هلال قبلان - صحيفة صباح - ترجمة وتحرير ترك برس
ما الذي حصل لجماعة من "المثقفين" حتى يقوموا في اليوم الذي تلا قتل حزب العمال الكردستاني لستة أبرياء بينهم طفل يبلغ من العمر خمسة شهور وآخر في الرابعة من عمره بطرح ونشر مبادرة تعمل على تقديس وترفيع حزب العمال الكردستاني وتصفه بـ"منظمة تقف في وجه السياسات الرامية للقضاء على الاكراد"!!
ففي اليوم الذي قدم فيه حزب العمال الكردستاني "اعتذاره" عن المذبحة التي ارتكبها في تشينار تنبري مجموعة ممن يدعون أنهم "مثقفون" ومتنورون ليكونوا الدرع الحامي لحزب العمال الكردستاني والمدافع عنه! هذه الأيديولوجيا العمياء لا تمثل وضعًا يمكن تبريره أو شرحه، وإنما هي نهاية التنوير والثقافة وحالة من العداء للإنسانية جمعاء واغتراب عن كل ما له قيمة عند البشر جميعا وليس فقط عند المجتمع التركي.
في كتاب "تمثيل المثقف" لإدوارد سعيد والذي يحبون الاقتباس منه دائما يقول الكاتب، يجب على المثقف ان يظل بعيدًا عن مركز السلطة والقوة، ويشرح أن هذا الأمر يأسر المثقف ويحبسه في دائرة لا منتهيه من الوحدة ولكن هذه الوحدة هي ما يجعل من المثقف موجودًا ويستحق هذا الوجود.
هذه الأسماء التي تدعي "الثقافة"، هل يمكن القول إنها تسير حسب تعريف هذا الكتاب الذي يحبون؟ وهل يمكنهم أن يروا أن حزب الشعوب الديمقراطي والذي يرأس اكثر من مئة بلدية في المنطقة ويمثل 70% من نواب المنطقة يعمل على الوصول إلى السلطة من خلال مشاركته لحزب العمال الكردستاني في رص المتاريس وإلقاء القنابل وزراعة الالغام وشراكة الكلاشنكوف وممارسة الإعدامات الغوغائية؟ وهل يمكن لمثقفينا المشؤومين أن يروا أنهم قد سجّلوا أسمائهم ورسموا تواقيعهم ليكونوا عساكر في صفوف هذه السلطة والقوة الظالمة؟
لا يمكن لأحد أن يدافع عن الحكومة والدولة بكونها معصومة من الخطأ ومنزهة من الخطايا ولا لأحد أن يدعي قداستها. لكن هؤلاء الذين لا ينفكون عن البحث والتنقيب في تغريداتي القديمة يعلمون مدى حساسيتي لموت الأطفال، ويعلمون كذلك إنني قد أهديت كتابي "أبو تركيا الذي لا يموت" لأوغور قايماز... حسنًا إذا ليبحث هؤلاء المنقبون والمفتشون مرة أخرى لعلهم يرون الأطفال الأكراد أمثال فرات سيمبيل (13 عام)، أليف شيمشيك (9 أعوام)، فارس دميرجان (11 عاما) وتحسين أوراي (9 أعوام) الذين قتلتهم صواريح وألغام حزب العمال الكردستاني!
أم أن الاختيار بين الأموات والتزام الصمت حيال أولئك الذين لا يمكن "استخدامهم" هو كذلك من الثقافة والتنور؟
وهل هناك وسيلة يمكن بها توضيح وقياس البعد الثقافي لهؤلاء الذين قبلوا على انفسهم ان يكونوا "عساكر رصاصية" في إمبرطورية الخوف المسماة حزب العمال الكردستاني التي تقتل المواطنين الأبرياء والتي بأحسن الأحوال تصم بالخيانة كل من خالفها من الأكراد أو تنفذ به حكم الإعدام، في حين أن الدولة تحرم على قواها الأمنية الإساءة إلى جثث عناصر الحزب الإرهابي نفسه وتلقي خارجا أيًا من عساكرها يهم لأن يفعل ذلك ناهيك عن المساس بحياة المواطنين الأكراد؟
وانظروا إلى هذه النقطة كذلك: لو كان هناك حزب يدعي أنه يمثل الإسلام وقام بحفر الخنادق في منطقته ومهاجمة المدارس أثناء ساعات دوام الطلبة وحرق المكتبات وهاجم سيارات الإسعاف التي تنقل الجرحى المدنيين وقصف بالصواريخ سيارة الإطفاء التي هرعت لإخماد الحرائق التي أشعلها هو ذاته، وقتل المواطنين الأبرياء بالالغام وبالقنابل البيتية الصنع وأعدم بلا رحمة العجائز الذين تجاوز عمرهم السبعين عاما لأنهم لم يفتحوا له الأبواب ليمر بسهولة وراحة... عندها ما الذي كان سيفعله هولاء المثقفون؟
اليسار، أو بكلمات أصح اليسار العلماني المتعصب يزداد دفاعه عن العنف والتطرف يوما بعد يوم ويميل لأن يصبح أكثر راديكالية. ليشرعن وبعد ذلك يشرع بممارسة الإعدامات الغوغائية مع حزب جبهة التحرر الشعبي الثوري ويبدؤوا بحفر الخنادق مع حزب العمال الكردستاني.
المتطرفون العلمانيون المحرضون على الإرهاب والمتواطئون معه هم قمة البؤس بين مثقفين البلد ويجب على المثقفين الحقيقين أن يكافحوا ضد هذه التصرفات البربرية.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس