مجاهد الصوابي - خاص ترك برس
ما أن تبدأ العشر الأواخر من رمضان إلا وتجد عددا كبيرا من أبناء الجاليات العربية يسعون للتفرغ للعبادة والتقرب الى الله، لا سيما المصريين واليمنيين والسوريين والفلسطينيين وغيرهم كثير يتوجهون إلى مساجد إسطنبول للاعتكاف في تلك العشر المباركات، لكي يتحروا ليلة القدر وما لها من فضل عظيم خير من ألف شهر... إذ إنهم اعتادوا على ذلك في بلدانهم، الأمر الذي شجع رئاسة الشؤون الدينية في تركيا على الإعلان عن تخصيص أكثر من ألف مسجد للاعتكاف في مختلف الأنحاء.
ومقصد غالبية العرب في قلب إسطنبول القديمة هو مسجد "شاه زاده" المسجد التاريخي الأشهر في إسطنبول، والذي يستقبل خلال العشر الأواخر من رمضان بصفة عامة وفي ليلة القدر -على وجه الخصوص- الآلاف من المصلين العرب والأتراك الذين يتحرون ليلة القدر في ليلة 27 رمضان.
مسجد شاه زادة الذي يمتلئ عن آخره بمئات المصلين من الرجال والنساء والشباب والفتيات، وحتى الأطفال الذين يرافقون عائلاتهم أثناء صلاة التراويح والتهجد في صحن المسجد، يتحول إلى أشبه بخلية نحل طوال ليل العشر الأواخر منذ يتناول جميع المعتكفين طعام الإفطار أول الليل ثم يمثلون لصلاة العشاء والتراويح والتهجد حتى وقت طعام السحور في آخر الليل، ثم يؤدون صلاة الفجر بعد تلاوة جزء من القرآن.
وبعد الفجر يخلد البعض إلى النوم من الإجهاد، بينما يواصل البعض الآخر الذكر والتسبيح حتى شروق الشمس ثم يصلون الضُحى قبل أن يخلدوا إلى النوم في الأماكن المخصصة للاعتكاف من قبل إدارة المسجد.
"ترك برس" تجول بين المعتكفين واستطلع آراءهم حول اختيارهم لمسجد شاه زادة على وجه الخصوص من بين المساجد المنتشرة في كافة أنحاء إسطنبول وجاءت إجاباتهم متنوعة وتحمل الكثير من المعاني التي يشعر بها المواطنون العرب في المجتمع التركي من مشاعر الأخوة والدفء والأجواء الإيمانية والروحية التي افتقدوها في بلادهم نتيجة الغربة.
بداية يقول حامد زوني من سوريا ويقطن في منطقة مندريس، إنه جاء إلى مسجد شاه زاده لأنه مليء بالكثير من المصلين الذين يؤدون صلاة التراويح بخشوع واطمئنان حيث يقرأ الإمام جزء كامل في صلاة التراويح طوال شهر رمضان وخاصة في العشر الأواخر الامر الذي يتمتع معه الإنسان بأجواء إيمانية عالية.
وتقول طالبة الماجستير الفلسطينية إيمان أبو سعده، والتي تدرس ماجستير الهندسة بجامعة قدير هاس التركية إنها جاءت إلى الصلاة والاعتكاف في مسجد شاه زادة مع زميلتها روفيدة أبو تيتي التي أكدت أنها انبهرت بالأجواء الإيمانية الموجودة في المسجد وطابعه المعماري الذي يحمل في طياته عبق التاريخ الممتد لسلاطين الدولة العثمانية في منطقة السلطان محمد الفاتح حيث موقع المسجد الجغرافي المتميز.
في حين تقول فريدة مطر الطالبة المصرية، إن أجواء اللمة العربية التي تشعر بها في مسجد شاه زاده وكأنها في الحرم حيث تنوع الجنسيات المختلفة من عرب وأوربيين وآسيويين وهنود وأفارقة والجميع تجمعهم معاني إيمانية مشتركة في أثناء صلاة التراويح والتهجد في المسجد وسط المئات من مختلف الجنسيات.
وأضافت، أن المسجد به مساحات خضراء كبيرة تضفي جوا اجتماعيا إضافيا إلى الصلاة في تناول الاسر العربية مع أبنائها طعام الفطور والسحور في تلك الحدائق المحيطة بالمسجد أو في صحن المسجد، و"كلها أجواء رمضانية رائعة تعوضنا بعضا مما افتقدناه بغيابنا عن بلادنا بعد انقلاب الثورة المضادة على ثورات الربيع العربي واضطرت الآلاف ان لم يكن الملايين إلى اللجوء إلى تركيا وغيرها من البلدان الآمنة".
في حين قال المهندس التركي "علي أوزار" ذو 43 عاما، إنه من مدينة سيواس ويقطن على بعد 40 كم من مسجد شاه زاده فيما بعد منطقة بايلك دوزو، ولكنه جاء هو وأربعة من أصدقائه الأتراك لكي يعتكفوا قبل ليلة السابع والعشرين حتى يصلوا التراويح والتهجد ويقيموا ليلة القدر في مسجد شاه زاده الذي تفوح من جدرانه وهيئته عظمة دولتهم العثمانية وتاريخها العظيم في رعاية الدين الإسلامي والقيام على شعائره، كما أن الصلاة بهذا المسجد وسط جموع من مختلف الجنسيات من الإخوة العرب والآسيويين والأفارقة يشعرهم بمعاني الأخوة الإسلامية الواحدة التي افتقدناها منذ قسم سايكس بيكو أمتنا الإسلامية إلى 60 دولة.
وذكر كرم أوزوغلو أنه من ولاية كاستامونو ولكنه تواعد مع أصدقائه من أجل إحياء ليلة القدر في مسجد شاه زادة، "لما سمعنا عنه كثيرا قبل أن ناتي إلى إسطنبول، وشعرنا بأجواء روحية عالية في أثناء الصلاة حيث اعتدنا أن نأتي لإحياء ليلة القدر من كل عام في هذا المسجد".
ومن العراق يؤكد الطالب علي العبيدي من أبناء كركوك أنه منذ أن جاء إلى إسطنبول قبل ثلاث سنوات وهو يواظب على صلاة التراويح واعتكاف العشر الأواخر في مسجد شاه زادة، الأمر الذي يساعده على تلاوة القران في أجواء إيمانية والانقطاع عن مفاتن الدنيا خارج المسجد، وفي الوقت نفسه مذاكرة دروسه في الفترات ما بين الصلوات وفي أجواء الهدوء نهارا بينما يتفرغ للعبادة ليلا ليستعيد ما فقده من روحانيات في خلال شهر رمضان.
ومن طاجكستان قال الطالب الطاجيكي "جاسور جولميرزايف" إنه يسكن بالقرب من منطقة الفاتح، وبحكم قرب المسجد من سكنه اعتاد على صلاة القيام والتراويح في مسجد شاه زاده ومنذ سنتين لا يستطيع أن يترك الاعتكاف في هذا المسجد الذي له قوة جذب روحية غير عادية تجعل زملاءه من الطلاب يأتون إليه من مختلف أنحاء إسطنبول حيث يدرسون العلوم الشرعية ويحرصون على ختم القرآن في التراويح وعلى روحانيات الخشوع في صلوات التهجد خلال العشر الأواخر.
ومن منطقة يني بوسنة يقول عبد العزيز أحمد في العقد الخامس من العمر إنه جاء حديثا إلى تركيا، وعندما سأل عن مكان يعتكف فيه العشر الأواخر نصحه كثيرون من العرب بمنطقة يني بوسنة بضرورة الذهاب إلى مسجد شاه زادة، وعندما جاء يقول: "شكرت الله على هذه الهدية بالصلاة في مسجد شاه زادة بما يملؤه من أجواء الخشوع والسكينة، حيث أردنا الاعتكاف في مسجد بمنطقة بهجلي إيفلر لكن لم يكن فيه تهجد ولم نشعر فيه بأجواء رمضانية مثل شاه زاده".
وتؤكد ماجدة سعد أنها تحرص على صلاة التراويح والتهجد في مسجد شاه زاده في العشر الأواخر من رمضان، "لأن هذا المسجد له طابع خاص وله قوة جذب روحية تجعل الإنسان يشعر فيه وكأنه يصلي في الكعبة – مع الفارق- ولكن يتيح للإنسان مساحة يخلو فيها إلى نفسه في جو من الخشوع والطمأنينة النفسية تساعده على أن يختم القران ويشعر بالراحة النفسية العميقة".
بينما يشير الطالب الأوغوري عبد السلام شاتوت، من أبناء تركستان الشرقية إلى أنه عندما أراد الاعتكاف سأل شيخه ومُحفّظَه أين يمكنه الاعتكاف فكان الجواب في مسجد شاه زاده، يقول: "وبالفعل التزمت بالاعتكاف فيه واستمتعت بالأجواء الروحية الرائعة التي لم أتعرف عليها من قبل حيث أن هذا أول رمضان لي في إسطنبول".
ويقول الشيخ شعبان محمود العربي من سكان منطقة باجلر، إن هذا رمضان الخامس الذي يصليه في مسجد شاه زادة، ويضيف: "لا يمكنني أن أتغيب عن العشر الأواخر في هذا المسجد، بالرغم من أن هناك بعض المساجد التي تصلي التراويح بجزء كامل ولكن هذا المسجد بأجوائه الروحية لا مثيل له، ولذلك ناتي إليه مخصوصا حتى لصلاة التهجد والتراويح والعودة لأشغالنا في الصباح".
جدير بالذكر أن الجاليات العربية تفد إلى مسجد شاه زادة في صورة أسر كاملة بالوالدين والأبناء بمن فيهم الأطفال الصغار الذين يملؤون حدائق المسجد بعضهم بالصلاة وبعضهم بتلاوة القران والبعض الآخر باللعب واللهو خارج صحن المسجد، مما يخلق جوا اجتماعيا رائعا تتلاقى فيه الأسر العربية ببعضها البعض وكذلك الأسر التركية إذ يُحضرون طعام الفطور وأحيانا السحور ويفترشون حدائق المسجد والمساحات الخضراء للطعام ثم للصىلاة وأحيانا للاستراحة والهروب من الحرارة العالية داخل المسجد.
شاه زادة يمثل حالة فريدة بين مساجد إسطنبول كلها لصلاة التراويح والتهجد والتي ينقلها التلفزيون الرسمي في غالب الأحيان.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!