جلال سلمي - خاص ترك برس
عرضت الحكومة التركية مسودة الدستور الجديد التي اتضح أنها تركز بشكل أساسي على تغيير شكل النظام الحاكم، على البرلمان التركي في 10 كانون الأول/ ديسمبر 2016، وفي إطار الخلاف السياسي بين حزبي الشعب الجمهوري والشعوب الديمقراطي وحزب العدالة والتنمية الذي يملك 317 نائب وباستثناء رئيس البرلمان من التصويت يصبح بحاجة إلى 51 صوت مساند له لتمرير مسودة الدستور عبر البرلمان مباشرة، فالمتوقع أنه لن يستطيع هو وحزب الحركة القومية الذي يملك 39 نائب تمرير الدستور، والغالب هو تحويل الدستور إلى الاستفتاء الشعبي من خلال تصويت 330 نائب.
يتميز النظام الرئاسي بسرعته في التعاطي مع الأزمات الداخلية والخارجية من خلال تخطي عقبة البيروقراطية بتوفيره سرعة في آليات اتخاذ القرارات، ويتسم أيضًا بتوفيره للاستقرار السياسي لمرحلة انتخابية كاملة، إذ لا تظهر خلال هذه الفترة تجاذبات سياسية كما في النظام البرلماني.
تعتبر الولايات المتحدة النموذج المثالي للنظام الرئاسي، فمنذ تأسيسها وحتى يومنا هذا تطبق النظام الرئاسي الذي وفر لها الاستقرار السياسي والازدهار الاقتصادي والمجال الواسع من الحقوق والحريات، فما هي أوجه التشابه والاختلاف بين النظام الرئاسي التركي المزمع والنظام الرئاسي الأمريكي؟
ـ أوجه الشبه:
1ـ القوة التنفيذية في يد الرئيس:
تحد المادة 104 من الدستور التركي الساري من صلاحيات الرئيس وتضعه في بوتقة المهام الفخرية فقط، ولكن مع التعديلات الجديدة ستتحول القوة التنفيذية بثقلها إلى شخص الرئيس وسيصبح صاحب صلاحية إصدار قرار سياسي وقانوني، لا يتعارض مع الدستور أو القوانين الصادرة عن البرلمان، وعلى الطرف المقابل، يقوم النظام الرئاسي الأمريكي على ذات الأساس.
2ـ تعيين الوزراء ورؤساء الإدارات العليا.
3ـ إعلان حالة الطوارئ والتعبئة.
4ـ حق عزل الرئيس من قبل البرلمان أو الكونغرس في حين ثُبت عليه جنحه للخيانة أو الفساد.
ـ أوجه الاختلاف:
1ـ تمنح مسودة الدستور التركي الجديدة الرئيس حق إعلان حالة الطوارئ لمدة 6 شهور في حين كانت هناك حاجة للحرب أو وجود انقلاب عسكري، وفي ذلك لا يحتاج الرئيس أن يعود إلى البرلمان للموافقة على تجديد حالة الطوارئ كل 4 شهور، فحسب التعديل الجديد للمادة الثالثة من الدستور يحق للرئيس إعلان حالة الطوارئ لمدة 6 شهر وإلغائها وقت ما يراه مناسب، ويختلف النظامان في حق الرئيس التركي في إعلان الطوارئ من أجل التعبئة للحرب دون الرجوع للبرلمان، في حين أن الرئيس الأمريكي لا يملك حق إعلان الطوارئ من أجل التعبئة للحرب دون الرجوع إلى الكونغرس.
2ـ حسب المادة 101 من مسودة الدستور الجديد يحق لرئيس الجمهورية أن يصبح زعيمًا لأحد الأحزاب السياسية، بمعنى أنه يستطيع أن يقود الحملات الدعائية للانتخابات الرئاسية والتشريعية التي سُتعقد في نفس اليوم، وهذا ما قد يتمخض عنه دفع الناخب نحو انتخاب الرئيس وحزبه، الأمر الذي قد ينتج عنه افتقار النظام إلى برلمان معارض يوازن السلطة التنفيذية، وهذا المبدأ معدوم في النظام الأمريكي الذي يُجري الانتخابات الرئاسية بمعزل عن البرلمانية ليُعطي الناخب فرصة انتخاب كونغرس يوازن القرارات التنفيذية للرئيس، وبذلك يُعزل الناخب الأمريكي عن التعرض لتأثير شخصية الرئيس عليه، ويحظى بفرصة تقييم الرئيس وانتخاب نواب الكونغرس من حزب الرئيس إن كان موائماً لطموحهم أو من حزب آخر في حين كانت تحركاته غير ملائمة لمطالبهم.
3ـ حسب المادة 12 يحق للبرلمان الذهاب نحو انتخابات رئاسية وبرلمانية شريطة موافقة 5/3 النواب، أي 360 نائب من مجموع 600 نائب، وكذلك يحق لرئيس الجمهورية أن يتخذ قرار بإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية جديدة، أي يحق للرئيس تعطيل البرلمان ويحق للبرلمان تعطيل نفسه وسلطة الرئيس بالإجماع، والذريعة في ذلك إعطاء الإرادة الشعبية حق المشاركة الحيوية في الحياة السياسية، بالإضافة إلى إحداث نوع من التوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وفي حال وصل الطرفان إلى طريق مسدود فإن الشعب هو المرجع الرئيسي لفتح تلك الطريق، وتلك النقطة معدومة تماماً في النظام الأمريكي.
4ـ عدم تحديد عدد نواب الرئيس، في حين أن النظام الأمريكي يحتم وجود نائب واحد فقط للرئيس، وبينما يقضي النظام الأمريكي انتخاب النائب مع الرئيس، تعفي مسودة الدستور الجديدة النائب من الانتخاب من قبل الشعب.
5ـ يخول الدستور الأمريكي صلاحية منح العفو ووقف تنفيذ العقوبات في الجرائم المرتكبة، باستثناء القضايا المتعلقة بالإقالة بقرار قضائي، أما المسودة الجديدة للدستور التركي فلا تخول الرئيس أي حق للعفو.
6ـ ابتعاد المسودة الجديدة للدستور التركي عن احتواء مادة تنص على أن الرئيس يُطلع البرلمان على ما يجري بخلاف البند الثالث من مادته الثانية في الدستور الأمريكي الذي ينص على ضرورة إطلاع الرئيس الكونغرس على المجريات السياسية والاقتصادية.
بناءً على السرد أعلاه، يمكن لنا توصيف النظام الرئاسي المتوقع إرساءه في تركيا على أنه نظام أقرب إلى الملكية الدستورية المؤقتة، ولهذا النظام على المدى القريب فعالية هامة في توفير آلية اتخاذ قرارات خاصة بحل الأزمات والإجراءات السياسية والاقتصادية، ولكن على المدى البعيد يمكن أن يوفر حالة من الغموض قبيل كل عملية انتخابية، كما أنه قد يعاني من عدم التوافق في حين كانت نسبة البرلمان مائلة لأحزاب معاكسة لرؤية الرئيس المنتخب، إذ في هذه الحالة يمكن لهذه النسبة استخدام حق حل البرلمان وعزل الرئيس في كل قرار لا يوافق رؤيتها.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس