ترك برس
بريل ديدي أوغلو -صحيفة ستار- ترجمة وتحرير ترك برس
تأخذ المعارك المستمرة في حلب منذ شهر ونصف اتجاها درامتيكيا، وبحسب التصريحات الروسية الأخيرة ستنتهي المعارك في حلب مع نهاية العام الجاري، بتعبير آخر نفهم من التصريحات الروسية بأنه على سكان حلب والمنحصرين بين الأنقاض أن يعضوا على أسنانهم قليلا، ويتحملوا ريثما تقترب نهاية السنة. إلى الآن هناك ما يقارب ألف مدني فقدوا حياتهم خلال المعارك الأخيرة، وباقي المدنيين الذين نجوا من الهجمات الشرسة، إما أنهم مهددون بالموت جوعا، أو الموت بالأمراض السارية، وبموتهم جميعا يصبح التحاصص على حلب سهلا، وتقترب المشكلة شيئا فشيئا من الحل.
بحسب وسائل الإعلام، المعارضة والنظام السوري يواجهان بعضهما البعض، فلو كان الأمر كما نقلته وسائل الإعلام لكان الحل أسهل من المتوقع، قوات النظام لا تعني الجيش النظامي فقط، وإنما هي عبارة عن قوات 3 دول في آن معا، وأطراف هذه القوة التي تسمى بحسب وسائل الإعلام الجيش النظامي هي في حقيقة الأمر "روسيا وإيران ونظام الأسد" والأخير هو الحلقة الأضعف في هذا التحالف الثلاثي، فالقوة العالمية "روسيا" بقصفها من خلال الطائرات الحربية، والقوة المحلية المتمثلة بإيران والتي تقود العمليات برّا هما في حقيقة الأمر داخل قوات النظام ومشاركتان فيها.
قوات النظام تحاول إنقاذ حلب!! ولكن ممن يحاولون إنقاذها؟ فهذا السؤال مثير للجدل!! فالغرض الأساس من العمليات العسكرية في حلب بحسب الادّعاءات هو إنقاذ حلب من يد عناصر داعش، ولكن في حلب الذين على الأرض هم قوات المعارضة وليست داعش، وبحسب هذه المعادلة نفهم أن حلب تُنقذ ليس من عناصر داعش، وإنما من الحلبيين أنفسهم.
دول تواجه بعضها
قوات المعارضة بدورها غير متجانسة فيما بيها، ولكن عندما أصبح الموضوع متعلقا بحلب، نراهم وكأنهم اتحدوا نوعا ما على الرغم من اختلاف وجهات نظرهم، وعلى الرغم من المواجهات التي حصلت فيما بينهم في بعض الأحيان. على الساحة في الحقيقة لا توجد قوة تتمكن من التغلب على قوة التحالف مع النظام المتمثلة بـ "روسيا وإيران ونظام الأسد". ومن جهة أخرى هناك قوة على الأرض أيضا متمثلة بالغرب، وهي تدعي ايضا مواجهة ومحاربة داعش، إلا أن القوة الغربية لا تفضل أن يكون إنقاذ حلب عن طريقها مباشرة ومن خلالها، كما أنهم لا يرغبون بتواجد حلفائهم مثل الأتراك على الساحة السورية. وبسبب هذا المشهد نجد أن قوات المعارضة قد انقسمت إلى قسمين، الأمر الذي أدى بالجهة المحاربة ضد النظام إلى فقدان قوتها، وعندما أضعف النظام قوات المعارضة وقسّمها اكتسب قوة تمكّنه من قلب حلب رأسا على عقب.
من أهم الأسباب التي دفعت بقوات التحالف الغربية المسمّاة بقوة "مكافحة داعش" إلى إنقاذ حلب، هو أن ثنائية روسيا وإيران تحرّكتا في هذا المجال قبلها، فبعد هذه الخطوة كل مداخلة من شأنها أن تزيد من احتمالية المواجهة بين كل من تركيا وإيران، أو بين تركيا والنظام السوري، وبأسوأ تقدير بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية.
الأمم المتحدة لا تفعل شيئا
بعد تراجع قوات التحالف ضد داعش، أمام ثلاثية "روسيا وإيران والنظام السوري" يبدو أنها -قوات التحالف- جهّزت نفسها لنقل الملف إلى التنظيمات العالمية، وفي هذا الإطار داعش لم يكن المعني على الإطلاق، ففي حلب على مرأى الجميع يتم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية
من التناقضات الرئيسة، الإقرار بأن قوات النظام تقتل المدنيين من خلال قصفهم، وبعضهم الآخر من خلال تجويعهم، وفي الوقت نفسه المطالبة من قبل المقرّين أنفسهم بعدم رحيل النظام. فأمام هذا التناقض يصبح بالنسبة إلى كل من قوات النظام والقوات الداعمة له التوقف عن قتل المدنيين ضربا من الخيال، وحُجة بأيديهم للاستمرار في القتل. فهناك روايات بأن قوات التحالف ضد داعش تتحول إلى قوات محاربة ضد قوات النظام، ولكن عندما يكون مركز هذه المزاعم هو الأمم المتحدة، يُفهم من الأمر أنها ليست سوى مزاعم يُراد من خلالها كسب المزيد من الوقت.
إن مجلس الأمن الذي اجتمع من أجل مناقشة سبل تقديم مساعدات إنسانية لسكان حلب تفرّق من دون أن يتخذ أي قرار، فلو تم القبول بالشروط المستوجبة للمساعدات الإنسانية، فسيكون لا بد من الحديث آنذاك عن الأطراف التي أدّت إلى تولّد هذه الأسباب المستوجبة للمساعدات. وبالتالي هم لا يريدون ذلك، وإنما يرغبون بأن تُحل الأزمة من دون التقرّب من الدول، في النهاية يُنتظر من الأمم المتحدة أن تسمّي مرتكبي الجرائم بأسمائهم وأن تعرّفهم، وفي الوقت الذي يُنتظر فيه يموت كثير من المدنيين في حلب.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس