إبراهيم كالن - ديلي صباح - ترجمة وتحرير ترك برس
شارك الرئيس رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء بن علي يلدريم، في جنازة في بلدة أرفيا الصغيرة في محافظة سكاريا الشالية في ال12 من نوفمبر/تشرين الثاني، ورافقهما في حضور الجنازة عدد من الوزراء والمحافظين وآلاف المشيعين. وبعد مراسم الجنازة رددت الحشود شعارات منددة بالإرهاب.
هذا الحدث "الصغير" لم يتصدر عناوين الصحف ولا الأخبار في وسائل الإعلام الغربي. لم يصدر أي مسؤول غربي تصريحا قويا عن ألم زوجة محمد فاتح صافي ترك وحزنها، حاكم منطقة ديريك في محافظة ماردين جنوب شرقي البلاد، الذي اغتاله حزب العمال الكردستاني في مكتبه. لم تنعقد أي لجنة للاتحاد الأوروبي للتحقيق وإدانة الهجمات الإرهابية الممنهجة التي يشنها العمال الكردستاني ومن يدعمونه في السياسة والإعلام. لم يحضر أي سفير من دول الاتحاد الأوروبي الجنازة، كما لم نسمع أن أي شخص اتصل بعائلة صافي ترك للتعبير عن تعازيه.
هذا تكرار لنمط مقلق كان في طور التشكيل منذ عدة سنوات. أصدر المسؤولون الأوروبيون تصريحات فاترة تدين هجمات حزب العمال الكردستاني، لكنهم لم ينبسوا ببنت شفة عمن يؤيدونه تأييدا مباشرا أو غير مباشر، بل يمضون مزيدا من الوقت في انتقاد الحكومة التركية بسبب الأجراءات التي تتخذها ضد من يسعون إلى تبرير هجمات حزب العمال وتمجيدها، بدلا من تقديم دعم ملموس للحكومة التركية. يجد المسؤولون الأوروبيون أن من المزعج الحديث عن حقيقة أن أعضاء البرلمان التركي عن حزب الشعوب الديمقراطية ووسائل إعلامه لم تدن قط الهجمات الإرهابية التي يشنها حزب العمال الكردستاني، والسيارات المفخخة، والتفجيرات الانتحارية، والاغتيالات الموجهة. يقول هؤلاء المسؤولون إن الاتحاد الأوروبي يعد حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية، بيد أن الاتحاد في الوقت نفسه يسمح لعناصر الحزب والمروجين لدعايته بالعمل في أوروبا لصالح جماعة إرهابية، وجمع الأموال، وتجنيد الإرهابيين، ونشر أيديولوجية الحزب، والضغط من أجل مصالحه في البرلمانات وفي داخل الاتحاد الأوروبي. في كل مرة يرى فيها المواطنون الأتراك أعلام حزب العمال الكردستاني في البرلمان الأوروبي وفي شوارع العواصم الأوروبية، فإنهم يستخلصون نتائج تزعج الأوروبيين. على من يقع اللوم هنا؟
لا تختلف إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما عندما يتعلق الأمر بدعم فرع حزب العمال الكردستاني في سوريا، حزب الاتحاد الديمقراطي وجناحه العسكري وحدات حماية الشعب الكردي، باسم الحرب على داعش. وعلى الرغم من حقيقة أنه لا يمكن هزيمة الإرهاب بمنظمة إرهابية أخرى، فإن حكومة الولايات المتحدة تواصل تزويد فرع العمال الكردستاني في سوريا بالأسلحة والذخائر والمعلومات الاستخباراتية. لكن هناك قوات المعارضة السورية الشرعية التي تحارب الوحشية التوأم للحرب السورية، أي نظام الأسد وداعش. أثبتت عملية درع الفرات التي بدأت في في يوم 24 أغسطس/آب أن هناك طريقة أكثر فعالية ومشروعية لمواجهة إرهاب داعش من تقديم الأسلحة إلى قوات لا تدين بالولاء للشعب السوري بل لحزب العمال الكردستاني ومركز قيادته في جبال قنديل.
عندما ينتقد الأوروبيون اعتقال نواب حزب الشعوب الديمقراطي، ويصدرون تصريحات نارية دون تمحيص الحقائق الجدية، فإنهم ببساطة يحيون وينشطون فكرة أن أوروبا لديها معايير مزدوجة في التعامل مع الإرهاب. الحقيقة هي أن النواب الآخرين الذين رفعت عنهم الحصانة ذهبوا لتقديم إفادتهم دون أن يتحدوا أوامر المحكمة، لكن نواب حزب الشعوب الديمقراطي تحدوا المحكمة علنا، ورفضوا إدانة هجمات حزب العمال الكردستاني.
يسعى السياسيون الأوروبيون من خلال وقوفهم إلى جانب من يغطون الإرهاب باسم حرية التعبير، إلى فرض مبدأ على تركيا لكنهم لن يسمحوا به أبدا في أوروبا. هل يمكن أن تتخيل أن تسمح المؤسسات السياسية في الاتحاد الأوروبي والبرلمانات لنوابها بالدفاع عن تنظيم القاعدة وداعش، وتمجيد أعمالهما الإرهابية، وتحدي أوامر المحكمة؟
لا جدوى من إدانة الإرهاب دون اتخاذ اجراءات ملموسة، وهذا هو النفاق في انتقاد تركيا على فعل ما سيفعله معظم الأوروبيون في بلدانهم. ومن الأمثلة الواضحة على ذلك قضية حزب النازية الجديدة الفاشي " الفجر الذهبي" في اليونان الذي دخل البرلمان اليوناني في عام 2012 وحصل على 6.9% من الأصوات، وصار ثالث أكبر حزب. وفي عام 2013 قدم رئيس الحزب وبعض نوابه للمحاكمة بتهم جنائية من بينها القتل، ووضعوا رهن الحبس الاحتياطي، فإذا أدينوا، فسيقضون عقوبة السجن. لم نر أي مسؤول في الاتحاد الأوروبي ينتقد الحكومة اليونانية لاتخاذها إجراءات ضد حزب سياسي. أما في الحالة التركية، فإن التهم الموجهة لنواب الشعوب الديمقراطية أكثر فداحة، حيث إنها تتعلق بتقديم الدعم للإرهاب، ومن حق تركيا أن تتوقع من حلفائها الأوروبيين والأمريكيين الوقوف إلى جانبها ضد الإرهاب.
هناك حالات أخرى مثيرة للقلق تتعلق بمبدأ الكيل بمكيالين، فبعد محاولة الانقلاب العسكري الدموي في الخامس عشر من يوليو التي أسفرت عن قتل أكثر من 240 شخصا، بدأت الحكومة التركية في ملاحقة مدبري الانقلاب. لم يقل المسؤولون الأوروبيون سوى شئ واحد لإدانة الانقلاب وتسعة أشياء لانتقاد الحكومة التركية بسبب تقديمها الانقلابيين للعدالة. هل عرضت أوروبا تقديم اي مساعدة؟ فر تسعة جنود من الانقلابيين إلى اليونان وما يزالون هناك، وفر العشرات، إن لم يكن المئات، إلى مختلف الدول الأوروبية، فهل أعادتهم أي دولة أوروبية على الرغم من صدور مذكرات باعتقالهم؟ هل تبادلت أي دولة أوروبية معلومات استخباراتية مع تركيا عن حزب العمال الكردستاني أو هياكل تنظيم غولن الإرهابي في المدن الأوروبية؟ وحتى عندما كان من الذائع اتهام تركيا بالسماح للمقاتلين الإرهابيين الأجانب بالعبور إلى سوريا، فإن عددا قليلا للغاية من الدول الأوروبية أدت واجبها، وتبادلت المعلومات الاستخباراتية واعترضت مواطنيها الذين يعتزمون التوجه إلى سوريا، قبل أن تقلب الطاولة ضد تركيا.
وعلى النقيض من ذلك، فإن الدول الأوروبية مشغولة باحتضان المتهمين بارتكاب أعمال إجرامية في تركيا. لن يجرؤ الرئيس الألماني على تضييف مواطن أدين في دولة أخرى مثل الولايات المتحدة أو فرنسا في قصره الرئاسي. لن تفكر الحكومة الألمانية أبدا في منح جواز سفر مؤقت لإريك سنودن المتهم بتهريب وثائق حكومية إلى ويكيليكس، وما يزال مختبئا في روسيا، لكنها يمكن أن تفعل ذلك مع تركيا. يعتقد الأوروبيون أنهم أحرار في دعوة مؤيدي حزب العمال الكردستاني إلى اجتماعاتهم " لشرح" ما يحدث في تركيا، ومن ثم كتابة " تقارير التقدم" على أساس هذه اللقاءات، وبعد ذلك يهددون تركيا بتعليق محادثات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي أو فرض عقوبات. وعندما ترد تركيا على معيار الكيل بمكيالين المتعمق، توصف بأنها دولة استبدادية وغير متسامحة وعدوانية، وهلم جرا .
ما يراه الناس ويعرفونه أن محمد صافي ترك، حاكم منطقة ديريك، اغتاله حزب العمال الكردستاني، تاركا وراءه أرملة ثكلى مفجوعة وطفلا. في اليوم التالي لاغتيال صافي ترك أشادت وسائل إعلام حزب العمال الكردستاني بالهجوم، ولم يصدر المسؤولون الأوروبيون أي تصريح يشجب ذلك.
هذا التوجه مثير للقلق ويجب تغييره، وإلا فإن أوروبا ستخسر أمة بأكملها. تدرس تركيا الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي بوصفه هدفا استراتيجيا . وفي عالم يتزايد فيه الاعتماد المتبادل، فإن العلاقات التركية الأوروبية هي مفتاح الأن الإقليمي والاستقرار العالمي. لدى تركيا أصدقاء في أوروبا وفي داخل الاتحاد الأوروبي وينبغي لهم أن يجاهروا ويصححوا سجل الاتحاد الأوروبي في هذا الصدد. ينبغي الانتهاء من عملية الإعفاء من التأشيرة، حسبما اتفق على ذلك في عام 2013 ، دون مزيد من الضجة واللغط، ويتعين على الاتحاد الأوروبي أن يضطلع بمسؤولياته المالية بوصفها جزءا من اتفاق الهجرة بين تركيا والاتحاد الأوروبي، وينبغي التعجيل بمحادثات انضمام تركيا للاتحاد، وينبغي فتح فصول جديدة من فصول الانضمام والانتهاء منها.
يتعين على الأوروبيين أن يولوا مزيدا من الاهتمام للتحديات الأمنية التي تواجهها تركيا، وهي تحديات تهم تركيا بنفس القدر الذي تهم به أوروبا.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس