ترك برس
يقول الرحالة التركي أوليا جلبي، إن عدد طلاب جامع الأزهر في مصر العثمانية كان يتراواح، في العام الواحد، ما بين 3 آلاف إلى 5 آلاف طالب، وربما زادوا إلى اثني عشر ألفًا، يقوم بتعليمهم وتدريسهم 70 من الأساتذة بالإضافة إلى المساعدين والمعلِّمين.
جاء ذلك في مقال للباحث المصري في التاريخ و التراث محمد شعبان أيوب، تحت عنوان "الأزهر والأزاهرة في مصر العثمانية" نشر على موقع "إضاءات"، أشار فيه إلى فرمان عثماني بتاريخ 1141هـ/1729م يتحدث عن حوالي 40 من العلماء والمفتين الذين جاءوا إلى الديوان ليشكوا مخصصاتهم، بينما اجتمع حوالي 4000 إلى 5000 من الطلبة في الجامع نفسه للتظاهر بسبب تأخّر أُعطياتهم.
ولفت أيوب إلى أن هذه الأعُطيات أو المرتبات كانت من مصادر شتى على أرسها الأوقاف التي أوقفها أهل الخير من السلاطين والأمراء والتجار والعلماء وغيرهم لتكون مصدرًا لا ينقطع، ورافدًا لا ينضب من المال لاستمرار العلم والتدريس، على العلماء وطلبة العلم على السواء.
وأوضح أيوب أن الطلاب كانوا ينتظمون في أروقة أو دور ضيافة حيث كانوا يسكنون ويدرسون ويتسلّمون جراياتهم، وكانت الأروقة تنقسم على أسس عرقية وإقليمية، وهكذا كان هناك رواق للأتراك "الروم"، والشوام، والمغاربة، وأهل الصعيد، وأهالي مديرية الشرقية وما إلى ذلك.
وتابع الكاتب الباحث المصري بالقول:
أما الدراسة في الأزهر فكانت تسير على النمط القديم الذي تطور مع الزمن بتطور العلوم، وتدرج المعارف، مثل التفسير والحديث والتوحيد والتصوف والفقه وأصول الفقه وعلم الكلام والنحو والصرف والعروض والمعاني والبيان والبديع والأدب والتاريخ والسيرة النبوية، وعلوم المنطق، والوضع والميقات.
يدرس الطلاب على الشيخ في تخصصه إلى ما شاء الله أن يدرسوا، ثم إذا رآهم الشيخ مستئهلين للتخرج، أعطاهم “إجازة” بذلك، وبذلك يحق لهم التدريس في هذا التخصص، أما من لم يتمكن من إتمام العلوم والدروس، فإنه لا يأخذ هذا الإجازة، ومن ثم صارت الإجازة شهادة التخرج لتلك العصور، ولا يزال بين أيدينا اليوم نماذج مخطوطة من تلك الإجازات، تبين لنا أنواع العلوم والمعارف التي تلقاها هؤلاء الطلاب.
ويكفي أن نرجع إلى تراجم هؤلاء الأزاهرة الذين وفدوا على الأزهر من أقطار شتى من مصر والشام وبلاد الروم “تركيا” والحجاز والمغرب وغيرها لنرى كيف تعلموا، وكيف تخرجوا، وكيف درّسوا، فهذا شاهين بن منصور بن عامر الأرمناوي الحنفي (ت: 1101هـ/1690هـ) «حفظ القرآن والكنز والألفية والشاطبية والرجبية وغيرها، ورحل إلى الأزهر، فقرأ بالروايات على العلامة المقرىء عبد الرحمن اليمني الشافعي، ولازم في الفقهِ العلامةَ أحمد الشوبري وأحمد المنشاوي الحنَفيين، وأحمد الرفاعي ويس الحمصي ومحمد المنزلاوي وعمر الدفري والشهاب القليوبي وعبد السلام اللقاني وإبراهيم الميموني الشافعي وحسن الشرنبلالي الحنفي، وفي العلوم العقلية شيخ الإسلام محمد الشهير بسيبويه تلميذ أحمد بن قاسم العبادي ولازمه كثيرا، والشيخ علي الشبراملسي والشمس البابلي وسلطان المزاحي، وأجَازَه جُل شيوخه، وتصدَّر للإقراء في الأزهر في فنون عديدة، وعنه أخذ جمع من الأعيان».
فهذا رجل – كما نتبيّنُ من سيرته – نال من العلوم الفقهَ الشافعي والحنفي والنحو والفلسفة الإسلامية وعلم الكلام، ثم إن كل شيوخه الذين ذكرهم الجبرتي أعلاه قد أجازوه، ووافقوا على كونه أتم دراسته، وأصبح مستعدًا للإقراء والتدريس، وهذا ما حدث بالفعل، حيث أصبح أحد المشايخ والعلماء في الجامع الأزهر، وصار له تلاميذ فيما بعد، ومن خلال هذه الترجمة يمكن أن نقيس على جُل من تعلّموا في الأزهر طوال تلك القرون.
وتجدر الإشارة إلى أن جامع الأزهر بُني أول ما بُني في مستهل حكم الفاطميين في مصر في العقد السابع من القرن الرابع الهجري 362هـ، وأُريد منه أن يكون منبرًا وجامعة للنشر والدفاع عن الأفكار والعقائد الشيعية الإسماعيلية، ومركز العبادة الأكبر لأهل القاهرة المدينة الجديدة آنذاك، وكذلك ليكون منافسًا فكريًا لمدارس وجوامع بغداد في ظل الخلافة العباسية السنية، وظل الحال على ذلك التنافس المذهبي والعقدي بين السنة والشيعة حتى تمكن صلاح الدين الأيوبي من بسط السيطرة الأيوبية على مصر في عام 567هـ، وإعادة الدعوة للخلفاء العباسيين السنة على منابر القاهرة، وبهذا قضى على النفوذ الإسماعيلي.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!