علي حسين باكير - عربي 21
ما الذي حصل خلال الأيام العشرة الماضية؟ لقد علّق وفد الهيئة العليا للمفاوضات التابع للمعارضة السورية مشاركته في مفاوضات جنيف للضغط على النظام السوري وحلفائه لتنفيذ الحد الأدنى مما هو مطلوب والذي يتمثل بالالتزام بالهدنة المؤقتة لوقف إطلاق النار، وإيصال المساعدات إلى المحاصرين من قبل النظام والميليشيات الشيعية، وإطلاق سراح المعتلقين تعسفيّاً لدى الأسد.
هذه المطالب البسيطة مكفولة بموجب القانون الدولي وشرعة حقوق الإنسان وبموجب القرارات الدولية وآخرها قرار مجلس الأمن 2254 وحتى بالإتفاق الأمريكي- الروسي، ومع ذلك لم يتم إجبار الأسد على تنفيذ أي منها، لا بل على العكس، استخدم الأسد هذه الأمور ليتلاعب بالمنظومة الدولية وجعل هذه القضايا والملفات أدوات للتفاوض ولزيادة الضغط على المعارضة، ولم يكن أحد يأبه في الأصل لا أمريكا ولا روسيا بالضغط عليه لتنفيذها رغم المناشدات المتكررة.
ما تبيّن في النهاية هو أنّ العرض المطروح على الطاولة يقول ببقاء الأسد على الأقل حتى الانتخابات القادمة، هذا ما يريده حلفاؤه، وهو الأمر الذي يعني في المحصّلة إعادة إنتاج النظام نفسه حتى مع رحيل الأسد حينها، ومن الممكن أن نفصّل في شرح هذا الأمر في مقال لاحق، لكن مراد القول أنّ روسيا تريد بقاءه وأنّ الامريكيين لا يمانعون ذلك فعلياً، وتنازلوا عن موضوع إخراجه في أوّل أو في وسط العملية الانتقالية، وهو الحد الأدنى الذي أبدى السعوديون والأتراك إمكانيّة قبولهم به شرط إعلان هذا الأمر بشكل رسمي من طرف روسيا مع تأكيدها على أن يذهب الأسد وأركان نظامه بعدها، وهو الأمر الذي رفضته الأخيرة.
حالياً يسعى الروس إلى فرض نصوص هي في الأصل مطروحة من قبل الأسد والإيرانيين مع بعض التعديلات والإضافات، ويتولى الجانب الأمريكي تسويقها على اللاعبين الآخرين بدعوى أنّه تدخل وعدّل فيها، لا لشيء طبعاً إلا لتمرير الطرح الروسي بأقل حساسيّة ممكنة. من الواضح أنّ ضغط روسيا وإيران على الأسد خلال مرحلة التفاوض يساوي صفراً، فالأخير مرتاح، لا بل يضع شروطاً على دي ميستورا وعلى وفد المعارضة المفاوض، ولا يريد مناقشة أي شيء يتضمن رحيله على الإطلاق لا الآن ولا لاحقا، كما أنه لم يتوقف عن القصف أو التجويع أو استهداف المنشات المدنية ومراكز الدفاع المدني والأسواق والمساجد.
المجازر التي تجري الآن من قبل روسيا والأسد وإيران تأتي في ظل عدم اعتراض أمريكي. الأمريكيون يريدون أن يضغطوا على المعارضة السورية للعودة إلى طاولة المفاوضات دون قيد أو شرط وليس بيدهم شيء لفعل ذلك بشكل مباشر، ولهذا فإنهم ينظرون إلى القصف الروسي الأسدي كوسيلة مجانية على أمل أن يشكّل ضغطا على المعارضة للعودة إلى طاولة المفاوضات، لذلك لم نر أو نسمع انتفاضة أمريكية وترك للأمر أن يأخذ مداه وأن يتعدى حتى اللامعقول.
المشكلة الثانية أنّه في جميع الأحوال، فإن إدارة أوباما لن تكون موجودة في الأصل بعد عدّة أشهر، ما يعني أنّه وبغض النظر عن نوع اتّفاقهم مع الروس حول الأسد، فإن الروس والإيرانيين سيصبحون في حل من أي اتفاق في حينه، وقد يشجعهم هذا على الفكرة الأكثر جنونية في التمديد للأسد.
