بليدة كرتدركان - ناشيونال إنترست - ترجمة وتحرير ترك برس

في الوقت الذي تُؤرق فيه المنظومة الدفاعية التي تنتهجها الصين في بحر الصين مضجع الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في منطقة آسيا والمحيط الهادي، تتشكل في الشمال "فقاعة" (منظومة دفاعية لمنع العدو من التواجد في منطقة بحرية معينة) روسية ستتوجه قريبا نحو جزر الكوريل لمواجهة اليابان. في الوقت نفسه، وفي الطرف الآخر من أوراسيا من مقاطعة كالينينغراد الروسية تتشكل هناك منظومة دفاعية أخرى تتحدى موقع حلف الناتو في غرب أوروبا.

في الوقت الراهن، تتشكل "فقاعتين" روسيتين في البحر الأسود وسوريا، تمثلان تهديدا صارخا لكل من تركيا والجانب الجنوبي الغربي لحلف الناتو.

في الحقيقة، تقلق هذه "الفقاعة" الروسية تركيا لعدة أسباب، إذ إنها تنذر بقرب انتهاء التفوق البحري النسبي الذي تتمتع به أنقرة في البحر الأسود وبحر إيجه وغرب المتوسط بعد الحرب الباردة. وهذا يعني أيضا أن تركيا قد ستضطر للتعديل من مخططاتها الطموحة وتحويل مواردها في مواجهة فقاعة التسلح الروسية. وعلى الرغم من أن العلاقات الروسية التركية قد تحسنت بشكل ملحوظ خلال الأشهر الأخيرة، يبقى مستقبل العلاقات بين البلدين غير واضح المعالم.

والجدير بالذكر أن نشوب أي أزمة شبيهة بتلك التي وقعت في تشرين الثاني/ نوفمبر في سنة 2015، إثر إسقاط الطائرة الروسية سو-24 من قبل طائرة أف-16 تركية، سيجعل أنقرة في مواجهة خلاف حاد مع موسكو لا تأمل وقوعه.

الدب يبني عرينا جديدا له في البحر الأسود وغرب المتوسط

في آيار/ مايو من عام 2014، أعلن وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو عن برنامج تسلح بحري قيمته حوالي 2.43 مليار دولار. وقد تضمن المخطط نشر أنظمة وقواعد دفاع جوي جديدة مع حلول سنة 2020، بالإضافة إلى سفن سطح وغواصات جديدة لتعزيز الأسطول الروسي في البحر الأسود.

وفي الوقت الذي كانت فيه روسيا تطبق مخططاتها فيما يتعلق بدعم ترسانتها البحرية من أجل تحقيق استراتيجيتها في البحر الأسود، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في آذار/ مارس سنة 2015، أن روسيا قد نصبت نظامًا صاروخيًا للدفاع الساحلي المتحرك (أس أس سي-5 وفق مسميات الناتو) في القرم.

في 12 آب/ أغسطس، صدر تقرير عن شبكة أخبار "روسيا اليوم"، كشف عن نشر الحكومة الروسية لأكثر أنظمتها الدفاعية الصاروخية المضادة للطائرات تطورا، "أس-400 ترايمف"، في شبه الجزيرة من أجل تعزيز القدرات الدفاعية الجوية لـمنظومة "أس 300 في 4" (أس أي غلاديتور) والمدفعيات و بانتسير أس 1.

وفي الوقت الراهن، وفي ظل عمل روسيا على ترميم الملاجئ المحصنة تحت الأرض التي تنتمي للحقبة السوفيتية وإحياء محطات الرادار للإنذار المبكر، بالتزامن مع نشر التكنولوجيات الحديثة لمعدات الحرب الإلكترونية، تحولت القرم إلى مركز لخلق منظومة دفاعية غير قابلة للاختراق في البحر الأسود. فالقواعد الأرضية لمضادات الطائرات (أي أي دبليو) والمضادات السطحية و(أي أس يو دبليو) وقدرات الإنذار المبكر، وهي جزء لا يتجزأ من استراتيجية المنظومة الدفاعية، توفر لروسيا أسطولا صغيرا في البحر الأسود بقدرات دفاعية وهجومية رائعة.

في أيلول/ سبتمبر، صرح رئيس هيئة الأركان العامة، فاليري غيراسيموف، بكل ثقة، بأن بلاده قد أحرزت تفوقا كبيرا في البحر الأسود، خلافا للأفضلية التي خسرتها في المنطقة في التسعينيات لصالح تركيا. وفي محاولة لإبراز نجاعة استراتيجية المنظومة الدفاعية الروسية في البحر الأسود، أفاد غيراسيموف بأن "الأسطول الروسي في البحر الأسود قادر على تدمير أي قوات برمائية معادية انطلاقا من الموانئ، في حين أن الأسطول البحري لديه كل الوسائل الضرورية لمعرفة وتمييز أي هدف على بعد 500 كيلومتر، من الممكن أن يهاجمنا".

حوالي ألف كيلومتر إلى الجنوب، وتحديدا قبالة سواحل ميناء مدينة طرطوس السورية يتكرر المشهد نفسه. فحاملة الطائرات كوزنتسوف المقاتلة، دون ذكر أنظمتها الاستثنائية "أي أي دبليو" و"أي أس يو دبليو"، تقع تحت حماية مجموعة رائعة من الصواريخ بعيدة المدى المضادة للسفن البحرية نوع باستيون (أي أس سي أم) ، وأنظمة صواريخ أرض-جو (أس أي أم) أس 300 وأس 400، بالإضافة لصواريخ بحرية جوية (أي أل سي أم).

الأرض تسيطر على البحر والدفاع يغلب الهجوم

في الحقيقة، بادرت روسيا ببناء منظومة قواعد أرضية دفاعية من أجل دعم أساطيلها البحرية، وذلك لسبب وجيه. فتماما كما فعلت الصين، تفطن الاستراتيجيون للنتيجة نفسها بعد حرب الخليج، حيث تبنوا سياسة المنظومة الدفاعية، التي تمنع العدو من الدخول أو تنفيذ هجمات أو المكوث في مناطق الصراع.

عموما، تتميز هذه الاستراتيجية البحرية بأنظمة صاروخية ودفاعات ساحلية تعكس قوة الأسطول البحري من دون أي نقاط ضعف، وبالتالي فإنها قادرة على لعب دور بارز في العمليات الساحلية. في الحقيقة عند خوض معركة ساحلية ستتمكن العديد من المنصات البرية المزودة بأنظمة "أي أس سي أم" و"أس أي أم" من دعم قوة هجوم الأساطيل البحرية بأسلوب ناجع جدا أو من هزيمة أساطيل العدو مما سيمنح الأسطول الرابض على الساحل الفرصة لسحق العدو بأسلوب فعال.

لترجمة كل هذه الحقائق إلى استراتيجية عمل بحرية، يرى واضعو الاستراتيجيات من أمثال واين هيوز وجيمس هولمز أن استراتيجية المنظومة الدفاعية التي تقوم بالأساس على "أسطول القلعة" ودعمها من خلال زرع الألغام، والغواصات، وبمساندة المنصات البرية، إلى جانب المنصات الأرضية "أي أس سي أم" و"أس أي أم" والأنظمة الإلكترونية الحربية، تعتبر من أكثر الاستراتيجيات الساحلية فعالية وأشد طرق الدفاع نجاعة في السيطرة على السواحل والبحار القريبة.

ما حدث أخيرا أثبت ميزة المنظومة الدفاعية. ففي تشرين الأول/ أكتوبر سنة 2016، واجهت بعض المدمرات الأمريكية ارليخ بروك سلسلة من الهجمات عن طريق نظام  "أي أس أم" الموجه من قبل الحوثيين، الذين تدعمهم إيران. وقد أثبت ذلك أن الدفاع عن السفن الحربية –حتى من الصواريخ العتيقة- مهمة مكلفة جدا.

في الواقع، أثبت هذه الواقعة في اليمن أن السفينة التي هوجمت كان من الممكن لها أن لا تصاب بأي خدش، ولكن التكاليف العالية لوضع نظام دفاعي ناجع قد يتجاوز قدرة بعض القوات البحرية على تأمين ذلك.

في الحقيقة، إن الرهانات عالية جدًا لدرجة أن لا أحد يمكنه المخاطرة واختصار الطريق.

من جانب نظري وعملي أظهرت المقاتلات البحرية أن قدرات السيطرة على البحر وتوجيه القوى وضرب الأهداف الأرضية صعب جدا في المناطق الساحلية نظرا لأنه يستلزم تركيزا كبيرا ومكلفا للقوة، خاصة على متن السفن الدفاعية "أي أي دبليو" المسلحة. وتعد هذه المشكلة الأكثر إلحاحا خاصة بالنسبة للأسطول التركي، الذي يملك موانئ وسواحل في مجال المنظومة الدفاعية الروسية.

بعيدا عن السفن البحرية والشؤون العسكرية، فالفقاعة الروسية تهدد سبل التجارة التركية. بالنسبة لتركيا التي يعتمد اقتصادها بشكل كبير على التجارة الخارجية، تمثل الأنظمة الحربية الروسية في سوريا، إن تركت من دون رقابة، خطرا وجوديا وشيكا جدا.

لماذا على تركيا تغيير أولوياتها البحرية؟

في مواجهة التحدي الروسي، تعتمد البحرية التركية على فرضيات مستمدة من العصر الذي كانت فيه تتميز بتفوق نسبي من الناحية الكمية والكيفية في البحر الأسود وبحر إيجه وغرب المتوسط.

في المقابل، تهدف الاستراتيجية البحرية التركية الحالية للدفاع عن أرض الوطن وتدمير أي تهديد قد يضر بحقوقها ومصالحها في البحار المحيطة. ومن هذا المنطلق، تتمحور أولويات البحرية التركية حول بسط سيطرتها على المناطق البحرية (بالرغم من أن أنقرة لم تقل إن كانت هذه السيطرة مطلقة أم محدودة)، ثم في مرحلة ثانية وثالثة فستكون مهمتها استعراض القوة وتوجيه ضربات بحرية لقوى أرضية، ثم في مرحلة رابعة منع العدو من الدخول إلى المناطق البحرية التي تسيطر عليها.

وانطلاقا من هذه الرؤية، قامت تركيا برسم الخطوط العريضة لمشاريع تحديث البحرية التركية. ففي الوقت الحاضر، تطمح تركيا لتشكيل قوة بحرية وفق رؤية ماهان عن الاستراتيجيات البحرية التي تغذيها النزعة للسيطرة على البحر واستعراض القوة، وذلك من خلال التخطيط لتطوير وبناء السفينة فرقاطة درجة أولى (وتوسعة سفينة فرقاطة صنف أدا) المزودة بحوالي 16 صاروخ مضاد للسفن (أي أس أم) درجة تي أف 2000 أي أي دبليو فرقاطة، واثنين من الأرصفة المعدة لهبوط الهيلوكوبترات (أل أتش دي)، التي تستمد تصميمها من حاملة الطائرات المقاتلة البرمائية الإسبانية خوان كارلوس درجة أولى (تكلفة الواحدة منها تقدر بمليار دولار وقادرة على حمل طائرة أف-35) بالإضافة إلى سفن حربية سريعة في أرض المعركة.

خلافا لذلك، سيكون على تركيا مواجهة هذا الواقع المرير. فقد ساهمت عملية نشر السفن الحربية الحديثة وسفن الشبح، التي يجري العمل بها، على غرار فرقاطات الأميرال غريغوروفيتش والسفن المعدلة من نوع بويان أم، والدفعة السادسة والأحدث من غواصات الديزل الكهربائية من نوع "فارشافيانكا"، في ترجيح كفة القوة البحرية لصالح روسيا.

علاوة على ذلك تعتزم روسيا إنشاء منظومتي دفاع غاية في القوة، حيث ستحاصر تركيا من الشمال والجنوب وتحد من قدرتها على المناورة على المستوى البحري والجوي. على هذا النحو، سيكون على تركيا إعادة تشكيل استراتيجياتها البحرية، وذلك من خلال إنشاء ترسانتها الخاصة المتعلقة بمنظومتي الدفاع، لكي تتمكن من إحكام سيطرتها على البحر.

بالنسبة للقوات البحرية التركية، يعتبر مشروع فرض السيطرة في البحر مكلفًا ومرهقًا للغاية، خاصةً في ظل المناطق الساحلية المحيطة بها وشكل البحر، الضيق وشبه المغلق. لذلك، وفي حال عجزت تركيا عن تحقيق انطلاقة مفاجئة من شأنها أن تمكنها من خلق التفرد في ما يتعلق بالتقنيات المضادة للصواريخ، كأسلحة الطاقة المباشرة، فسوف تتمكن استراتيجية المنظومة الدفاعية الروسية، خاصة مع قدرتها الكبيرة على شن هجمات مكثفة، من النيل من الدفاع البحري التركي المرتكز على السفن.

وفي الأثناء، هناك خبر سار يتمثل في أن تركيا قد تمكنت من تحقيق بعض التقدم في ما يتعلق بنظم الأسلحة التي يمكن استخدامها لإنشاء منظومة دفاعية. فلبعض الوقت، عمل الدفاع التركي على تطوير تقنيات مبتكرة وتركية الصنع لصواريخ من نوع أي أس أم وأي أل سي أم. في ما يتعلق بالنوع الأول، يهدف مشروع أي تي أم أي سي أي ("هوك")، الذي انطلق منذ سنة 2009، إلى تطوير هذا النوع بطريقة أصلية وبقدرات شبيهة بصاروخ هاربون بلوك، الذي من المقرر استبداله من على منصات السفن السطحية والغواصات التابعة للبحرية التركية.

أما في ما يتعلق بالنوع الثاني، يعتبر نموذج بي-1، الذي تملكه تركيا ضمن ذخيرتها من الصواريخ، قادرًا على تجاوز مسافة 180 كيلومترًا، بما يعادل 100 ميل بحري، ويأتي مجهزًا بأشعة تصوير تحت الحمراء، كما أنه يتميز بقدرته العالية والآلية في تعقب الأهداف، التي تمكنه من ضرب الأهداف المتحركة.

والجدير بالذكر أن القوات الجوية التركية قد دمجت بالفعل هذا النوع من الصواريخ في الطائرات ترمنيتور من نوع أف 4 إي 2020 وأف 16 بلوك 40. بالإضافة إلى ذلك، تعمل تركيا على تطوير نموذج مصمم خصيصًا ليتناسب مع الأجزاء الرئيسية الداخلية للطائرات من نوع أف 35.

قد تبدو هذه الابتكارات مثيرة للإعجاب، إلا أنها ليست كافية. والسبب في ذلك يعود إلى أن تركيا في حاجة إلى اكتشاف القدرة التكتيكية لتكنولوجيا صواريخ كروز بعيدة المدى وتجسيدها من خلال استراتيجية واقعية وفعالة من حيث التكلفة. وفي هذا الصدد، ينبغي على تركيا أن تستثمر في الصواريخ الساحلية، التي يصل مداها إلى 300 كيلومتر (حوالي 160 ميل بحري) وتطويرها، إلى جانب منصات الإطلاق المتحركة وأنظمة التتبع والاستحواذ على الهدف.

وبغض النظر عن تقنيات الجو بعيدة المدى والدفاع الصاروخي، أظهرت تركيا قدرتها على امتلاك التقنية اللازمة التي من شأنها أن تساعدها على تطوير وإنتاج أعداد كبيرة من صواريخ أي أس أم عالية الدقة.

بفضل موقعها الجغرافي، المهيمن على نقاط الاختناق التي تجمع البحر الأسود والبحر الأبيض المتوسط والسواحل الطويلة المطلة على البحار الضيقة وشبه المغلقة، ستكون الأسلحة البرية المتحركة ونظم الاستشعار دفعة كبيرة للبحرية التركية، وستكون خطوة لإنشاء دروع متكاملة مضادة للطائرات على نفس القدر من الأهمية. وفي الأثناء، وبفضل هذه المجموعة من الأسلحة والتقنيات، ستتمكن تركيا من حماية سواحلها من أي عدو يهددها ويحاول مضايقتها في بحر إيجة وشرق البحر الأبيض المتوسط، والنصف الجنوبي للبحر الأسود.

المنظومة الدفاعية: آخر خيار ممكن للارتداد في عالم تعمه الفوضى

بغض النظر عن نوايا روسيا، وعلامات التقارب الأخيرة بينها وبين وتركيا في سوريا، تملك تركيا أسبابًا أخرى تدفعها إلى الاستثمار في المنظومة الدفاعية.

من بين هذه الأسباب، التقدم التكنولوجي السريع الذي حققته تركيا والبيئة الإستراتيجية غير المؤكدة التي تدفعها إلى اختيار موقف حذر ودفاعي في المنطقة البحرية. علاوة على ذلك، ونظر لمخاوف تركيا من سياسة الولايات المتحدة المستقبلية وما سينجر عنها من تأثير على مستقبل منظمة حلف شمال الأطلسي، فضلًا عن الوضع الأمني الجديد الذي ستكون عليه الدول المجاورة لها، تجد أنقرة نفسها مطالبة بتطوير منظومتها الدفاعية عاجلاً ليس آجلاً. في الحقيقة، ستمكن هذه المنظومة تركيا من حماية المناطق البحرية والجوية التابعة للدول المحيطة بها التي من الممكن أن تعمل ضد مصالحها الوطنية.

بالإضافة إلى ذلك، ستسمح هذه المنظومة الدفاعية لتركيا بالرد على انتقادات ترامب التي وجهها لها خلال حملة الانتخابات الرئاسية، حيث دعا حلفاء منظمة الناتو للقيام بدور أكثر فعالية ضمن المنظمة، والتوقف عن الاعتماد الكلي على الولايات المتحدة. فضلا عن ذلك، ستمكن هذه الخطوة تركيا، وبمساعدة من حلفاء حزب شمال الأطلسي، من تعزيز قدراتها، وبالتالي دعم قوة حلفائها وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية.

في الوقت الراهن، ليس هناك أي جدوى من إعادة النظر في الوضع الذي آلت إليه العلاقات بين تركيا وشركائها في منظمة الناتو بعد الانقلاب الفاشل الذي شهدته في تركيا في سنة 2016. فعلى الرغم من أن الانتقادات التي وجهها الغرب لتركيا وسياستها وتلك التي توجهت بها تركيا ضد الولايات المتحدة وأوروبا، على إثر رفضها تقديم الدعم لأنقرة حتى تتمكن من حل مشاكلها الأمنية المنبثقة أساسا من الصراع في سوريا والعراق، تعتبر في محلها، سيكون على هذه الأطراف الموازنة بين التوترات التي تهيمن على علاقتها ببعضها البعض بطريقة تخدم مصالحها الاستراتيجية في البحر الأبيض المتوسط والقوقاز والشرق الأوسط.

بعبارة أخرى، يتعين على صناع القرار في كل من أنقرة وواشنطن وبروكسل والدول الغربية الأخرى التساؤل حول قدرتهم على خسارة مساندة بعضهم البعض، في الوقت الذي يعيش فيه العالم حالة متصاعدة من الفوضى والخطورة.

ستكون للمنظومة الدفاعية التركية أهمية أكبر في حال انهارت علاقات تركيا مع الغرب. فعلى سبيل المثال، في حال طفت النزاعات النائمة بين تركيا واليونان حول بحر إيجة وقبرص على السطح، من المرجح أن تتمتع البحرية اليونانية بدعم من القوات البحرية الأوروبية. وفي هذه الحالة، لن تستطيع المنصات البحرية التركية ردع الهجمات التي ستتلقاها. وفي السياق ذاته، من شأن هذه المنظومة الدفاعية منح تركيا الحماية التي تحتاجها للحفاظ على الممرات البحرية مفتوحة، وهو أمر تعجز المنصات البحرية التركية الحالية عن تحقيقه.

على ضوء هذه المعطيات، لا بد أن تنسحب تركيا من مشروع أل أيش دي، الذي تصل تكلفته إلى 2 مليار دولار والاستثمار في كل المجالات الكفيلة بأن تساعدها على إنشاء منظومة دفاعية. ومن هذا المنطلق، سيكون على تركيا مراجعة أولوياتها البحرية والتركيز أولًا وقبل كل شيء على إنشاء مناطق ردع في البحار المجاورة، بدلًا من بناء قدرات هجومية مكلفة مع فعالية مشكوك فيها.. وكما قال سون تزو، "المحاربون الماهرون يجعلون أنفسهم أقوياء في الأول ثم ينتظرون لحظة الضعف لدى العدو".

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس