إبراهيم كالن - ديلي صباح - ترجمة وتحرير ترك برس
ما يزال قرار واشنطن نقل سفارتها إلى القدس يسبب الأذى والمعاناة، ففي 14 مايو/ أيار قتل الجنود الإسرائيلون 62 فلسطينيا وجرحوا المئات. لذا فإن هذا القرار أنهى إلى حد كبير دور إدارة دونالد ترامب في عملية السلام في الشرق الأوسط.
لقد قضى هذا الإجراء الأمريكي أيضا على ما تبقى من أمل في حل الدولتين، ذلك أن إدارة ترامب تقدم دعما لا محدودا لسياسة إسرائيل القائمة منذ أمد طويل والمتمثلة في "خلق حقائق على الأرض" ثم الاستيلاء على المزيد من الأراضي الفلسطينية لأسباب أمنية، وما تسميه إسرائيل احتباجات "النمو الطبيعي". هذه العقلية لم تأخذ في الحسبان أمن الشعب الفلسطيني وحريته وازدهاره، تتوقع أن يقبل الفلسطينيون الاحتلال الذي دام 70 عامًا دون أي مقاومة أو احتجاج. وما من قصة سياسية في العصر الحديث تضاهي في مأساتها وتعرضها للنفاق قصة فلسطين تحت الاحتلال.
لا يؤمن كثيرون أن الولايات المتحدة كانت وسيطاً نزيهاً في عملية السلام في الشرق الأوسط في المقام الأول، وكان قرار ترامب بنقل السفارة إلى القدس المسمار الأخير في نعش عملية السلام. لا يرغب الفلسطينيون- وهم على حق في ذلك- في التعامل مع الإدارة الأمريكية، إذ لم تعطهم إدارة ترامب أملا ولا تشجيعا ولا دعما أو أي شئ يدعوهم للبقاء في المفاوضات. وعلى مدى شهورقال مسؤولون في إدارة ترامب ترامب إنهم يعملون على إعداد خريطة طريق جديدة للسلام، دون أن يذكروا أي تفاصيل. ولكن تبين، فيما بعد، أن خريطة الطريق الوحيدة التي ظهرت حتى الآن هي الطريق التي من المتوقع أن تنتهي بصدام يمكن أن يشعل النار في المنطقة بأسرها. ربما يكون قرار نقل السفارة إلى القدس قد حقق المعتقدات اللاهوتية الغريبة لدى بعض الأمريكيين الإنجيليين والصهاينة، لكنه تسبب في أضرار هائلة.
إن ما يسمى بالنظام العالمي الليبرالي الغربي وحكوماته إما صامت أو عاجز تمامًا عندما يتعلق الأمر بالاحتلال الإسرائيلي، ويقبل أي ادعاء إسرائيلي، ويصوغ سياساته وفقاً لإملاءات اللوبي الإسرائيلي في بلدانه. وهؤلاء ليس لديهم رغبة أو شجاعة في مواجهة الحكومتين الأمريكية والإسرائيلية، ومحاسبتهما عن أعمالهما غير المسؤولة والاستفزازية والإجرامية، ولا يريدون سوى أن تختفي المشكلة الفلسطينية. لقد تم تجاهل قرارات الأمم المتحدة التي لا تعد ولا تحصى والتي تدين الاحتلال الإسرائيلي، ولا يوجد مثل إسرائيل بلدٌ آخر أو قوة احتلال في العالم انتهكت هذا العدد الكبير من قرارات الأمم المتحدة.
وفي ضوء الواقع السياسي على الأرض، ستواصل إسرائيل سياسة اقتطاع الأراضي ،وستواصل استراتيجيتها لمحو الشعب الفلسطيني من أراضيه، بينما تتمتع بالحصانة من العقاب. وبينما يلعب رئيس الحكومة الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بورقة "إسرائيل على حافة الدمار"، فإن الفلسطينيين هم الذين يواجهون خطر الإبادة على يد الآلة العسكرية لدولة عنصرية بكل وحشيتها وعنصريتها. وفي الواقع لا يستخدم كثير من الإسرائيليين كلمة "فلسطيني" لأنهم لا يعترفون بالفلسطينيين بوصفهم مجموعة من البشر.
لا يستطيع نتنياهو تغطية جرائمه ومشاكله الداخلية بالهجوم على الرئيس، رجب طيب أردوغان. صحيح أنه يتمتع بصمت المجتمع الدولي وتشرذم العالم العربي وفتوره، لكنه لا يستطيع أبدا كسر إرادة الشعب الفلسطيني ودعم تركيا له. يهاجم نتنياهو الرئيس أردوغان؛ لأن أردوغان هو القائد الوحيد الذي يملك الإنسانية والشجاعة لإدانة العنف الإسرائيلي ووصفه بأنه مذابح منظمة لشعب يعيش تحت الاحتلال. إن أردوغان زعيم منتخب ديمقراطياً ينتقد إسرائيل بقوة لجرائمها ضد الشعب الفلسطيني.
وكما يحدث في كثير من الأحيان، فإن الحقيقة تكون أول ضحية للحرب. أخفقت كثير من وسائل الإعلام الأوروبية والأمريكية من جديد، في قول الحقيقة حول العنف المستمر، وجاءت عناوينها من قبيل "مقتل العشرات في غزة"، دون أن يشير أي منها إلى الوحشية الإسرائيلية والقتل العمد ، وكما لو أن الفلسطينيين ماتوا في كارثة طبيعية أو وباء. تساوي وسائل الإعلام الغربية بين القاتل والمقتول، وتتبنى رواية "الصدام والمواجهة" التي لا تسهم سوى في مساعدة المسؤولين الإسرائيليين على الترويج الوقح للعنف ضد شعب أعزل. لكن هذا ليس شيئا جديدا، فهذه القصة تظهر باستمرار في كل مرة تشن فيها إسرائيل هجوما على الفلسطينيين الذين لا يجدون صوتا يدافع عنهم، ومن ثم يكونون هم الضحية مرتين: يقتلون على يد دولة عنصرية، ويتهمون بالتطرف العنيف والإرهاب. يجبر الفلسطينيون على العيش في ظل الاحتلال في أراضيهم، لكن لا يُنظر أبداً إلى حقهم في المطالبة بأراضيهم، وهم يتعرضون للتمييز والإذلال والطرد يوميا ولكنهم متهمون بمعاداة السامية. تسعى التغطية الإعلامية الغربية للاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، في جزء كبير منها، إلى تبرير أعظم قصة للظلم والوحشية في التاريخ الحديث.
لنتخيل فقط كيف سيكون رد فعل العالم إذا كان من قتلوا في 14 مايو وبلغ عددهم 62 شخصا هم إسرائيليون وليسوا فلسطينيين. لو كان ذلك قد حدث، لكان له وقع الصاعقة وليس مجرد حكاية إخبارية، وكان من الممكن أن يغير معالم السياسة الإقليمية والدولية، ولفعلت الحكومات الغربية أقصى في وسعها لمعاقبة المسؤولين، ولكان من الممكن أن تحشد الجيوش. ولكن شيئا من ذلك لم يحدث لأن الضحايا كانوا فلسطينيين والجاني هي إسرائيل التي تدعي، رغم أنها تمتلك الجيش الأكثر دموية في الشرق الأوسط، ورغم الدعم الأمريكي المطلق، أنها تخشى على وجودها من الأطفال والنساء الذين يلقون الحجارة. لا يملك الفلسطينيون في الواقع شيئا آخر للدفاع عن أنفسهم وعائلاتهم وعجائزهم ومنازلهم وحقولهم وحياتهم وكرامتهم.
وفي ضوء هذه الاعتبارات، دعت تركيا إلى عقد قمة استثنائية لمنظمة التعاون الإسلامي لاستنفار الدول الإسلامية للدفاع عن الفلسطينيين ضد العدوان الإسرائيلي. اتخذت تركيا عددا من التدابير الأخرى ردا على ذلك، فأعلنت الحداد ثلاثة أيام، واستدعت سفراءها في واشنطن وتل أبيب، وعقدت جلسة طارئة للبرلمان التركي.
بسبب السياسات غير المسؤولة والشعبوية التي تنتهجا إدارة ترامب ونتنياهو، لم يكن السلام بعيدا عن التحقيق مثلما هو الحال اليوم. يجب على الدول الإسلامية والأوروبية والأفريقية والدول الآسيوية ودول أمريكا اللاتينية أن تتضافر لوقف الانتهاك الصارخ للقانون الدولي من قبل إسرائيل، والعقاب غير العادل للفلسطينيين.
المشكلة هي الاحتلال، ومن دون إنهائه ، لن يكون هناك سلام ولا أمن ولا رخاء لأحد.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس