سعيد الحاج - عربي 21
بعد 998 يوما من ابتعاده عنه وفق الدستور التركي قبل تعديله، عاد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان البارحة إلى رئاسة العدالة والتنمية في مؤتمره الاستثنائي الثالث، بعد أن كان عاد لعضوية الحزب الذي أسسه وقاده لسنوات طويلة في الثاني من الشهر الجاري، بعد التعديل الدستوري المستفتى عليه الشهر الفائت والذي أتاح لرئيس الجمهورية عضوية أحد الأحزاب السياسية.
أراد العدالة والتنمية للمؤتمر الاستثنائي، الذي حمل شعار "مرحلة نهضة جديدة: ديمقراطية - تغيير - إصلاح"، أن يكون كرنفالاً احتفاليا بعودة قائده المؤسِّس الذي بقي "زعيمه الطبيعي" حتى في ظل غيابه القانوني بعد انتخابه رئيسا، وأن يكون كل شيء استثنائياً، التنظيم والحضور والفعاليات. فقد فاق عدد الحاضرين 100 ألف مشارك بين مندوبي تنظيم الحزب وكوادره وأنصاره وممثلي الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني والإعلاميين والضيوف الأجانب، وهو عدد تخطى كثيراً كل المؤتمرات السابقة، فضلاً عن الأجواء الاحتفالية الواضحة.
كان من بين الحاضرين رئيس الوزراء والحزب السابق أحمد داود أوغلو ونائب رئيس الحكومة السابق بولند أرينتش والوزير السابق علي باباجان، بينما اكتفى الرئيس السابق عبد الله غل ببعث رسالة تليت على المؤتمرين، مما أعطى إشارات إيجابية مؤقتاً على المشهد الداخلي للحزب بعد عدة تجاذبات سابقة.
قدم الحزبُ أردوغان مرشحاً وحيدا، وفاز بأصوات 1414 مندوبا من أصل 1470. في كلمته، قدم الرئيس القديم - الجديد للحزب شرحاً مطولاً ومستفيضاً وموثقاً بالأرقام لإنجازات حكومات العدالة والتنمية المتتالية منذ 2002 وأهم العقبات التي واجهته خلال مسيرته وآخرها المحاولة الانقلابية الصيف الماضي، واعداً بالمزيد من العمل والإنجاز مستقبلا.
ولئن تضمنت كلمة الرئيس التركي إصراراً واضحاً على مكافحة "المنظمات الإرهابية" سيما التنظيم الموازي ورفضاً لإنهاء حالة الطوارئ قبل أن تستوفي مهمتها وتعود الأمور لطبيعتها، إلا أن الرسائل الأهم في المؤتمر والكلمة ارتبطت بالبيت الداخلي للحزب.
فقد أقر المؤتمر تسعة تعديلات على النظام الأساسي للعدالة والتنمية، أهمها استحداث منصب "وكيل" أو نائب لرئيس الحزب ليشغله رئيس الحزب السابق ورئيس الوزراء بن علي يلدرم إضافة لإدخال "رباعية" أو "رابعة" الرئيس التركي وهي شعار "شعب واحد، علم واحد، وطن واحد، ودولة واحدة" في النظام الأساسي.
انتخب المندوبون أيضاً أعضاء "لجنة القرار والتنفيذ المركزية" الجدد، وهي أعلى مرجعية لاتخاذ القرار في الحزب وتتكون من 50 عضواً. خرج من اللجنة السابقة 19 عضواً وانضم 18 عضواً جديداً رفقة الرئيس السابق بن علي يلدرم (في منصب الوكيل) إلى اللجنة الجديدة، بنسبة تجديد تقارب الـ%40. ولئن ضمت اللجنة الجديدة طالبتين جامعيتين تحت سن 25 عاماً لأول مرة، إلا أن عدد النساء فيها تراجع من 15 إلى 9 فقط. وينتظر أن يختار الرئيس الجديد من بين الـ50 تشكيلة مساعديه الذين سيشكلون مع نواب رئيس الكتلة البرلمانية للحزب ورئيسيْ فرعَيْ الشباب والمرأة في الحزب "اللجنة التنفيذية المركزية".
أبرز من غادروا لجنة الحزب المركزية نائبُ رئيس الوزراء ويسي كايناك ووزير العمل محمد مؤذن أوغلو والناطق باسم الحزب ونائب رئيسه ياسين أقطاي واثنين آخرين من نواب رئيس الحزب، بما يعني احتمال تقلد بعضهم حقائب وزارية في التعديل الحكومي المرتقب، بينما كان أبرز المنضمين لها وزير الداخلية سليمان صويلو في ظل غلبة الشباب على الأعضاء الجدد.
ولا يبدو أن التغيير سيبقى محصوراً في شعار المؤتمر وتركيبة اللجنة المركزية، بل سيتعداهما إلى كل هيئات الحزب وفروعه في مختلف المحافظات إضافة إلى البلديات والمحليات، وهو أمر متوقع أعطى اردوغان إشاراته الواضحة خلال كلمته في المؤتمر، فضلاً عن تعديل وزاري متوقع قريباً. وهو ما يعني أن عودة اردوغان لقيادة العدالة والتنمية ستكون شارة البدء بعملية تجديد واسعة جداً في كل هيئاته ومؤسساته، في ظل رغبة واضحة لإعطاء فرصة أكبر للشباب.
ويبدو أن اردوغان يقسم الفترة الزمنية حتى بدء تطبيق النظام الرئاسي نهاية 2019 إلى ثلاث مراحل، الأولى حتى نهاية السنة الحالية وستتخللها كل التعديلات داخل الحزب والحكومة وسيقدم خلالها الرجل خطة تنفيذية من ستة أشهر، ثم تمتد الثانية على طول 2018 وتشمل عدة ملفات ستعمل عليها الحكومة بين الإصلاحات القانونية والتنمية الاقتصادية وغيرها، ثم يكون حصاد كل ذلك في المرحلة الثالثة عام 2019 وهو عام الانتخابات، حيث تجرى الانتخابات البلدية/المحلية في آذار/مارس والرئاسية والبرلمانية (متزامنتين) في تشرين الثاني/نوفمبر منه.
وعليه، يمكن اعتبار مؤتمر حزب العدالة والتنمية الاستثنائي صفارة البداية لاستعدادات الحزب بقيادة أردوغان لعام 2019، الذي سيشهد سريان النظام الرئاسي فعلياً بما يعنيه ذلك من تحديات جديدة أمام الحزب وتركيا، وبما يعنيه أيضاً من صعوبة الانتخابات حينها كما أشار اردوغان في كلمته، مما يستوجب ترتيب البيت الداخلي وجمع كلمة الحزب والعمل على التجاوب مع رسائل ودلالات الاستفتاء الشعبي الأخير على التعديل الدستوري رغم انتصار الحزب فيه.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس