علي حسين باكير - القبس
تشير المواصفات ـــ التي يجري طرحها وتداولها مؤخراً حول الشخصية المطلوبة لخلافة أحمد داوود أوغلو في رئاسة حزب العدالة والتنمية وتاليا في رئاسة الوزراء ـــ إلى أن الأخير قد يكون فعلياً آخر رئيس وزراء حقيقي في تركيا. لكنّ الحسم في تقدير هذا الأمر لا يرتبط بما يريده رئيس الجمهورية أو حزب العدالة والتنمية الآن، وإنما بما سينص عليه دستور البلاد مستقبلاً.
ينص الدستور الحالي الذي وضع عام 1982 إثر الانقلاب العسكري الذي قام به الجنرال كنعان إيفرين على أنّ النظام السياسي في البلاد هو نظام برلماني، وأنّ السلطة التنفيذية تُمارَس وتُنفَّذ من قبل رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء. لكن في عام 2007، أدخلت بعض التعديلات بينها تعديلات تنص على انتخاب رئيس الجمهورية من قبل الشعب مباشرة.
قبل التعديل لم تكن هناك مشكلة كبيرة في التطبيق، على اعتبار انّ رئيس الجمهورية، كما هي الحال بالنسبة الى رئيس الوزراء، يصل الى منصبه عبر أصوات البرلمان المنتخب من قبل الشعب، لكن بعدما بوشر في تطبيق هذا التعديل عام 2014، أصبحت هناك مشكلة، على اعتبار انّ لدينا شريكين في ممارسة السلطة التنفيذية؛ أحدهما ينتخب من قبل الشعب مباشرة، ما يتيح له أن يقول إنّ هذا يعطيه حق ممارسة الصلاحيات الاستثنائية من دون تحفّظ ذاتي.
وكان من المفترض أن يشهد النظام السياسي التركي مشاكل ضخمة منذ عام 2014، لولا أنّ رئيس الحكومة من نفس الحزب الذي خرج منه رئيس الجمهورية أيضاً، اذ ساهم هذا الامر في التخفيف من حالة عدم الاستقرار وفي لجم الخلافات الكبرى. وعلى الرغم من ذلك، فإن حالة التعايش بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء الذي ينتمي الى حزب العدالة والتنمية لم تدم طويلاً، بسبب ما قيل عن محاولة رئيس الوزراء ممارسة صلاحياته بشكل مستقل من دون مشاورة رئيس الجمهورية فيها، وهو ما أدّى في النهاية الى إعلان أحمد داوود أوغلو في الاسبوع الأول من هذا الشهر عدم نيته الاستمرار في ممارسة منصبه رئيساً لحزب العدالة والتنمية، وتاليا رئيساً للوزراء.
ماذا يريد الرئيس؟
وبالعودة الى الخصائص التي يراد لها أن تتوفّر في رئيس الوزراء القادم، من الواضح أنّ رئيس الجمهورية لا يريد رئيس وزراء قوياً، لكنّه بالتأكيد لا يريد رئيس وزراء ضعيفاً أيضاً أو هزيلاً. ما يريده بالتحديد هو رئيس وزراء مخلص لخطّه، وتنفيذي ماهر، قادر على إيجاد الوصفات التي تساعد على تحقيق رؤية الرئيس، لا يأخذ المبادرة من تلقاء نفسه ولا ينازعه في بعض الصلاحيات، ولا يحاول أن يخرج عن خطّه، ويكون مؤيداً لتحويل النظام السياسي الى نظام رئاسي ويعمل على مساعدة الرئيس، للدفع بهذا المقترح قدماً الى الأمام.
هذه المواصفات بالتحديد تطرح تساؤلاً حول ما إذا كان داوود أوغلو آخر رئيس فعلي للوزراء في تركيا. وتشير التكهّنات المتداولة حاليا الى قائمة من أسماء المرشّحين لخلافة أوغلو في رئاسة «العدالة والتنمية» وكذلك في رئاسة الحكومة القادمة. وتتضمن هذه القائمة اسماء كل من وزير الطاقة الحالي براءة البيرق، ووزير المواصلات بينالي يلديريم، ووزير العدل بكير بوزداغ، ونائب رئيس الوزراء نعمان كرتولموش، ووزير الدفاع عصمت يلماز، بالإضافة الى كل من محمد شاهين نائب رئيس حزب العدالة للشؤون القانونية سابقا، ووزير الصحة محمد مؤذّن أوغلو.
لا شكّ في أن تعيين صهر الرئيس في موقع رئيس الوزراء سيضمن بالتأكيد الاخلاص لخط أردوغان وعدم منازعته الصلاحيات، لكنّ براءة البيرق لا يمتلك الخبرة الكافية ليصبح رئيس وزراء، فهو ما زال حديث العهد في المجال السياسي؛ أضف الى ذلك أنّ حصوله على هذا المنصب من باب المصاهرة او الروابط العائلية قد يوفّر المزيد من الذخيرة اللازمة للمعارضة لمهاجمة أردوغان.
أمّا عصمت يلماز، فهو يتمتع بالمواصفات المطلوبة، وأكثر من مؤهل لتولي المنصب ضمن هذه الشروط. لديه خبرة كبيرة، وهو يمتلك من الناحية العلمية اختصاصاً مزدوجاً في الحقوق والهندسة، وله باع طويل في السياسة، ولا شك في أنّه مخلص أيضاً لخط الرئيس، وفوق هذا فهو شخص لا يسعى الى المناصب، وليس له طموح جامح في السلطة، إذ سبق له أن قبل التنقّل بين عدد من المناصب من دون اي مشكلة ما يعني انّه شخص تنفيذي بامتياز، لكنّه قد لا يمتلك الحماسة المطلوبة لمساندة الرئيس في حشد الجماهير لقبول النظام الرئاسي، وليس من المعروف اذا ما كان يصلح للخطابة، فهي ميزة مطلوبة أيضاً في حزب العدالة والتنمية.
وفي ما يخص بكير بوزداق، فهو شخص يحظى بالثقة ومخلص لخط الرئيس وداعم أيضاً لموقفه بشكل قوي في الملفات الحساسة، ومنها الدعوة للنظام الرئاسي ومحاربة حزب العمال الكردستاني، وهو مشاكس في تصريحاته ضد المعارضة وكانت له تصريحات لافتة في هذا الشأن مؤخراً. لكنّ بوزداق ليس خطيبا مفوّهاً ولا يتمتع أيضا بكاريزما جماهيريّة، وقد يكون ذلك عائقا بالنسبة إليه، رغم انه الشخص المناسب لتنفيذ الأجندات المطلوبة.
أمّا بالنسبة الى نعمان كرتولموش، فهو محافظ التوجه وخطيب مفوّه كما يقال، متخصص من الناحية العلمية في المجال الاقتصادي، ويتمتّع بخبرة سياسية جيّدة، لا سيما أنّه سبق له أن ترأَّس حزب السعادة، وكذلك حزب صوت الشعب، وهذه كلّها صفات مناسبة جدّاً لما يتم البحث عنه حالياً.
كما يعود الفضل في وصول نعمان الى مواقعه سريعاً داخل حزب العدالة والتنمية الى أردوغان، وهذا يعني أنّ الثاني يتوقّع إخلاص الأوّل له في المسيرة، لكنّ ذلك قد لا يثبت بالضرورة بدليل تجربة داوود أوغلو الذي انضم الى حزب العدالة والتنمية متأخراً. وتشير بعض المصادر الى وجود بعض المواقف التي صدرت عن كورتولموش في منصبه الاخير نائباً لرئيس الوزراء وناطقاً باسم الحكومة لم يكن الرئيس يرضى عنها أو يوافقه عليها.
يبقى بينالي يلديريم وزير المواصلات الحالي كأبرز اسم مرشّح لهذه المهمّة أيضاً. فهو يتمتع بوضع قوي داخل «العدالة والتنمية»، ويقال إنه السبب الرئيسي في الإشكال الذي جرى مؤخرا مع رئيس الحزب بعدما علم الاخير أنّ الأوّل يحشد ضده في اللجنة المركزية. ويتمتع بينالي بشعبية أيضا نظراً الى ارتباط التطور الذي طرأ على البنية التحتية في تركيا خلال العقد والنصف الأخير باسمه شخصياً، كوزير للمواصلات والاتصالات. سبق ان تمّ الزج به كمرشح عن الحزب في إزمير، رغم ان حظوظه هناك كانت ضئيلة جدّا، نظراً إلى سيطرة الحزب الجمهوري المعارضة عليها، وعلى الرغم من خسارته، فإنه حقق نتيجة مبهرة جدّاً ولم يرفض الفكرة أصلاً. كما تمّ تعيينه مستشاراً للرئيس أردوغان لفترة قصيرة قبل ان يعود مجدداً وزيراً للمواصلات. هذه الصفات تعني أنّه ناجح جداً في اختبار الإخلاص والثقة والتنفيذ.
يبقى أنّ نشير الى انّ فشل حزب العدالة والتنمية لاحقاً في تغيير النظام السياسي في البلاد عبر تعديل دستوري أو عبر وضع دستور جديد سيؤدي بالتأكيد لاحقاً الى عودة حالة عدم الاستقرار والتخبّط، فاحتواء المرحلة الحالية بتعيين شخص وفق المواصفات المذكورة أعلاه لا يضمن لاحقاً إمكانية تكرار نفس الأمر، لا سيما ان حصل، وكان شخص رئيس الوزراء لا ينتمي الى حزب العدالة والتنمية، وهو امر لا يمكن استبعاده بشكل مطلق مستقبلاً.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس