جلال سلمي - خاص ترك برس
في البداية، عندما اشتعل فتيل الأزمة في الخليج، اختارت الحكومة التركية طريق البقاء على موقفٍ متوازن يدعو الدول الخليجية إلى ضبط النفس، ويقدم تركيا على أنها دولة تسعى للعب دور الوسيط لحل الأزمة. لكن لم يبقَ الموقف التركي على ذلك، وسرعان ما تحول إلى موقف الدولة الداعمة لقطر سياسياً وعسكرياً واقتصادياً.
وعند الوقوف على حيثيات الموقف التركي يصبح السؤال الذي يجب طرحه؛ ما هي الأسباب التي دفعت تركيا للتحرك نحو تقديم الدعم المفتوح لقطر؟
يمكن اعتبار استمرار الدول الخليجية التي تقاطع قطر في التصعيد السبب الأول والأساسي لاختيار تركيا طريق الاصطفاف إلى جانب قطر، لكن مع الإبقاء على استعدادها في التوسط بين الأطراف المتنازعة التي تضم قطر التي أكدت لها تركيا استعدادها للوقوف إلى جانب حليفها الاستراتيجي، والدول الخليجية الأخرى التي خاطبتها تركيا عبر التلميح باستعدادها الدائم للتوسط، واستخدمت أداة ضغط دبلوماسية واقتصادية تحول دون مقاصدهم في حال أصروا على المقاطعة، ويوجد تحرك استباقي يكبح "تدويل" الأزمة.
أيضاً، لا شك في أن فشل قمة الرياض في الخروج بمعادلة إقليمية توجه دول المنطقة نحو محاربة الإرهاب، وتخفيف نفوذ إيران المتفاقم في المنطقة، دفع تركيا التي قيّمت نتائج القمة على أنها تصب في صالح المحور السعودي الإماراتي، نحو مقاومة هذه التحركات التي تضر بمصالح سياستها الخارجية والتي تتوافق مع قطر إلى حدٍ كبير. وانطلاقاً من هذا الطرح، كان لا بد من التحرك للحفاظ على تحولات أو توازنات المنطقة، لا سيما في سوريا وليبيا، لصالحها.
إلى جانب الاتفاق العسكري الذي يفرض على تركيا تقديم العون العسكري إلى قطر، يعد عنصر امتلاك قطر قوة ناعمة هائلة عادت على تركيا بالفائدة الكبيرة الملموسة، عبر الإعلام والاستثمارات الاقتصادية وغيرها، محركاً أساسياً لتركيا التي رفعت، منذ بداية ثورات "الربيع العربي"، لواء التحدي لإملاءات الدول الأخرى، الأمر الذي عرضها لهجمات دبلوماسية وإعلامية واقتصادية من قبل هذه الدول، وجعلها تبحث عن مساند قوي في سبيل صد هذه الهجمات التي تشوه هويتها. وقد أدت قطر هذا الدور بكل تفانٍ.
وفي ضوء ذلك لا يمكن إغفال حجم الضغط الشعبي الذي تعرضت له الحكومة التركية، حيث فتح المواطنون الأتراك عدة أوسمة على تويتر داعمة لقطر ولسياساتها، مطالبين حكومتهم بذل كافة الجهود لإنقاذ قطر من هذه الحملة التي تستهدف محور تركيا "المقاوم للظلم الدولي الانتهازي".
وفي السياق ذاته، لعب التاريخ دوره في توجيه الحكومة والشعب تجاه تقديم الدعم لقطر التي تعتبر الدولة العربية الوحيدة التي رفضت التحالف مع بريطانيا، واستمرت في تحالفها مع الدولة العثمانية حتى الرمق الأخير.
في الختام، ترى تركيا في قطر الدولة التي ترغب في رسم سياسات مستقلة عن سياسات الدول الخاضعة لإملاءات الولايات المتحدة بغض النظر عن كونها، أي هذه الإملاءات، ملائمة للمصلحة العامة أم لا، وهو على ما يبدو ما يجعلها ترى أن موقفها من الأزمة موقف مصيري.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس