ترك برس
عند تناول كثير من الباحثين قضية المطبعة وتأسيسها في الأراضي العثمانية فإنهم يذكرون بأن الإدارة العثمانية كانت رافضة لفكرة تواجد المطبعة على أراضيها، ومارست رفض الفكرة بواسطة فتوى من "شيخ الإسلام" [رأس طبقة العلماء في الدولة] بالإضافة إلى فرمانين من السلطان "بايزيد الثاني" وابنه السلطان "سليم الأول".
فيذكرون بأن السلطان بايزيد أصدر فرمانًا عام 1485 يحظر إنشاء المطابع في أراضي الدولة، وأن السلطان سليم الأول أصدر فرمانًا يقضي بالإعدام على من يمارس الطباعة في أراضي الدولة، ومنع إنتاج أي كتب تطبع بحرف عربي [كانت الأبجدية التركية العثمانية تستخدم الحروف العربية].
جاء ذلك في مقال للباحث كريم عبد المجيد، المتخصص في التاريخ العثماني، نشر على موقع "إضاءات"، تحت عنوان "هل رفضت الإدارة العثمانية استخدام المطبعة؟"، أشار فيه إلى أن بعض الباحثين يذكرون بأن السلطان بايزيد أصدر فرمانًا عام 1485 يحظر إنشاء المطابع في أراضي الدولة، وأن السلطان سليم الأول أصدر فرمانًا يقضي بالإعدام على من يمارس الطباعة في أراضي الدولة، ومنع إنتاج أي كتب تطبع بحرف عربي [كانت الأبجدية التركية العثمانية تستخدم الحروف العربية].
وقال عبد المجيد، إن "هذه الادعاءات من أشهر ما يتم التأكيد عليه في الكثير من المراجع التي تتحدث عن المطبعة وعلاقتها بالسلطة العثمانية، وهي ادعاءات لا يوجد أي دليل ولا أثر ولا وثيقة تاريخية تدل عليها، بل يوجد من الآثار والوثائق ما ينفيها ويُدخلها في إطار الشائعات المتداولة التي لا تصمد أمام الحقائق التاريخية والتي نذكر منها:
1. كان تأسيس أول مطبعة في الدولة بمدينة «إسطنبول» قلب الدولة العثمانية وعاصمتها بواسطة الأخوين اليهوديين «صامويل بن نحمياس» و «ديڤيد بن نحمياس» لخدمة المجتمع اليهودي بالمدينة عام 1493 في نفس القرن الذي ظهرت فيه المطبعة في أوروبا، وذلك أثناء فترة حكم السلطان «بايزيد الثاني» مع تتابع تأسيس مطابع يهودية أخرى بالمدينة في الأعوام 1505، 1510، 1511 فترة حكم السلطان، ويشهد على الأمر إلى الآن وجود 19 كتابًا عبريًا في المدينة مطبوع عليهم «طُبع في عهد السلطان بايزيد»، مما ينفي ادعاء صدور فرمان من السلطان يمنع تأسيس المطابع في الدولة.
2. بعد استلام السلطان «سليم الأول» الحكم من أبيه السلطان بايزيد بعام واحد توالت عملية تأسيس مطابع يهودية جديدة بإسطنبول في الأعوام 1513، 1515، 1516، 1518، 1519، 1520 بقي منها إلى الآن عدد 33 كتابًا مطبوعًا كدليل ينقض ادعاء الإعدام الذي قال به السلطان لمن يعمل بالطباعة، كما أسس اليهود بالإضافة إلى العاصمة مطابع في مدن أخرى مثل «سالونيك» عام 1512، و«حلب» عام 1519، و«القاهرة» عام 1557، و«صفد» عام 1577.
3. أعطى السلطان «مراد الثالث» عام 1588 فرمانًا لتُجار إيطاليين يأذن لهم ببيع كتب عربية وعثمانية وفارسية طُبعت في إيطاليا [بعد تعرضهم للضرب في الأسواق أثناء الترويج للكتب] ومنها كتاب «تحرير الأصول لإقليدس» بترجمته العربية مما ينفي ادعاء رفض السلطة العثمانية وجود كتب مطبوعة بالحرف العربي على أراضيها.
4. تأسست مطبعة «للأرمن» في إسطنبول عام 1567، ومطبعة «لليونانيين» عام 1627، كما شهد القرن السابع عشر أول تأسيس لمطبعة للمسيحيين في بلد عربي وهي مطبعة «دير قوزحية» في «لبنان» عام 1610 ولكنها أقفلت سريعًا. أتى عام 1706 كعام تاريخي تأسست فيه أول مطبعة تطبع الكتب بالعربية في «حلب» بالتعاون بين البطريرك «أثاناسيوس الثالث الدباس» والمؤلف والمترجم «عبد الله زاخر» والتي استمرت في العمل طوال عقد ونصف تقريبًا تم توقفت على إثر خلاف بين زاخر والبطريرك أثاناسيوس، فعزم زاخر بعدها على تأسيس «مطبعة ديرشوير» في لبنان عام 1734 وكانت تطبع الكتب بالعربية أيضًا.
- صورة مطبوعة من فرمان السلطان مراد الثالث بالسماح للإيطاليين ببيع الكتب العربية والفارسية والتركية العثمانية ذات الحرف العربي في إسطنبول وهي نسخة محفوظة بالمكتبة البريطانية بلندن.
تجدر الإشارة إلى أن فكرة الطباعة تضرب بجذور تعود إلى آلاف السنين مع الترجيح أن «الصينيين» كانوا أول من عرف الطباعة، باستخدام قوالب من الخشب ينقشون على سطوحها الكلمات والرسوم مقلوبة ثم يختمون بها. وبالانتقال إلى القرن الخامس عشر الميلادي بدأت الطباعة الحديثة في أوروبا باستخدام الحروف المفردة على يد الألماني «يوهانس گوتنبرگ» عام 1444 -على وجه التقريب- في مدينة «ماينتس» بألمانيا، تبعها مجموعة من المطابع في المدن الأوروبية الأخرى مثل «روما» بإيطاليا عام 1467، «باريس» بفرنسا عام 1470، «أوترخت» بهولندا عام 1473، «ويستمنستر» بإنگلترا عام 1476، «فيينا» بالنمسا عام 1482، «أوبسالا» بالسويد عام 1483 وغيرها.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!