هذه المعطيات تعني أنّ على تركيا والسعودية أن تتصرّفا في الفرصة الأخيرة المتاحة لهما الآن وأن تقلبا الطاولة على الجميع إن لزم الأمر. صحيح أنّ الولايات المتّحدة تحاول ابتزاز الطرفين بأوراق لا تزال تمتلكها، لكنّه ليس مسوّغاً أيضاً للاعتماد على الأمريكيين. الأمريكيون لا يعتمد عليهم، ووعودهم أوهام.
لقد سبق لتركيا والسعودية أن ضيّعتا فرصاً كثيرة خلال السنوات الخمس الماضية، وبالرغم من انّ الجانب التركي كان قد حاول في العام 2104 التحرّك منفرداً ومعارضة التوجه الامريكي بقوّة الا أنّه ووجه حينها برد فعل أمريكي سيء للغاية. جميعنا يذكر جيّداً كيف تجاهلت ادارة أوباما الجانب التركي وقامت بدعم ميليشيات حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني بالسلاح والعتاد والتموين جوّاً وعبر الطائرات رغماً عن تركيا ودون استخدام حدودها بحجّة محاربة "داعش"، ثمّ قامت بسحب بطاريات صواريخها وتركتها وحيدة في مواجهة روسيا وإيران، وما لبثت أن تحوّلت أسلحة الأكراد الى الداخل التركي ايضاً وبقدرة قادرة أصبحت "داعش" أكثر إهتماما بالتفجير داخل تركيا من أي شيء آخر!
الجميع يعلم تماماً أنّه ليس باستطاعة الادارة فعل أي شيء الان على الاطلاق لاسيما في هذه الفترة، وروسيا لن تدخل في حرب مباشرة مع اي دولة في ظل الاوضاع والظروف الاقتصادية الصعبة، والايرانيون لا يملكون فعل أكثر مما فعلوه ويفعلونه هناك خاصة في هذه الفترة بالتحديد مع المصاعب الإقتصاديّة الكبيرة التي يعانونها بسبب عدم مقدرتهم على إستخدام الدولار بالشكل التي تصوّروه سابقاُ.
لأجل كل ذلك، هناك نافذ سانحة الآن للقيام بعمل ما أو حتى مجرّد التلويح بقلب الطاولة على الجميع، وهو أمر بالتأكيد لا تريده واشنطن ولا موسكو ولا طهران، ولكنهم مرتاحين الى أنّ اخداً لن يلّوح بأي شيء، ولذلك لا بد من إخراجهم من دائرة الإطمئنان هذه، ولا بد من تجاوز الأمريكي كلّياً وليس جزئياً كما حصل في الأشهر الأخيرة في بعض الأمو. هناك حاجة لخطوات غير تقليدية على الاطلاق، إن لم يحصل ذلك الآن فليس على هذه الدول إلاّ أن تلوم نفسها فيما بعد لما ستجنيه من دمار سوريا.
وكما سبق وقلنا، نكرر اليوم بأنّ واشنطن ليست مهتمة بتاتاً بأي شيء باستثناء استمرار المفاوضات واستمرار الهدنة ولو شكليا فقط الى حين إنتهاء ولاية الادارة الحالية. لذلك وأيّاً كان ما ستفعله تركيا والسعودية يجب عليهما أن لا يفكّرا أبدا في التركيز على اعادة المعارضة السورية الى طاولة المفاوضات أو ممارسة اي نوع من انواع الضغوط عليها. القيام بمثل هذا الأمر في الوقت الذي لم تحصل فيه المعارضة على أي شيء، وفي وقت لا يمتثل فيه الأسد لأي قرار دولي ولا ينفذ أي إلتزام عليه سيكون قاتلاً للمعارضة ولهذه الدول، ومن الأفضل حينها أن يأخذ الأسد وحلفاؤه ما يريدونه في سوريا بالقوّة بدلاً من أن يأخذوه على طاولة المفاوضات.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس