ترك برس
“مودورنو” (Mudurnu) مدينة صغيرة تقع على سفوح جبال ولاية بولو وسط تركيا، وتعد من المدن المفضلة بين السياح في فصل الشتاء.
تمثل مودورنو نافذة تاريخية للمنطقة، ينعم من يحالفه الحظ بزيارتها في الشتاء بمشاهدة مناظر خلابة على الأرض تحت الثلج و الضباب، وبمجرد الدخول إلى مودورنو يستشعر زائرها أن الوقت قد توقف عندها، فمنازلها التقليدية أجمل الأمثلة على فن العمارة العثمانية، كما أن حرفيّي المدينة ما زالوا يحافظون على تقاليد حرفتهم التي تعود إلى أكثر من 700 عام.
يحافظ سكان المدينة أسلوب حياتهم المتوارث الذي يعملون على حمايته منذ مئات السنين، ليحافظوا على أجواء مدينتهم الهادئة والطبيعية مع بقايا نسيجها التاريخي، لذلك أدرجت مودورنو في (شبكة سيتاسلو) أي المدن البطيئة في عام 2015، وتصبح جزءًا من “حركة المدن البطيئة”.
مركز تجاري تاريخي
مودورنو مدينة ضاربة في القدم تعود إلى آلاف السنين، فقد كانت المنطقة موطنا للفريجيين، والليديين، والفرس، والرومان، والبيزنطيين، والسلاجقة، والعثمانيين، وقد استمدت اسمها من الأميرة البيزنطية “موديرين” (Modrene) التي كانت تعيش في قلعة المدينة التي ما تزال آثارها قائمة.
كانت المدينة أيضًا على مفترق طرق التجارة الرئيسية منذ القرن الثالث عشر حتى القرن السادس عشر ، مثل طريق الحرير الذي كان يربط آسيا الوسطى بمدينة تبريز الواقعة في إيران حاليًا في القرنين الثالث عشر والرابع عشر، وطريق القرم الذي يربط دمشق بمدن ساحل البحر المتوسط.
وبصرف النظر عن أهميتها التجارية، فقد أدّت أيضا دورا مهما في الحياة الاجتماعية العثمانية، حيث يمكن رؤية ذلك من خلال القصور العثمانية المحفوظة بشكل جيد. وما تزال القصور الخشبية التي يعود تاريخها إلى القرن 19، والعديد منها بجدران بيضاء، مصطفة وسط المدينة، وتحتفظ أيضًا المتاجر في منطقة البازار التاريخية بنوافذها الأصلية.
و مع ذلك فإن آثار القرن التاسع عشر ، ليست وحدها السبب في امتلاك مودورنو شهرة تاريخية. يُحيي تجار المدينة نظام “آهي” (ahi)، وهي منظمة للتضامن بين التجار على غرار النقابات، بنيت على أساس التسامح والتوزيع العادل للثروة. وتقع القيم الأخلاقية والبنية التنظيمية لنظام “آهي” في قلب المنظمات التجارية والحرفية في مودورنو، حيث تدمج بين المهارة والإنتاجية والاحترافية، وهي قيم يتناقلها الناس ويتوارثونها.
يحتفل تجار المدينة بثقافة “آهي” في صلاة يؤدونها أسبوعيًا منذ أكثر من سبع قرون. وبسبب فرادة وندرة ثقافة “آهي” في القرن الحادي والعشرين، أدرجتها منظمة الأمم المتحدة للعلم والتربية والثقافة (اليونسكو) في القائمة المبدئية لمواقع التراث العالمي.
الطبيعة والصفاء
تأسست مدينة مودورنو على امتداد وادٍ عميق على ضفاف نهر مودورنو، في منطقة غنية بأشجار الصنوبر والينابيع الحرارية، ولذلك تتفرد بجمالها وكونها واحدة من الأماكن القليلة المتبقية التي تمكن زائرها من أن تصبح جزءا من الطبيعة دون أن يكون معزولًا عن العالم الحديث. ولذلك كانت هذه المدينة الصغيرة، ولا سيما بالنسبة لسكان إسطنبول، وجهة شهيرة للعطلات يزورها الناس للاسترخاء وطلبًا لراحة البال.
ويُنصح زائر مودورنو بالمرور على بحيرة “كارامورات” (Karamurat)، ليتمتع بمناظرها الطبيعية الرائعة، كما بإمكانه ممارسة هواية صيد السمك في البحيرة التي تضم عددا كبيرا من أسماك المياه العذبة.
وفي مودورنو كذلك، بحيرة طبيعية عجيبة اسمها “سولوكوغول” (Sülüklügöl)، وتعني بحيرة العلق. تكونت في أوائل القرن الثامن عشر بعد ظاهرة جيولوجية، وهي موطن لعدة أنواع من الأشجار المختلفة، ومن أغرب ما يميزها أشجار الصنوبر التي تنمو تحتها، والتي تظهر عندما تنخفض مستويات المياه. ولا يزال الغموض يلفّ ستمرار هذه الأشجار بالنمو تحت الماء لثلاثة قرون متتالية دون تصاب بأي أذى.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!