف نحمي الدين من المشوهين المتطرفين؟
وكما ناقشت في مقالتي الإسلام والسلام، فإن التقليد الفكري والقانوني الإسلامي لديه مصادر لوقف التطرف العنيف.
إذا وضعنا الإمبريالية وسياسات الدولة جانبًا حيث كانت الحروب جزءا من القاعدة السياسية، فالتاريخ الاجتماعي والثقافي الإسلامي مليء بأمثلة كيف أن ثقافة السلام والتسامح يمكن أن تتغذى وتستمر من بغداد وسمرقند وأصفهان إلى إسطنبول وسراييفو وقرطبة.
علماء المسلمين ذوي التأثير يجب أن يجدوا وسائل لمنع الشباب من الوقوع في أيدي المتطرفين العنيفين سواء في العواصم الأوروبية أو المدن الإسلامية. والمشكلة هي أن هذه الرسالة عادةً مفقودة في النظام العالمي الحالي.
هذا يقودني إلى معركة الحقائق على أرض الواقع. حيث تسببت الاحتلالات والحروب العنيفة في التاريخ الحديث بعضًا من أكبر المآسي الإنسانية في الذاكرة البشرية.
إن كلًا من إرث الاستعمار، والحربين العالميتان ، واستخدام القنبلة الذرية، وانتشار أسلحة الدمار الشامل، والتطهير العرقي لمسلمي البوسنة في عام 1990م، والإبادة الجماعية في أفريقيا هي من بين الكوارث العالمية التي أدت لوفاة الملايين من الناس مع حيوات تدمرت وآمال حطمت، آثارهم قد خلقت على المدى الطويل الإفراط واليأس الذي ذكرها نيتشه في "الخارق"، وإليوت في "أرض الخراب" وأورويل في "1984" السمة المشتركة بينهم هو الاحساس بحالة حرب أبدية!
وهذا ما يشعر به السوريون اليوم في وجه الحرب الوحشية والإجرامية لنظام الأسد. ما هو أسوأ هو أن إرهابيي داعش وغيرها يستغلون الحرب السورية لنشر الفكر المتطرف وتجنيد أعضاء جدد.
أصبحت الحرب في سوريا الآن أداة مفيدة لأية جماعة أو دولة تريد فرض سياستها على منطقة المشرق العربي.
من ديكور إلى مسرحية للطاقة العالمية ليست فقط وحشية وغير مسؤولة إنما مكلفة وخطرة على أمن الجميع من الشرق الأوسط إلى أوروبا والولايات المتحدة، طالما بقي نظام الأسد في السلطة واستمر مؤيدوه في طحن سوريا لمصالحهم، فإن داعش والجماعات المماثلة ستجد الفوضى والدمار أدوات مناسبة لنشر التطرف العنيف.
إنه لتحدٍ جاد لنا جميعًا لإيجاد طريق وسط من المنطق والأخلاق في مواجهة الظروف القاسية من الحرب والدمار والاحتلال والإعدامات من دون محاكمة والأعمال الإرهابية.
لكنه هو أيضا واجب من الدرجة الأولى لفهم مدى ضرورته الملحة وتطوير وسائل للتغلب عليه.
كما تقول الحكمة الطاوّية القديمة: "إنه تحدٍ دائم لهزيمة الوحش دون أن تصبح وحشًا،
يهوديًا، مسيحيًا، مسلمًا كنت أو علمانيًا، كل منا بحاجة إلى جمهرة أفضل ما لديه من موارد أخلاقية وسياسية فكرية لهزيمة وحش التطرف العنيف قبل أن يجتاح العالم بأسره بلهيبه".
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس