محمود أوفور - صحيفة صباح - ترجمة وتحرير ترك برس
تستمر الجهود التركية لمكافحة منظمة "غولن" في كل دول العالم، إلا أن الأهم هو الوضع الذي في الولايات المتحدة الأمريكية، كونها هي التي تحمي هذه المنظمة وتدافع عنها وتحتضن زعيمها على أراضيها. كانت هناك الكثير من التوقعات في هذا الشأن من ترامب وفريقه، إلا أن الصراع الداخلي في السلطة الأمريكية حال دون هذه التوقعات وأدى إلى فشلها. إذ خسر ترامب واحداً من أهم رجاله بسبب هذا الأمر، وهو مايك فلين الذي وصف فتح الله غولن بأنه "بن لادن آخر".
حالياً يتم التحقيق مع "فلين" بسبب تصريحه هذا ولعلاقاته مع تركيا. كما أن هناك شخصية هامة تلعب دوراً محورياً في هذا التحقيق، إنه طوني بوديستا... وقبل الخوض في الحديث المفضل، دعونا نلق نظرة على الخبر التالي الذي نُشر في وسائل الإعلام الأمريكية خلال الفترات الماضية: "طوني بوديستا مؤسس مجموعة شركات ’بوديستا‘ صاحبة الفعاليات اللوبية المقربة من الديمقراطيين في الولايات المتحدة الأمريكية، أعلن استقالته من منصبه عقب تورط شركته في التحقيقات الخاصة بروسيا."
يبدو في الوهلة الأولى وكأنه خبر عادي وغير مهم، إلا أنه بمثابة خطوة كبيرة في الولايات المتحدة من حيث الجهود التركية في مكافحة منظمة "غولن" الإرهابية... لأن اسم "بوديستا" يأتي على قائمة الأشخاص الذين لهم دور كبير في الحفاظ على فتح الله غولن في الولايات المتحدة، فضلاً عن شقيقه "جون بوديستا" قائد الحملات الانتخابية للمرشحة الأمريكية هيلاري كلنتون. هذان الشقيقان يعملان عبر شركتهما "بوديستا كروب" على القيام بفعاليات لوبية داخل أمريكا لصالح منظمة "غولن" الإرهابية.
وعقب فوز الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب بالسلطة، عمل الشقيقان على إلحاق الضرر بترامب من خلال علاقاته مع روسيا في الوهلة الأولى، ومن ثم مع تركيا لاحقاً. ومن أجل تحقيق الضرر ضد ترامب، كان لا بد بحسب هؤلاء، من تفعيل قانون أمريكي قديم يقضي بتسجيل الجاسوس الأجنبي "قانون فارا". ووفقاً لهذا القانون، يتوجب على أية شركة تقوم بتقديم خدمات لوبية إلى دول أجنبية، إبلاغ وإشعار السلطات الأمريكية بذلك. وتم تكليف "روبرت مولر" النائب العام ذو الصلاحيات الخاصة، كمسؤول عن التحقيقات المتعلقة بروسيا. الأمر الذي أدى إلى إخضاع العديد من الشخصيات المقربة من ترامب للتحقيق.
وحصل كل الذي حصل بعد هذه الخطوة. إذ لاحظ النائب العام "مولر" خلال تحقيقاته، قيام شركة "بوديستا جروب" مع شركة "ماركوري" للعلاقات العامة، بفعاليات لوبية داخل الولايات المتحدة بين عامي 2012-2014 وذلك لصالح حملة "المركز الأوروبي لأوكرانيا الحديثة". وجنت شركة "بوديستا جروب" أرباحاً مقابل هذه الفعاليات قدرت بـ 1.2 مليون دولار، إلا أنها لم تبلغ السلطات الأمريكية بهذا الأمر في التوقيت المناسب. لذا فإن التحقيقات شملت "طوني بوديستا" أيضاً.
على إثرها استقال بوديستا لحماية شركته إلا أن هذا الأمر شكل بداية نهايته... كراهية أتباع ترامب ضد "بوديستا" هذا تعادل كراهية أتباع هيلاري كلينتون ضد "مايك فلين" في الولايات المتحدة. ويُنظر إلى مسألة ضم "بوديستا" إلى التحقيقات الجارية على أنها ضرب من العدالة الإلهية ويُقال بأنه "وقع في حفرته التي حفرها بنفسه. فشل "بوديستا" في السيطرة على العملية التي كان من أكبر المساهمين في إطلاقها، إذ أظهرت التحقيقات أنه من أكثر المنتهكين لقانون "فارا".
ما يهم تركيا في هذا الموضوع، هو العلاقة العميقة بين الشقيقين "بوديستا" ومنظمة "غولن" الإرهابية... إذ أن طوني بوديستا يُعتبر العقل الاستراتيجي لمنظمة "غولن" الإرهابية في الولايات المتحدة الأمريكية، فضلاً عن علاقاته مع وكالة الاستخبارات الأمريكية "سي آي إيه". فقد صادف لجوء "غولن" إلى الولايات المتحدة، المرحلة التي كان فيها جون بوديستا رئيس طاقم البيت الأبيض لدى الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلنتون. ومع مرور الزمن، زادت العلاقات بينهما عمقاً وقرباً إلى أن تولى جون بوديستا فيما بعد رئاسة الحملة الانتخابية لهيلاري كلنتون. وساهم أتباع "غولن" في الولايات المتحدة، بتقديم تبرعات انتخابية وصلت قيمتها إلى 40 مليون دولار على الأقل لتأمين فوز هيلاري كلنتون بالرئاسة الأمريكية. لكن الأهم من بين كل ما فعله جون بوديستا، هو محاولاته لتحسين سمعة وصورة منظمة "غولن" عقب المحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا صيف 2016.
خلاصة الكلام، انطلاق التحقيقات بحق الشقيقين "بوديستا" يعتبر ضربة كبيرة ضد العقل الاستراتيجي لمنظمة "غولن" في الولايات المتحدة، هذا إن لم تؤدي التحقيقات إلى إنهاء هذا العقل وإزالته من الوجود تماماً. لذا على أنقرة استغلال هذه الفرصة جيداً وتسخيرها لصالحها.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس