محمد بارلاص – جريدة صباح - ترجمة وتحرير ترك برس
لا بد من فهم الماضي وإدراكه من أجل فهم الحاضر والاستعداد للمستقبل وهذه حقيقة لا يمكن إغفالها. أما محاولة تفهم الحاضر والتعامل معه حسب شروط البارحة فهو أمر غير ممكن إطلاقا. إذا لم نقم بتقييم الزمن الذي نحيا فيه بطريقة صحيحة، فسوف نرتكب أخطاء تنطوي على مغالطات تاريخية كما كان يحدث في أفلام شركة "يشيل تشام"، حيث نظر السلطان محمد الفاتح لساعة يد في رسغه أو حيث ظهرت أعمدة التلغراف خلف السلطان سليمان القانوني. لنحمي أنفسنا من هذه المغالطات لا بد من استخدام شروط اليوم ومعايير المكان سواء على مستوى الوطن أو العالم لنحقق المتناسب الضروري لعمليات المقارنة والتقدير.
الحقائق مدهشة
فمثلا صلاح الدين دميرطاش وفي أثناء توجهه إلى موسكو بحثا عن مساند وحليف هل فكر مثلا أو أثار فضوله كيف ينظر بوتين للانفصالين الشيشان المسلحين؟ فلو حُفرت الخنادق في المدن الروسية ونفذت تلك الجماعات هجمات باستخدام "الاسلحة الخفيفة" كيف ستكون ردة فعل موسكو؟ سعي حزب الشعوب الديموقراطي للتواصل مع البرلمان الروسي والحديث لأعضاء هذا البرلمان بدلا من التوجه إلى أنقرة ومحاولة التواصل مع مجلس الشعب هناك، ألا يُظهر لنا أن هذا الحزب يظن أن "الحرب الباردة" ما زالت مستمرة؟ أليس هناك اختلاف في تكوين الجماعات المضادة للشرعية وللديمقراطية بين الأمس واليوم؟
المُحافظون الجدد
هذا القسم الذي كان يرى في نفسه "المحافظين على الجمهورية" في تركيا القديمة والذي كان يرى بأي وسيلة سواء القولية منها أو الفعلية كوسيلة مشروعة إذا كان الهدف منها عدم انتقال السلطة إلى يد الجماعة المنتخبة الجديدة، في تركيا اليوم ألا تقوم منظمة فتح الله غولن بهذه المهمة؟ ألم نرَ أنها وفي سبيل عدم دوام السلطة في يد الجماعة المنتخبة وانتقالها إلى الجماعة "المترسبة" لم تتوانى عن أي فعل كان باستطاعتها تنفيذه؟
حقائق مختلفة
ألم تتناوب الديمقراطية والانقلابات العسكرية على تركيا القديمة بالتوالي، ألم نرَ عدم قبولهم حتى بعد خروج "النظام" على السلطة ومتابعة هذا النظام العسكري للحكم؟ لكن الآن ومن خلال "الحقائق المعاصرة" لا بد من فهم مختلف للأمور.
أضف لذلك، أن بعض هذه الحقائق وإن كانت موجودة منذ القدم لم يكن بشروط ذلك الزمن باستطاعتنا رؤيتها أو كان يمكن التغاضي عنها، ولكن وبشروط العصر الحالي كل النشاطات على اختلافها يتم تقييم سلبياتها وإيجابياتها وتأثيراتها وتداعياتها على مستوى (سياسي اجتماعي). وباختصار إن كلًا من الديناميكية الداخلية والمنعطفات والظروف الخارجية تختلف جدا بهذا العصر عما سبق.
لا بد من دستور جديد
إن محاولة تطبيق نموذج كل من نظام "البعث" الذي أتى به صدام حسين إلى العراق أو نموذج "الديمقراطية العسكرية" المطبق في تايلاند سيكون سببًا كافيًا لفتح الطريق أمام ويلات وكوارث اجتماعية وسياسية لا يمكن تلافيها. أو بكلمات أخرى، إن الحياة السياسية التركية وصلت إلى "نقطة اللا عودة" على طريق تطبيق الديمقراطية.
آن الاوآن لتغير تفهمنا للـ"الدولة الايديولوجية" من خلال تعديلات دستورية حديثة، وحان وقت التناسب مع معطيات وحقائق الزمن الحالي. إذا حاولنا أن نتظاهر بعدم الانتباه وعدم رؤيتنا لهذه الضرورات والحقائق فسوف نعيش القرن الواحد والعشرين كما عشنا القرن العشرين بالخروج من أزمة لندخل في أخرى.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس