م.معن الشيخ - خاص ترك برس
يصف السياسيون ثورة الياسمين في تونس عام 2011 أنها الاستثناء العربي في سرعة التحول إلى الديمقراطية وتفعيل المؤسسات الدستورية وتثبيت مبدأ تداول السلطات عبر صناديق الاقتراع ، كما يصفونها بأنها الأوفر في خسارتها الأقصر في مدتها مذ انطلقت شرارتها لتحرق جسد البوعزيزي وحتى نهاية الأسابيع الأربعة التي تلت وانتهت بهروب بن علي ، تحولت تونس بعد بن علي إلى الديمقراطية واختارت والشارع الثوري فيها "حركة النهضة" لتشكيل الحكومة الأولى وحركة النهضة هي حزب سياسي معارض تأسس في العام 1989 م يعبر عن التيار الإسلامي في تونس يقوده راشد الغنوشي وعبد الفتاح مورو اللذان اختارا الديمقراطية ونبذ العنف منهجاً لحركتهم على طريقة حزب العدالة والتنمية في تركيا ، نجح الشارع الثوري في تونس آنذاك في منع أركان النظام السابق من خوض الحراك السياسي الديمقراطي لتنفرد به حركة النهضة لكن هذا لم يدم طويلا لأنه يتناقض مع مبدأ الديمقراطية والتصالح الذي اختارته الثورة نفسها ، وماكادت سنة 2012 تنتهي حتى استطاع الباجي السبسي الوزير السابق في حكومتي بورقيبة وبن علي ، وبحجة انفراد النهضة بالحكم أن يجمع فلول نظام بن علي والطبقة الرمادية في تونس وبعض الأحزاب اليسارية ليشكل " حركة نداء تونس" التي استطاعت بالديمقراطية تحقيق الأغلبية – وساعدها في ذلك الدعاية اللتي رافقت الانقلاب في مصر والانفلات في ليبيا- فعادت مرة أخرى تحكم تونس وعاد السبسي ممثل الدكتاتوريات السابقة وفساد أركانها رئيسا لتونس حتى اليوم؟! .
أبرز ما أريد أن أشير له في هذه الأحداث هو التحالف الذي جمع النقيضين (النهضة ونداء تونس) والذي عبروا عنه بوثيقة تحدد أولويات الحكومة التي تشاركوها سموها "وثيقة قرطاج" إذ أن هذه الوثيقة تعبر عن أن الاختلاف في المبادئ والأهداف في ظل الديمقراطية يمكن أن تجمعه المصلحة وان هذه المصلحة لابدّ أن تكون الدافع والمحرك للحفاظ على الديمقراطية التي لن تتحقق بدون " تنازلات بسيطة " تقدّمها الأطراف لتكون مؤشرًا على انفتاحهم على العصر بحسب زعمهم ، وهذا ما استسلمت له حركة النهضة بعد أن كانت ومعها الشارع الثوري تهتف ضد نداء تونس " لا رجوع لا رجوع لعصابة المخلوع " ؟!! ، إن ما يبدو في تونس عرسًا ديمقراطياً بامتياز ورغم كل أصوات الطبل والزمر فيه وله وكل الزينة التي أسبغها عليه المحللون فشل في إخفاء صوت صرخات تونس اللتي تهتف " التشغيل استحقاق ياعصابة السراق " !!
فقد مضى اليوم على هذا العرس الديمقراطي سبع سنوات تقريبا تعاقب فيها على حكم تونس ثلاثة رؤساء وسبع حكومات كان أبرز التحديات أمامها جميعا هو الوضع الاقتصادي عامة، ونسبة البطالة وغلاء الأسعار بشكل خاص باعتبار أنّ هذه الطلبات هي أصلاً السبب المباشر للثورة ، غير أن الأرقام تتحدث عن كارثة مازالت تتضخم في تونس؟! إذ أنه خلال عمر هذه الحكومات ومذ حقق الخصوم شراكتهم ارتفع حجم الدين العام ليصل إلى 21مليار دولار سنة 2016 وهو ما يعادل 75% من إجمالي الناتج المحلي أي أن تونس تغرق في الديون تستهلك معظم انتاجها وعلى الرغم من هذا مازالت حكومة نداء تونس وشركائها مستمرة في سحب الدعم اللازم لوجودها حتى صار اليوم صندوق النقد الدولي هو حاكم مؤسسات تونس الفعلي ؟!
في الوقت الذي ارتفعت فيه نسبة البطالة في تونس إلى 17% في العام 2016 منها مانسبته 30% من حملة الشهادات الجامعية ، ولعل هذا الواقع الذي تحاول الديمقراطية أن تخفيه بطبلها وزمرها هو ما يفسر تسجيل 8 آلاف مظاهرة احتجاج في العام 2017 لوحده بحسب (المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية ) ، لقد صار واضحاً و جلياً أن" الفساد" الذي عاد باسم الديمقراطية و" التنازلات البسيطة" في سبيلها هو من فتح الباب على مصراعيه لكل هذه الفوضى التي تعيشها تونس، وإنه حتى وإن حصل تغيير سياسي ديمقراطي يؤدي إلى تراجع الفاسدين ويدفع بالكفاءات اليوم فإنّ هذه الكفاءات ستكون أمام جدار سداد الدين العام الذي أغرقوا تونس فيه من جهة وسوط النقد الدولي الذي استحقت مواعيد سداد مستحقاته الضخمة من جهة اخرى ليكون الشركاء أمام أحد حلين : أما اقتطاع الموازنة المخصصة للتنمية لسداد العجز وهو ما سيتسبب في تراجع دخل الناتج المحلي لتصبح تونس مجرد " شركة" تعمل لحساب صندوق النقد ، أو أن تتوجه الحكومة إلى طلب إعادة جدولة الدين العام على سنين أطول يستمر فيها ذات الحال .وفي الحالتين فإن الواقع الاقتصادي للناس والغضب فيها لن ينتظر كل هذه السنين لتتحقق الموازنة التي يطمح اليها عشاق الديموقراطية وبالتالي فإنّ كل المؤشرات اليوم تنذر بثورة أخرى في تونس لن تكون لأربعة أسابيع هذه المرّة ولن تفضي إلى ديمقراطية بل ستحيل تونس إلى الفوضى .....ذات المشهد في تونس تكرر في مصر واستفحل في العراق وتفرقت عليه ليبيا ومازالت طبوله وزماميره تسحر الشارع السياسي في الثورة السورية ؟!.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس